سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التوقعات الاقتصادية للمنطقة العربية عام 1999 : هبوط أسعار النفط وجمود عملية السلام وتراجع معدلات النمو ... عوامل تهدد النشاط الاقتصادي في الشرق الأوسط 1 من 2
شهد العام المنصرم تقلبات كثيرة على الصعيدين العالمي والاقليمي على حد سواء، إذ حدثت تطورات لم تكن متوقعة منها على سبيل المثال الانهيار المالي في روسيا والتصويت لعزل الرئيس الأميركي بيل كلينتون، خسارة المستشار الألماني هيلموت كول في الانتخابات، تضاعف مؤشر سوق الأسهم في كوريا الجنوبية مقوماً بالدولار، وصول معدلات البطالة في اليابان إلى مستويات أعلى من مثيلاتها في الولاياتالمتحدة، وعمليات الاندماج بين شركات محلية وعالمية، منها شركة يملر بنز الألمانية للسيارات وشركة كرايسلر الأميركية، دويتشه بنك الألماني وبانكرز ترست الأميركي، شركتي نفط اكسون وموبيل وغيرها. أما في منطقتنا فقد حدثت تطورات أيضاً ما كان بالإمكان التنبؤ بها، ونذكر منها انخفاظ أسعار البترول إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل الواحد، خروج الرئيس الحريري من رئاسة الوزراء في لبنان، القصف المكثف للعراق الذي فاق الشدة التي عرفت عام 1991، واقتراحات بفتح قطاع النفط في الخليج للمستثمرين الأجانب. لا نستطيع على وجه التأكيد تحديد المسار المستقبلي للاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، لكن الدلائل تشير إلى أن النمو الاقتصادي لعام 1999 سيكون أبطأ من عام 1998 على الصعيدين العالمي والاقليمي. فمن المتوقع أن تتراجع معدلات الفائدة على الدولار. كما ان بدء التعامل باليورو سيزيد من الطلب على السندات والأسهم الأوروبية، وتذكرنا الأزمة في البرازيل في مطلع هذا العام أن الأسواق الناشئة ما زالت تحمل في طياتها الكثير من المخاطر، وأن إعادة الثقة بها تتطلب بعض الوقت. أما بالنسبة لدول الخليج العربي، فإن التوقعات الاقتصادية لهذا العام قد تكون الأسوأ منذ منتصف الثمانينات. إن العوامل التي قد تؤثر سلباً في النمو الاقتصادي في المنطقة هذا العام تتضمن هبوط أسعار النفط، جمود عملية السلام في الشرق الأوسط، تراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمي، ومخاطر عدم الاستقرار التي قد تتعرض لها أسواق رأس المال الناشئة. غير ان التوقعات الاقتصادية غير المشجعة لهذه السنة بعد الأداء السيئ في عام 1998 يمكن ان تكون المحرك والحافز للتغيير ولدفع الحكومات نحو تبني اصلاحات هيكلية اضافية قد تحفز من امكانات النمو مستقبلاً. من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الاجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بمعدل 8،0 في المئة بالأسعار الحقيقية لعام 1999 بعد أن حقق معدل نمو بلغ 1،2 في المئة في عام 1998. وإذا أخذ في الاعتبار معدل النمو السكاني المرتفع في المنطقة الذي بلغ 5،2 في المئة، يكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الحقيقي سجل معدل نمو سلبي بنسبة 6،1 في المئة في عام 1998 بعدما أظهر معدلات نمو ايجابية في العامين السابقين. كما ان معدلات النمو هذه تفاوتت بشكل ملحوظ بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى ذات الاقتصاديات المتنوعة، كذلك بين الدول في كل مجموعة، فعلى سبيل المثال، فإن التقديرات الأولية لعام 1998 