يعني العقد الذي تحدثت وسائل الاعلام الغربية اخيرا عن توقيعه بين العراق وروسيا لتعزيز الدفاعات الجوية العراقية وتصليح طائرات "ميغ"، ان الحكومة العراقية لا تزال، على رغم الواقع الاقتصادي المنهار والوضع المعيشي المفجع لغالبية المواطنين العراقيين، تغلب المسائل الامنية والعسكرية على الحاجات اليومية للمواطنين. ويتزامن مثل هذه العقود مع ارتفاع في اسعار المواد الاساسية وهبوط جديد في قيمة الدينار، واصبح مشهد الحمالين يحملون اكياس الطحين والرز زنة مئة كيلوغرام المملوءة بالدنانير وهم يتقدمون التجار في سوق الشورجة المركزي في قلب بغداد مقابل شارع البنوك، من المشاهد المألوفة. ووصل سعر صرف الدولار الى 1800 دينار عراقي بسبب طبع العملة واصدارها من دون ضوابط. ومن المعروف ان حسين كامل، صهر الرئيس صدام حسين، كان يشرف على هذه العملية، التي يتولاها الان عدي، الابن البكر للرئيس العراقي. من جهة اخرى، تبالغ بغداد في قدرتها على اعادة اعمار البنية التحتية، فاصلاح المحطات الخاصة بتوليد الكهرباء كان جزئيا، ولا تزال عملية تقنين الكهرباء مستمرة في مناطق بغداد، اذ تقطع الكهرباء لمدة اربع ساعات يوميا بالتناوب مع المناطق والاحياء. وتتفاقم هذه المشكلة في مناطق العراق الاخرى، خصوصا في المحافظات الجنوبية. وقللت الحكومة، لاسباب سياسية، من وقع الكارثة التي ظهرت بعد الحرب، اذ اعترفت المصادر الرسمية العراقية على لسان رئيس الوزراء سعدون حمادي عام 1991 بأن قيمة الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية العراقية بلغت 200 بليون دولار، لكن رئيس الوزراء الذي تلاه خفف من وقع الكارثة الاقتصادية، وقال ان ما خسره العراق لم يكن كبيرا وان الحكومة اعادت بناء كل ما دمر. وفي ظل سيطرة البطاقة التموينية على الوضع المعيشي للمواطنين وشح المواد في الاسواق وارتفاع اسعارها، تبدو المساعدات المقدمة من قبل بعض الدول والجمعيات من دون جدوى، خصوصا تلك التي تقدم باسم اطفال العراق، اذ يسيطر عليها عدي صدام حسين ويخزنها في مخازن اللجنة الاولمبية، ويُوزع قسم ضئيل منها، امام وسائل الاعلام، ويباع الجزء الاكبر في السوق حتى من دون ان تنزع عنه علامة التبرع لاطفال العراق، كما يروي شهود عيان شاركوا في هذه العمليات او اشرفوا عليها. من جهة اخرى، اصبح التهريب الذي يقوم به بعض الاشخاص المحسوبين على العائلة الحاكمة ظاهرة اساسية في النشاط الاقتصادي، وحل محل نشاط الدولة. وتشير احصاءات غير رسمية الى ان عدي صدام حسين يشرف بتهريب نحو 50 الف برميل يوميا من المنتجات النفطية الى ايران عبر دبي والشارقة، حيث تباع بأسعار بخسة تصل في بعض الحالات الى ثلاثة دولارات للبرميل، اضافة الى تهريب 50 الف برميل الى تركيا عبر المنطقة الامنة في كردستان العراق التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويجني نتيجة ذلك 200 مليون دولار سنويا. كذلك تشيع ظاهرة تهريب السجائر والكحول عبر المناطق التي يسيطر عليها الاكراد، ما يوفر مبلغا شهريا يتجاوز عشرة ملايين دولار لشركات عدي صدام حسين الخاصة التي تسيطر على شبكات تهريب السجائر الاجنبية في العراق.