عرض الرئيس الفرنسي جاك شيراك مجدداً الأفكار الفرنسية للخروج من الأزمة بين العراق والمجتمع الدولي خلال لقاء عقده امس في واشنطن مع الرئيس الاميركي بيل كلينتون ، وأثار معه موضوع مسيرة السلام من بين مواضيع عديدة تطرقا اليها وفي مقدمتها مفاوضات رامبوييه حول السلام في كوسوفو وكان شيراك تطرّق الى موضوع العراق في جلسة خاصة مع الوفد الصحافي المرافق له فأكدّ أن فرنسا وضعت طروحات للخروج من الازمة مع العراق تقضي بفرض مراقبة طويلة المدى على التسلّح العراقي بعدما توقفت هذه المراقبة بمغادرة لجنة "اونسكوم" للأراضي العراقية، وبتحسين وضع الشعب العراقي عبر رفع الحظر النفطي عنه خصوصاً أنه حالياً موضع خروقات كبيرة عبر التهريب، وبفرض مراقبة مشدّدة على العائدات. وأكدّ شيراك أن هذه الأفكار قابلة للتطوير وأنها حالياً موضع درس وتداول لدى الخبراء مشدداً على أنها ليست مرفوضة بل هي قيد الدرس جديّا. وأضاف أن الأفكار الفرنسية لقيت ترحيباً في إجتماع وزراء خارجية جامعة الدول العربية اخيراً في القاهرة وأن الخبراء الاميركيين يدرسونها أيضاً. وردّا على سؤال ل"الحياة" عمّا إذا كان يأمل بإقناع الرئيس الأميركي بها أكدّ شيراك أنه سيتحدّث عنها. الى ذلك، قال مصدر فرنسي واسع الإطّلاع على المفاوضات الجارية مع الإدارة الأميركية حول موضوع العراق ل"الحياة" أن هذه المفاوضات معطّلة كلّيا بسبب الموقف الأميركي الذي لم يتغيّر. ولكن مصادر فرنسية مطّلعة أكدّت ل"الحياة" أن فرنسا مستاءة جدّا من سياسة الرئيس العراقي صدام حسين الذي لا يساعد من يريد العمل في مجلس الأمن لتخفيف معاناة الشعب العراقي لأنه يتخّذ مواقف معادية لجيرانه ورافضة لمساعي بعض الدول وكأنه يريد خدمة السياسية الاميركية المتشدّدة تجاه العراق. ولاحظت المصادر أن الوفد البرلماني الفرنسي الذي زار العراق اخيراً خرج بإنطباع بأن التيار المتشدّد في العراق هو الذي يسيطر الان على السياسة الخارجية العراقية وأن الديبلوماسيين مثل طارق عزيز وغيرهم انخفض تأثيرهم بشكل ملموس. وأوضح مصدر أميركي مطّلع ل"الحياة" أن لدى الادارة الاميركية سياسة جديدة تجاه العراق تقضي بإحتواء صدام حتى قلب نظامه وان الادارة الاميركية تدرك أن السبيل الأفضل للتخلّص من نظام صدام حسين هو العمل مع العراقيين في الداخل وليس مع المعارضة في الخارج. وقال أن هذا ما يقوم به الديبلوماسي الاميركي فرانك ريتشاردوني الذي يسعى الى التعامل مع الأحزاب داخل العراق أي الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب ومجموعات في وسط العراق. وأشار الى أن هذا الشق هو الأكثر تعقيداً لأن الادارة الاميركية لا تعرف أين مركز المجموعات السنية وأنها مدركة أنه منذ عملية "ثعلب الصحراء" وقع بعض الحوادث داخل الجيش العراقي، أدّت الى مقتل عدد من العسكريين وكبار الضباط ولكن الادارة الاميركية لا تملك تفاصيل واضحة عمّا حدث في الوسط. وتابع أنه من الواضح أن الأكراد في الشمال باتوا في وضع لا يحتمل رغم أنهم راضون بالحكم الذاتي وأن الولاياتالمتحدة نجحت في مصالحة الأكراد. لكنه أضاف أن المشكلة مع الأكراد هي عصبية الأتراك حيالهم ورفضهم تسليح الولاياتالمتحدة للأكراد خوفاً من أن يأتي يوم يرتّد فيه أكراد شمال العراق على تركيا بسلاحهم. والمشكلة الاخرى بالنسبة الى الإدارة الاميركية في التعامل مع المعارضة العراقية هي أن باقر حكيم مركزه في ايران والادارة الاميركية مقتنعة بأنه رغم كراهية النظام الايراني لصدام حسين فإن ايران ترفض كلياً قيام نظام جديد في العراق تحت وصاية اميركية لأسباب واضحة. أما بالنسبة الى المعارضة العراقية في الخارج، مثل أحمد جلبي، فلدى الادارة الاميركية تفهم تام لكونها غير قادرة على القيام بما يمكن ان تقوم به المجموعات في داخل العراق، ولكن الادارة الاميركية تأمل في أن تكون أصوات المعارضة العراقية في الخارج ضد صدام حسين. وأكدّ المصدر ان الكل في الولاياتالمتحدة مدرك ان العمل على المدى الطويل في العراق هو مع الداخل اضافة الى التعاون مع الدول المجاورة مثل الاردنوتركيا وسورية. وقال ان ما ينقص حالياً في هذه السياسية هو غياب مقاتلين على الارض مستعدين للموت في مقاومة صدام حسين، علماً بأن من الصعب قلب النظام من دون الدخول عسكرياً الى العراق، وهذا ما لن تقوم به السياسة الاميركية لكنها ستعمل على المدى الطويل وعبر ضربات عسكرية يومية تنهك النظام.