تشير إلى أن الناتج المحلي الاجمالي لمجموعة دول مجلس التعاون الخليجي سجل معدل نمو حقيقي بلغ 3،1 في المئة يقابله 4،3 في المئة للدول ذات الاقتصاديات المتنوعة. بطالة ويتوقع ان تزداد حدة البطالة في المنطقة هذا العام وأن تكون معدلات التضخم أكثر مما كانت عليه في عام 1998، إذ ستعاود أسعار المستوردات أن تعود إلى الارتفاع وأن يتراجع الدعم الذي تقدمه الحكومة لأسعار بعض السلع والخدمات بسبب ارتفاع العجز في الموازنات العامة لدول المنطقة. لقد كانت معدلات التضخم في معظم دول المنطقة منخفضة بشكل عام في سنة 1996، واستمرت في الانخفاض في العامين التاليين 1997 و1998. وتشير التقديرات الأولية إلى أن أربعة من دول مجلس التعاون الخليجي، هي البحرين، الكويت، عُمان، والمملكة العربية السعودية شهدت معدلات غلاء معيشة سالبة في عام 1998. كما يتوقع أيضاً أن ينخفض تدفق رأس المال الخاص للأسواق الناشئة إلى 150 بليون دولار هذه السنة، مقارنة ب 158 مليار دولار عام 1998، و242 بليون دولار عام 1997، مع العلم أن الحد الأعلى لهذا التدفق قد وصل إلى 308 بليون دولار في عام 1996. ويعود هذا الانخفاض بسبب تأثير الأزمة المالية في البرازيل والزيادة الظاهرة في تجنب مخاطر الاستثمار في الأسواق الناشئة من قبل محافظ الاستثمار والمفوضين العالميين. أما من ناحية منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فمن المتوقع أن يصل مجموع تدفقات رؤوس الأموال إلى 6،10 بليون دولار في عام 1999، مقارنة مع 4،8 بليون دولار حسب التقديرات الأولية لعام 1998، و15 بليون دولار عام 1997، وتقدر تدفقات رؤوس الأموال من مصادر رسمية في حدود 600 مليون دولار مقارنة بتدفقات رؤوس الأموال الخاصة والتي قد تصل إلى 10 بلايين دولار، منها 5،1 بليون دولار من محافظ الاستثمار العالمية والباقي على شكل قروض من بنوك أجنبية، وسندات، وشهادات ايداع مصدرة في الأسواق العالمية، بالاضافة إلى الاستثمارات الأجنبية الخاصة المباشرة. أسعار البترول وعائدات الصادرات النفطية سجل سعر برميل النفط عام 1998 انخفاضاً مقداره 4،6 دولار أميركي عن سعره عام 1997 الذي بلغ 7،18 دولار، وهذا يعني تراجعاً كبيراً بمقدار 2،34 في المئة. وجاء معدل أسعار نفط "أوبك" في حدود 3،12 دولار للبرميل عام 1998، أي أقل معدل له خلال العشرين سنة الأخيرة. لقد زاد انتاج النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بنسبة 3،3 في المئة السنة الماضية، فارتفع من 8،19 مليون برميل يومياً في عام 1997 إلى 5،20 مليون برميل يومياً في عام 1998. وإذا استثنينا العراق وقطر اللذين رفعا انتاجهما في عام 1988 بمقدار 881 ألف برميل يومياً و10 آلاف برميل يومياً على التوالي، فإن انتاج النفط في دول المنطقة الأخرى إما انخفض أو بقي على حاله، مقارنة بمعدلات عام 1997. كما تشير التقديرات الأولية إلى ان عائدات المنطقة النفطية بلغت 44،69 بليون دولار عام 1998، أي بانخفاض مقداره 31 بليون دولار أميركي عن المستوى المسجل في عام 1997 الذي بلغ 52،100 بليون دولار. ويجدر الاشارة هنا إلى أن عائدات النفط في العام الماضي لا تزيد على 5،37 في المئة من أعلى مستوى وصلت إليه عام 1980 الذي بلغ 185 بليون دولار. وسيتأثر سوق النفط هذا العام بضعف نمو الطلب العالمي وارتفاع معدلات انتاج الدول خارج منظمة "أوبك" وقدرة