اظهرت الحكومة الاسرائيلية ارتباكاً وتردداً، امس، بالمقارنة مع اجواء التصعيد والانتقام التي اشاعتها مساء الاحد. وأدت إتصالات دولية كثيفة اجريت خلال اليومين الماضيين الى احتواء التوتر في جنوبلبنان، وبدا احتمال عمل عسكري إسرائيلي واسع كأنه انحسر، بعد التهديدات التي اطلقتها اسرائيل بشن هجمات من البحر والبر والجو على مواقع "حزب الله". وأثمرت الإتصالات التي قادتها الولاياتالمتحدة الأميركية، وكان لافتاً دخول وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت على خطها وهي في زيارة للصين، تحديد موعد عاجل، غداً الأربعاء، للجنة المراقبة المنبثقة من تفاهم نيسان ابريل وهي تضم الى الجانب الأميركي الذي يترأسها، فرنسا وإسرائيل وسورية ولبنان. راجع ص2 وكانت اجواء الهدوء القلق والترقب سيطرت طوال نهار أمس، على مناطق الجنوباللبناني، في ظل استنفار للجيش اللبناني ووحدات المقاومة في المناطق المقابلة للإحتلال الإسرائيلي، تحوطاً من اي عمل عسكري اسرائيلي. وفيما ترك هذا الهدوء انطباعاً بأنه هدوء ما قبل العاصفة، سجلت وسائل الإعلام، بما فيها الإسرائيلية، ان نتانياهو وحكومته مرتبكان، بعد الخسارة الموجعة التي تلقاها الجيش الإسرائيلي صباح اول من امس بمقتل الجنرال ايرز غيرشتاين وضابطين آخرين وصحافي في الجنوب المحتل، بعد 5 ايام على مقتل ثلاثة ضباط في البقاع الغربي اللبناني، على ايدي رجال المقاومة الإسلامية - الجناح العسكري ل"حزب الله". فهاجس تجربة فشل رئيس الحكومة السابق شمعون بيريز، العام 1996 في عملية "عناقيد الغضب" وسقوطه في الإنتخابات بعدها، ماثل أمام نتانياهو، ويؤثر في القرارات الإنتقامية أزاء لبنان. لكن نتانياهو أعلن بعد ظهر امس من مستعمرة كريات شمونة سياسة انتقامية جديدة حيال هجمات "حزب الله". وقال "سنستمر في هجماتنا طبقاً لسياستنا الجديدة التي لا تضع قيوداً على الجيش". وقال ان "اسرائيل مستعدة لضرب المزيد من اهداف "حزب الله" في لبنان انتقاماً لمقتل جنرال في الجيش وجنديين وصحافي". لكن مصادر امنية قالت ان الجيش لن يكثف الهجمات اذا امتنع المقاومون عن شن هجمات صاروخية على شمال اسرائيل. ورأت ان استئناف الهجمات منوط برد فعل "حزب الله". وقال نتانياهو للصحافيين "ستواصل اسرائيل المعركة ضد "حزب الله" لأنه يواصل المعركة ضدنا". كما تحدث نتانياهو في مستوطنة اوفرا في الضفة الغربية حيث قدّم العزاء لأسرة ضابط قتل الاسبوع الماضي في لبنان، قائلاً "لن اخوض في تفاصيل العمليات لكن خططنا موضوعة في شكل جيد وأهدافنا منتقاة". وكانت الحكومة الاسرائيلية المصغرة، بحثت برئاسة نتانياهو الموقف، وقال مصدر امني "ان عمليات الرد تحدد طبيعتها وحجمها، التطورات على الصعيدين العسكري والسياسي". وفي وقت ركزت التصريحات الإسرائيلية على ان الغارات التي شنّتها طائرات حربية ليل اول من امس استهدفت البنية التحتية ل"حزب الله"، الأمر الذي نفته قيادة الحزب، واستبعد نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم هجوماً اسرائيلياً واسعاً شبيهاً بعدوان العام 1996، حاولت مصادر امنية اسرائيلية التخفيف من عجز الدولة العبرية عن القيام بعمل عسكري واسع، مشيرة الى ان القصف الذي اصاب ليل السبت - الأحد الماضي الأراضي الإسرائيلية بصواريخ كاتيوشا، من دون ان يسفر عن اي ضحايا "يمكن ان يكون من فعل تنظيم آخر غير "حزب الله". ورأى مسؤولون أمنيون اسرائيليون ان مقتل الجنرال الاسرائيلي ليس انتهاكاً لتفاهم نيسان. اما قاسم فأكد ان "حزب الله" ملتزم تفاهم نيسان الذي يحصر العمليات بالعسكريين ويدعو الى تحييد المدنيين. وقد نام سكان