الاثنين 17/9/2012: بلا دموع المجازر على الشاشات، داخل البيت، دم قليل وجثث كثيرة ودمار، ولا يستعاد البشر والبيوت، فهم يؤولون الى خليط تراب ورماد، حيث لا نبات ولا شجر. في سورية المجازر، وقد سبقت في فلسطين ولبنان والعراق، فضلاً عن الجنون الباكستاني - الأفغاني، حيث البؤساء مخيّرون بين الاحتلال الأعمى وسجون طالبان. والمجازر يمهد لها ويعلق عليها متكلمون ينتسبون الى قداسة ما، لا ندري كيف ابتدعوها، ويعرضون على الناس خياراً من اثنين: العبودية أو استحقاق اللعنة. هذا العيش بين المجازر وكلامها يدفع الى القسوة، ربما لنستطيع تحمل العيش وأداء ما تبقى من عمل، في بلاد تسير بحماسة الى بطالة وصراخ. القسوة تتداخل في الوجدان بحيث نتغير، حقاً نتغير، ونفتقد الإحساس بالتعاطف، بالحزن على ما نرى ونسمع. لا أحد يبكي الآن، أين أنت أيتها الدموع الصادقة؟ الثلثاء 18/9/2012: فيلمان لا مبرر لشتم إنسان، فكيف للإساءة الى نبي ودين مقدسين لدى ربع البشرية. وحتى إذا رأى غير المسلم مجازر يرتكبها متطرفون باسم الإسلام، فإن رد الفعل يتوجه الى المتطرف لا إلى عامة المسلمين. هؤلاء هم الضحايا الحقيقيون لمتطرفي بلادهم، ربما أكثر من القتلى الأبرياء بأيدي طالبان وأخواتها. صرخ المتطرف: الله أكبر وذبح المخطوف البريء. لكنه ذبح أيضاً مؤمناً ما في مكان ما من العالم الواسع يصلّي قائلاً: الله اكبر، متوجهاً الى الله رب العالمين بطلب الخير للعالمين، أي للبشر جميعاً. ثمة متطرفون في كل مكان ومعتدلون أيضاً. التطرف يتمدد والاعتدال يتقلص، في كل مكان أيضاً. الأربعاء 19/9/2012: رابطة الكتّاب السوريين لا بد من تحية لرابطة الكتاب السوريين التي اجتمعت أمانتها العامة في القاهرة وانتخبت صادق جلال العظم رئيساً ورشا عمران وحسام الدين محمد نائبين للرئيس، وشكلت مكتباً تنفيذياً يضم العظم وعمران ومحمد وفرج بيرقدار ولينا الطيبي وريمة الجباعي وجورج صبرا وحسين العودات وخطيب بدلة وخلدون الشمعة وعبدالناصر العايد ومفيد نجم وحليم يوسف. هكذا استكملت الرابطة شكلها الإداري بعد جهود مضنية لمثقفين سوريين في مقدمهم الشاعر نوري الجراح. خطوة متقدمة للتخلص من تبعية الكاتب لحزب واحد وصولاً الى اتحاد يرعى حرية الفكر والتعبير ويدافع عنها وعن حقوق منتجي الثقافة. لكن الرابطة تشكلت في موازاة الثورة السورية متعاطفة معها، وإن لم تكن تابعة لها بالضرورة، فحال الثورة هي التي سمحت بإنشاء الرابطة، وديموقراطية المجتمعين في القاهرة أتاحت لأعضاء اتحاد الكتاب العرب (الرسمي) الانضمام الى الرابطة، خصوصاً في مرحلة انتقالية قد تطول مصحوبة بآلام الشعب السوري، لأن الاتحاد الرسمي قدّم لأعضائه عطاءات كالسكن وتعويضات أخرى. لكن الرابطة التي لن تتبع أجهزة الدولة السورية بعد الثورة بقدر ما ستكون واحدة من منظمات المجتمع المدني في سورية الديموقراطية، تتميز عن هذه المنظمات في كونها لصيقة بمشكلة الهوية الثقافية لسورية التي لم تحظ باهتمام يذكر منذ تشكّل الدولة الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى، وجرى التحايل على الهوية باللجوء الى العروبة كشعار ثقافي فضفاض يتعدى حدود الدولة الى بلدان في المشرق والمغرب. ويبتعد بإصرار عن مهمة أساسية هي تعريف الثقافة الوطنية السورية وتعهد أطيافها وعناصر التميز فيها. أليس لافتاً أن الأدبيات السورية الرسمية (وغير الرسمية أحياناً) تستخدم كلمة «قُطر» بدل كلمة «وطن» حين الحديث عن سورية، ف «الوطن» هو الوطن العربي، وليست سورية في يومياتها سوى كتلة بشرية تتهيأ للانضمام الى هذا «الوطن» ولا تشكل لسكانها وطناً نهائياً يتدبرون شؤونه ويطورونه ثقافياً واقتصادياً وسياسياً. الكتّاب السوريون لا يعتذرون هذه المرة عن سوريتهم، بل يفخرون بها تحت وطأة نار تقتل الأهل وتدمر العمران وتكاد تحرق