أعضاء "أوبك" على التزام حصص الانتاج المتفق عليها. فالأزمة الاقتصادية في شرق آسيا وأثرها في الدول النامية الأخرى ساهمت في انخفاض ملحوظ في الطلب العالمي على النفط، فالشرق الأقصى، بما فيه اليابان والصين وكوريا الجنوبية، يمثل 25 في المئة من الطلب العالمي على النفط، كما ان نصف الزيادة السنوية لاستهلاك النفط العالمي كانت تأتي من تلك المنطقة. وزاد الطلب العالمي على النفط بمقدار 405 آلاف برميل يومياً في عام 1998 مقارنة مع 99،1 مليون برميل يومياً عام 1997. وفي شرق آسيا تراجع الطلب على النفط بمقدار 268 ألف برميل يومياً في السنة الماضية مقارنة بزيادة وصلت إلى 890 ألف برميل يومياً عام 1997. كذلك أدت أسعار النفط المنخفضة إلى ابطاء زيادة انتاج الدول من خارج منظمة "أوبك"، فبدلاً من أن يزيد انتاج هذه الدول بمقدار مليون برميل، كما كان متوقعاً عام 1997، لم تتعد الزيادة في الانتاج 200 ألف برميل يومياً في العام المنصرم. كما أدى انخفاض أسعار النفط إلى تأخير أو ايقاف انتاج ما يقارب من 500 ألف برميل يومياً من انتاج الدول خارج منطقة "أوبك". وكان نصف هذا النقص في الانتاج حصيلة تخفيضات إرادية من جهة المكسيك والنروج وعُمان، وذلك دعماً لاتفاق الرياض، وأما السبب الآخر فلقد كان الضغط المتنامي على أرباح شركات النفط العاملة في الولاياتالمتحدة وكندا وبحر الشمال بسبب تراجع الأسعار. ومع أن الأزمة المالية التي ضربت جنوب شرقي آسيا شارفت على الانتهاء، مما قد يؤدي إلى زيادة الطلب الآسيوي على النفط هذا العام، إلا أن تراجع نمو الطلب في مناطق أخرى من العالم، خصوصاً في دول الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، سيحد من ارتفاع الطلب العالمي على النفط، إذ يتوقع أن تصل الزيادة هذا العام إلى 897 ألف برميل يومياً وهي ضعف مستواها عام 1998، إلا أنها أقل من نصف ما كانت عليه عامي 1996 و1997. نمو ضعيف ومع التوقعات في أن تظل أسعار النفط منخفضة هذا العام بسبب اتجاه بعض شركات النفط العالمية إلى خفض الاستثمار في حقول نفط جديدة نتيجة تراجع الأرباح، لذا فإن النمو في انتاج الدول من خارج منظمة "أوبك" سيكون ضعيفاً وقد لا يزيد على 500 ألف برميل يومياً، أي أكثر من الزيادة التي سجلت في العام الماضي التي كانت في حدود 194 ألف برميل يومياً هذه السنة، لكنها أقل بكثير من الزيادة في عام 1997 التي بلغت 788 ألف برميل يومياً. إن الجزء الأكبر من هذه الزيادة سيتأتى من انتاج بحر الشمال والمتوقع له أن يرتفع بحدود 350 ألف برميل يومياً، ومن أميركا اللاتينية التي يتوقع زيادة في انتاجها بمقدار 218 ألف برميل يومياً، في حين سيتراجع انتاج دول أميركا الشمالية بسبب اغلاق عدد من آبار النفط الباهظة التكاليف. ولا يتوقع أن يطرأ أي تحسن يذكر على أسعار النفط قبل أن يعود النمو الاقتصادي لليابان ودول شرق آسيا الأخرى أو إذا قامت دول "أوبك" بخفض انتاجها بمقدار 1 إلى 2 مليون برميل يومياً، غير ان هذا لا يبدو وارداً هذا العام، خصوصاً مع متابعة العراق لزيادة انتاجه. لذلك يتوقع لأسعار النفط أن تبقى ضعيفة وأن لا يتعدى سعر نفط خام برنت مستوى 5،11 دولار للبرميل هذه السنة، أي أقل بحوالى 10 في المئة من المعدل الذي كان عليه عام 1998 وهو 71،12 دولار للبرميل. * كبير الاقتصاديين وعضو منتدب مجموعة الشرق الأوسط للاستثمار MECG