شمال اسرائيل في الملاجئ ليل السبت - الأحد الماضي. وقال الجيش الإسرائيلي بعد ظهر أمس للسكان "ان في إمكانهم مغادرة المخابئ"، التي باتوا فيها 24 ساعة تحت الأرض. وكانت الوزيرة الأميركية أولبرايت، بحسب قول مسؤول أميركي في إسرائيل، تحدثت من الصين الى المسؤولين الإسرائيليين داعية الى التهدئة مشددة على التزام تفاهم نيسان. وكشف مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية ان اولبرايت بعثت من الصين برسائل الى كل من الرئىس اللبناني اميل لحود والرئىس السوري حافظ الاسد "لحضّهما على اتخاذ تدابير سريعة تهدف الى تهدئة الوضع في الجنوب". وقال المسؤول "ان الجانب الاميركي كان امس ايضاً على اتصال مستمر مع كبار المسؤولين الإسرائيليين لحضّهم على ضبط النفس وتفادي توسيع النزاع". وشاركت فرنسا على أعلى المستويات في التهدئة وأعلن الرئىس جاك شيراك وجوب استئناف الحوار في اطار لجنة المراقبة معرباً عن قلقه، بعد استقباله البطريرك الماروني نصرالله صفير من تصاعد التوتر، داعياً الى ضبط النفس. وكان الرئىس لحود اكد "تجاوب لبنان مع التهدئة، لكن اسرائيل تستمر في اعتداءاتها". وتتبع الإتصالات التي اجريت على الصعيد الدولي من اجل التهدئة. وأعلن الناطق الرئاسي السوري السيد جبران كورية ان الرئىس حافظ الأسد اتصل امس بالرئىس اللبناني اميل لحود وبحث معه في "التطورات الأخيرة في المنطقة والوضع في الجنوباللبناني في ضوء الإعتداءات والتهديدات الإسرائيلية". وكان رئىس الحكومة وزير الخارجية الدكتور سليم الحص اجرى بعد ظهر امس اتصالاً بوزير الخارجية الفرنسي هوبير فيديرين وتشاور معه في التوتر المستجد في الجنوب، واتفقا على ضرورة ان تعقد اللجنة اجتماعاً عاجلاً للعمل على تهدئة الوضع. ونظراً الى وجود وزيرة الخارجية الاميركية أولبرايت في الصين، في زيارة رسمية وتعذر الاتصال بها هناك، تحدث الرئىس الحص مع مسؤول عن لبنان في الخارجية الأميركية ووضعه في اجواء التهديدات الاسرائيلية وطلب منه تدخل بلاده للتهدئة. وقد سمع منه جواباً إيجابياً وموافقة على دعوة اللجنة لاجتماع عاجل لهذه الغاية مع وعد بأن ينقل فحوى محادثاته الى الوزيرة اولبرايت. ولهذه الغاية اجرى الحص اتصالاً بوزير الخارجية السورية فاروق الشرع، كما اجرى اتصالات خارجية ومحلية لاحتواء التوتر الجديد، استمرت حتى ساعة متقدمة من الليل. وقالت مصادر لبنانية رسمية رفيعة المستوى ل"الحياة" ان كبار المسؤولين في بيروت ليسوا شديدي القلق من الوضع، لكن هذا لا يعني عدم تكثيف الاتصالات مع الجانبين الاميركي والفرنسي لضمان ضبط الوضع، وضمان عدم تقديم ذريعة الى الجانب الاسرائيلي كي يصعّد عملياته. وأعربت المصادر عن اعتقادها ان اسرائيل تهدد بهدف الترويع وتقوم بعض الغارات لاستدراج ذرائع قبل اجتماع لجنة المراقبة في محاولة لفرض واقع جديد. لكن الاتصالات الجارية ستجعل من الصعب عليها التذرع بأي خطوة من الجانب اللبناني او ان تتسبب بخروقات بين الدولة والمقاومة، خصوصاً ان هناك انضباطاً من الجانب اللبناني. وذكرت المصادر الرسمية ان الجانب الاميركي يحرص على الحفاظ على صدقيته ويدفع اسرائيل الى الانسجام مع تفاهم نيسان. ومساءً تلقى الرئيس الحص اتصالاً من مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط مارتن انديك، وابلغ اليه دعم واشنطن للاجتماع العاجل للجنة المراقبة. وقالت مصادر الحص ان انديك اشار الى امكان تقديم موعد الاجتماع من غد الاربعاء الى مساء اليوم الثلثاء. وقال الحص ل "الحياة" ان انديك اكد له ان الادارة الاميركية مستعدة لدعم كل المساعي من أجل تهدئة الوضع الميداني