يحتل الحمام الشعبي مكانة مهمة ضمن الأنشطة النسائية التقليدية في المغرب، ويشكل الوجهة الأكثر استقطاباً لنساء الحي، خصوصاً في نهاية الأسبوع. ورغم التغيرات التي عرفها المغرب والتطورات التي دخلت على أنماط حياة النساء في البلاد، إلا أن الحمام ظل تقليداً راسخاً ضمن العادات المغربية في مختلف المدن والتجمعات السكنية. ولم تتمكن أندية السونا التي أغرقت المدن الرئيسية في المغرب من تهديد وجوده أو تشكيل أدنى منافس له. وحافظت العائلات المغربية بمختلف مستوياتها الاجتماعية على تقليد الذهاب إلى الحمام الذي كان في السابق موجوداً داخل البيوت، باعتبار أنه لم يكن للنساء قديماً حرية التصرف خارج البيت كما الحال الآن. ويختلف تعاطي النساء المغربيات مع الحمام التقليدي الذي يصطلح على تسميته في المغرب "الحمام البلدي"، فبينما تبحث النساء التقليديات غير العاملات على فسحة وسط الأسبوع، تكون فرصة للاسترخاء والابتعاد عن رعاية شؤون البيت والعائلة، ولقاء الجارات في آن، يشكل الحمام التقليدي للنساء العاملات مجالاً لنفض غبار تعب الحياة اليومية في العمل، ومناسبة للاختلاء بالنفس والابتعاد عن كل ضجيج المدينة، إلا أن دور الحمام ظل مرتبطاً في المغرب بمواعيد تضربها النساء المغربيات للالتقاء وتبادل أطراف الحديث حول التطورات الحاصلة في حياتهن العائلية، خصوصاً المشاكل الذي تمر بها العائلة، سواء على المستوى المادي أو العاطفي، ولا يترددن عن تناول مواضيع تدخل أحياناً في سرية الحياة الزوجية كطبيعة علاقة الزوجين، إلى اسلوب الانفاق داخل البيت والمشتريات... وقد يشكل الحمام مناسبة لتباهي النساء بما قدم إليهن من هدايا، في حين تتباهى العازبات بما حظين به من اهتمام من قبل الشبان... وتختلف الهندسة وتصاميم الحمامات في المغرب، لكنها تظل وفية لمعايير خاصة من حيث الأشكال الهندسية المغربية الصرفة أو توزيع صالات الاستحمام. وعادة ما تتوزع الصالات إلى ثلاث تختلف اضواؤها بحسب مستوى الحرارة. وتكون الصالة الأولى أقل اضاءة باعتبارها القاعة الأولى التي تطل منها النساء عند دخولهن إلى الحمام، لصون الحشمة، بينما ترتفع الحرارة والاضاءة في الصالة الثانية، مع فتحات صغيرة في السطح لخروج البخار. وتكون الصالة الثالثة الأكثر اضاءة وترتفع فيها الحرارة إلى مستويات كبيرة، إذ توجد فيها "البرمة"، وهي عبارة عن صهريج كبير يسيل فيه الماء الساخن باستمرار، ويكون إلى جانبه صهريج آخر يصب فيه الماء البارد. وتشكل صالة "البرمة" الوجهة الأولى للمستحمات طلباً للتمدد والاسترخاء والاستمتاع بالحرارة المرتفعة، ينتقلن بعدها إلى الصالة الثانية لبدء عمليات الاستحمام من فرك ودلك وازالة للزيوت والأوساخ. وتختتم النساء استحمامهن عادة في الصالة الثالثة للتأقلم مع مستوى الحرارة قبل الخروج إلى صالة الجلوس. ولا يمكن الحديث في المغرب عن الحمام التقليدي من دون الإشارة إلى "الطيابات"، وهن نسوة أربعينيات يشرفن على المستحمات منذ دخولهن الحمام إلى النهاية. وتتلخص مهمة "الطيابات" في ضمان تزويد المستحمات بالماء والاشراف على تدليكهن. كما تكلفن في غياب الامهات الاشراف على استحمام الأطفال. وبالإضافة إلى هذه المهمات، تنسج "الطيابات" مع الزبونات علاقة وطيدة تترجم من خلال الزيارات التي يقمن بها لبيوت المستحمات وتقديم خدمات عدة، بحيث يشكل الحمام فرصة ل "الطيابات" للبحث عن فرص أخرى للعمل خارج محور الحمام. ويرتبط الحمام في المغرب بتقليد قديم دأبت الأسر المغربية على صونه باصطحاب العروس ليلة زفافها إلى الحمام برفقة العازبات من عائلتها في كوكب فريد لا يزال مستمراً حتى الآن. وسواء في المدن الصغيرة أو الكبيرة أو الأرياف، يتطلب التقليد المغربي أن تأخذ العروس أول حمام قبل زفافها في الحمام "البلدي". وفي بعض المدن المغربية تذهب العروس إلى الحمام سبع مرات متتالية قبل موعد زفافها ضمن عادة راسخة ترمي إلى تطهير الفتاة قبل زواجها وطرد الشرور عنها. وتغادر العروس بيت العائلة إلى الحمام في موكب تضيئه الشموع وتزينه الورود وتحيط بها فتيات من العمر نفسه، يشترط أن تكن عازبات، يرددن الصلوات والسلام على رسم الله محمد، إلى أن تدخل إلى الحمام بعد أن تكون الفتيات و"الطيابات" قد سبقتها لغسل موضعها، واحاطته بالشموع لطرد الأرواح الشريرة و"المصالحة مع أهل المكان". ويحرص أهل العروس عند الدخول إلى الحمام على تقديم الحناء مخلوطة بالبيض والورود للقائمات على إدارته، كما تقيم المرافقات في نهاية استحمام العروس جلسة شاي مرفوقة بالحلوى على شرف كل النساء الموجودات في الحمام ذلك اليوم، وهي عادة ترمي إلى التبرك بالعروس قبل زفافها. وفي نهاية مشوار الاستحمام، تخرج العروس وقد ألبست أجمل ما لديها من أثواب يشترط أن تكون كلها جديدة، وتشمل القفطان وحذاء تقليدياً يطلق عليه "شربيل". وعلى غرار تقليد اصطحاب العروس إلى الحمام ليل زفافها، ترافق العائلات المغربية العروس إلى الحمام بعد سبعة أيام من وضعها مولودها الأول، وتقام لها الترتيبات نفسها ايذاناً بدخولها عالم الأمومة للمرة الأولى.