سكوت بيترسون، من اسرة "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركية، اذهلته معركة في ايران لم يكن يتوقعها. فبالنسبة الى الكثيرين من رجال الدين المتشددين، يتأتى الخطر الثقافي الأكبر على الثورة من كائن صغير يجلس على رفوف بعض الدكاكين الطهرانية. انه باربي التي تقدم، بجسمها المنحني وتنانيرها القصيرة وشعرها الاشقر البلاتيني، صورة للمرأة لا تستطيع الثورة الاسلامية في ايران ان تهضمها. والمشكلة ان هذه "الفتاة" الاميركية التي تُعدّ بين اكثر الدمى المطلوبة في العالم، كثيراً ما تستهوي البنات الايرانيات. ومع ان ايران مجتمع مغلق رسمياً، يمكن العثور على باربي في الأسواق الشرعية، ما حمل البعض على التنبيه من "غزو ثقافي" غربي تقوده باربي، فيما تتبعها "جحافل" هوليوود والهمبرغر. ويبدو ان الرسميين الايرانيين حاولوا تقديم جواب اسلامي عملي على باربي، على أن يصار الى تجسيده مع حلول الذكرى العشرين للثورة، في 11 شباط فبراير الماضي. بيد ان موعد انتاج "سارا وشقيقها دارا" ما لبث ان أُجّل الى الربيع، نظراً لعدم توافر "الشَعر الملائم". وحينما بحث الصحافي سكوت بيترسون عن تفسير لما يجري، جاءه الجواب من مجيد قادري، مدير معهد في طهران معنيّ بتربية الاطفال وبتصميم البديل "سارا ودارا": "في ما يتعلق بباربي، نحن لا نعتقد انها سيئة لأطفالنا فحسب، بل نرى أنها غير ملائمة للأطفال الأميركان أيضاً. فهي لا تعلّم الا النزعة الاستهلاكية، كما تعلم الاطفال ان يكبروا بسرعة اذ تدلهم على كيفية تقليد الكبار في المظهر والملبس والتبرّج، كما في الاختلاط بالجنس الآخر". وفي المقابل فان البديل الموعود يحظى بنعوت مختلفة تماماً: "فسارا ودارا لهما ملامح شرقية ... واذا كانت باربي رمزاً للثقافة الاميركية، فان الشيء الاول الذي يهمّنا صنعه هو تعريف ابنائنا بحقيقتهم وبثقافتهم، وعلينا ان نتصرف بحيث نجعل الاولاد يرفضون، من تلقاء ذاتهم، الجزء السيء من الثقافة الغربية، ويستوعبون الجزء الجيد". هذا الكلام أشبه بسكين لا تقطع في ما خص الاميركان. فالصحافي، يبدو مما كتبه، انه لا يفهم تماما وجه الخطأ في تسريع بلوغ الصغار، لكنه لا يفهم خصوصاً هذه الطاقة المنسوبة الى دمية تسلّي أطفال العالم. واكثر مَن يخونه فهم الثوريين الايرانيين هو جيل باراد، الرئيس التنفيذي لشركة ماتّيل التي تصنع باربي، والذي يعد بالمزيد من الاندفاع التصديري والتوسع نحو الاسواق الكونية جميعاً، لأنه لا يرى أي اساءة في تعميم الاستهلاك وامتاع الأطفال والتقريب بين الأذواق، معطوفةً جميعاً على تحقيق الأرباح. والحال ان لعبة باربي ليست "التأثير الثقافي" الأميركي الأوحد على حياة الايرانيين ممن أوغلوا طويلاً في "التغرب" قبل ثورة 1979. ولئن ألغت الثورة رسمياً الأفلام والموسيقى الغربية، فان فيلم "تايتانيك" لم تتأخر كاسيتات الفيديو اكثر من اسبوع على ظهوره في الولاياتالمتحدة، فبادرت لنقله الى ايران واشاعته على نطاق واسع. والموسيقى الغربية سلعة حارة اخرى في ايران، وكثيراً ما يخبىء المهربون عشرات السي. دي. في معاطفهم. فاذا اضفنا شعبية الهمبرغر والبيتزا ومحاولة الصناعة المحلية تقليدَ احذية نايكي، بل اذا اضفنا توسع الاتصال الكوني والساتلايت والتلفزيون والانترنت، ادركنا صعوبة الفوز في معركة "صدّ الغزو" الذي تشكل باربي فصيله الصدامي المتقدم. أليست رئاسة خاتمي نفسها محاولة متعثرة للقول: إن عقول الايرانيين ينبغي ان تتفرّغ لما هو أهم من تلك الدمية؟