الذاكرة. والرابطة، تذكر بتجمع للكتاب السوريين كان يحمل الاسم نفسه، ويضم روائيين وشعراء ونقاداً ماركسيين مثل سعيد حورانية وشوقي بغدادي وإحسان سركيس وصلاح دهني، أنشئ في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي ونشرت أعماله في مجلة «الثقافة الجديدة» اللبنانية التي كان يحررها محمد إبراهيم دكروب لمدة عامين فقط (1958 - 1959). لكن الرابطة الجديدة تتعدى السابقة، وإن جمعهما الانتماء الى الوطن السوري الموصوف بجغرافيته الطبيعية والبشرية، فهناك مهمات تبدأ بمتابعة النتاج الثقافي السوري والدفاع عن حرية منتجيه أياً كان موقعهم الفكري والفني، وتكون البداية بتحمل رأي الآخر وهواجسه ومناقشتها بروية ومن دون اتهام، فالذي لا يتحمل مقالة لأدونيس أو مقابلة مع نزيه أبو عفش كيف يمكنه تحمل أعباء ثقيلة مثل الدفاع عن التعدد الديني والعرقي والثقافي، بل حتى اللغوي، في سورية الديموقراطية الموعودة. وربما تطرح مهمات أكثر ثقلاً مثل تجميع العناصر المبعثرة للوطنية السورية وإعادة بنائها، على رغم رياح العولمة وتركيز الدول على المواطن الفرد وحقوقه كإنسان، وعلى رغم الموقع الجغرافي الصعب لسورية في تناقضات الإطار العربي القومي ومثيلتها في الإطار الأممي الإسلامي. نحتفل برابطة الكتّاب السوريين ولا نحسدها على مهماتها الصعبة. الخميس 20/9/2012: في الوادي كيف هذا الدنس يغطي الماضي وصولاً الى أحدث خفقة في القلب. لا ضوء يبقى في العين، لا ذاكرة في منام. تكفي خطيئة واحدة لتتعطل حياة بكاملها، ولحظة للتخلي تهدم عمراً بأكمله. لماذا هذا الذي كان يبدو حيوياً كأنما حدث للتوّ؟ كيف الفرح يذوب في الهواء، والخطأ حربة في الحلق نتحسسها لدى الأكل والشرب والتدخين؟ وفي قعر الوادي كنا نصنع الكلس من حجارة بيضاء، بنار الأعشاب البرية يعبق دخانها وعطرها. في قعر الوادي بقايا الكلس وحجارته تضيء مثل حشرات الليل. لا نحتاج قمراً يهدينا على الطريق البيضاء صعوداً الى بيت الأجداد. نرمي أحزاننا في مدفأة البيت العتيق هناك، ونترك خطايا المدن في المدن. الجمعة 21/9/2012: أعراس يبحث الشاعر والناقد العراقي شاكر لعيبي في الأصول الرافدينية والمصرية لأشعار الاستحمام عند النساء العربيات اليوم، ففي كتابه «المستحمات في ينابيع عشتار» (صدر عن دار المدى في بغداد) تنبيه الى أن الأعراس التقليدية في المشرق العربي لا تزال، على رغم متغيرات العولمة، تحمل أصولاً تراثية لطقوس الاغتسال في احتفاليات الزواج، ذات الوجهين التطهري والإيروتيكي. يستقرئ الكاتب أغاني وتماثيل ونقوشاً، منذ عشتار الأولى الى أحدث عرس يحتفل بفتاة في سبيلها الى الزواج. من أغاني استحمام العروسين في الكتاب: «يا عصير الرمان/ أيها العريس في حمامه/ بعثت لك البدلة/ والصانع الخادم» (من فلسطين). «يا ماشطة مشّطيها/ ولا توجعيها أدنى نأمة/ وبماء الزهر عطّريها/ وسوّي جدائلها بحنان ورفق./ أيتها المزينة زينيها/ لكن لا تقربي الحواجب/ كحّلي العينين السوداوين/ وبميل الألماس اصنعي لهما ذنبين». (من لبنان). «الحارس الذي وضعوه على الباب/ هو من كان يركب الفرس/ الشوك الذي وضعوه على الباب/ هو ما كان على ظهر الفرس ويبرق». (من الأردن). «أيتها الماشطة مشطيها/ وأجلسيها على السطح العالي/ أيتها الماشطة مشطيها/ إنها معتادة على الترف/ لو فقط شاهدت شعرها/ المشط الذهبي يليق له/ سأسكنها في غرفة فارهة». (من العراق). «قال لي الطشت:/ أيتها الجميلة هيا انهضي واستحمّي». (من مصر). «أيها النوخذة يا حليلي/ عرج بنا مع ريح الشمال/ أيها النوخذة عرج بنا نحو اليابسة/ قبل وقوع الزلازل والأمطار/ قبل أن تمتلئ السماء بالغيم». (من السعودية). «الليلة مبروكة عليك يا نعومة/ يا جمال الناس تلك الأيام/ يوم وضعوا لك الحنّاء اسودّت الحنّاء/ يوم سرّحوا شعرك سالت الدمعة». (من السودان).