نجحت بعض دول الخليج في شكل نسبي في وضع المنطقة على خارطة السياحة الاقليمية، مستفيدة من موقعها الجغرافي وسط العالم، ومن تسهيلاتها وأسواقها ومناخها المعتدل في الشتاء ومواقعها السياحية التاريخية والصحراء الشاسعة. وتأمل هذه البلدان في أن تكون قبلة لأنواع جديدة من السياح كانوا حتى وقت قريب بعيدي المنال في ضوء اكتظاظ العالم بمئات الأماكن السياحية الساحرة. ويبدو أن السياحة البحرية، التي تشكل أحد فروع صناعة السياحة الرئيسية وأكثرها رقياً وانفاقاً، تشكل سياحة واعدة لكثير من دول مجلس التعاون الخليجي التي يقع معظم مدنها على الشاطئ سواء على البحر الأحمر أو المحيط الهندي أو داخل الخليج الدافئ. وبدأ بعض هذه الدول تطوير الموانى وتجهيزها مستلزمات استقبال السياح بما في ذلك الأرصفة المتخصصة وأماكن التسوق الحر والمطاعم والاتصالات وتخليص المعاملات. وانطلقت في الوقت ذاته حملات عالمية لاستقطاب السفن السياحية التي تجوب العالم على مدار السنة حاملة ملايين السياح ممن يبحثون عن الجديد والممتع. وذلك عبر حملات ترويجية متعددة مع شركات السياحة والسفر المتخصصة العاملة في هذا المجال ولا سيما في الولاياتالمتحدة وأوروبا. وتوجت دبي، وهي الإمارة الساحلية النشطة سياحياً في المنطقة، اهتمامها أخيراً بهذا النوع من السياحة من خلال استضافتها "مؤتمر السياحة البحرية في منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي" الذي شارك فيه 250 خبيراً سياحياً يمثلون 20 دولة بينهم ممثلون عن عشرات الشركات السياحية البحرية، في مسعى يهدف إلى إزالة المعوقات أمام السياحة البحرية وإلى إعلام الأوساط العاملة في هذه الصناعة باستعدادها لاستقبال السفن العملاقة ومن على متنها. وشدد المشاركون في المؤتمر على قضايا عدة للنهوض بالسياحة البحرية في منطقة الخليج والاستفادة من مزاياها لا سيما الانفاقية منها، وسط دعوات لضرورة التنسيق والربط بين الوجهات الخليجية الراغبة باستقطاب السياح البحريين، ومحاولة الترويج المشترك في الخارج لبيع المنطقة كمنتج واحد بما يشجع الشركات على وضع المنطقة في أجندتها، خصوصاً على اعتبار أن الترويج الفردي لهذا النوع من السياحة مكلف مقارنة بحجم مردوده. واعتبر مدير عام دائرة السياحة والتسويق خالد أحمد بن سليم المؤتمر الذي اقيم في دبي لأول مرة بمثابة نقطة تحول في الترويج لدبي كوجهة سياحية بحرية متميزة مع بداية القرن المقبل. وهو فرصة مهمة للترويج لدبي كوجهة سياحية متميزة حيث اتيح للمشاركين التعرف عن قرب على عوامل الجذب السياحي التي تتمتع بها دبي، إضافة إلى التسهيلات التي تقدمها الموانئ للسفن البحرية لا سيما في مجالات الجوازات والجمارك وغيرها. وقال إن عدد السفن البحرية التي تحمل سياحاً إلى دبي آخذ في النمو، حيث بلغ العام الماضي 19 سفينة، في حين بلغ عدد السفن التي أكدت حضورها السنة الجارية 40 سفينة والعام المقبل 45 سفينة، مشيراً إلى أن عدد ركاب السفن على مستوى العام يبلغ نحو سبعة ملايين راكب سنوياً، وان هناك 200 سفينة تجوب بحار ومحيطات العالم، وهذا العدد مرشح للنمو بنسبة 20 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة. وقال رئيس سلطة المنطقة الحرة في جبل علي مدير عام موانئ دبي سلطان بن سليم إن قطاع السياحة البحرية شهد نمواً هائلاً في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن موانئ دبي استقبلت حتى عام 1993 رحلتين فقط، وهو ما يؤكد الأهمية المتزايدة لدبي والمنطقة باعتبارها إحدى الوجهات السياحية العالمية. وأضاف ان هذا النمو الهائل يؤكد التزام سلطة موانئ دبي بتقديم التسهيلات والخدمات للبواخر السياحية الزائرة للمنطقة. في غضون ذلك، رأى المدير التنفيذي في دائرة السياحة والتسويق السيد خميس بن حارب ان البنية الأساسية للسياحة البحرية في المنطقة متوافرة من خلال سلسلة من الموانئ البحرية المتطورة، فيما تتركز الاستثمارات الاضافية المطلوبة في مجموعة من التسهيلات والتجهيزات الفرعية التي تمثل استكمالاً لهذه البنية الأساسية. وأشار إلى أن الشركات السياحية المؤهلة للعمل في قطاع السياحة البحرية متوافرة في المنطقة أيضاً، وفي دبي تحديداً، إلا أنها تعمل في مجال السياحة البحرية بجانب عملها في قطاعات السياحة الأخرى. وحول تركيز المؤتمر على أهمية تأمين مزيد من التسهيلات الخاصة بالتأشيرات السياحية، أشار إلى أن لدى دبي نظاماً متميزاً لاستخراج التأشيرات السياحية وان السائح البحري لا يحتاج أكثر من 20 دقيقة فقط لمغادرة الميناء، في الوقت الذي تقوم فيه صعوبات كثيرة للحصول على تأشيرات في معظم الدول الأوروبية والأميركية. واقترح على موانئ المنطقة اجراء ترتيبات خاصة للسياحة البحرية ضمن خططها الترويجية لتحقق التكامل ما بينها وتضمن بلوغ النمو المستهدف لهذا القطاع، مشيراً إلى أن السياحة البحرية تحتاج إلى أكثر من ميناء في منطقة واحدة حتى تحقق الهدف من تنظيم الرحلات الجماعية التي تروج لها شركات السياحة البحرية. وشدد المدير الشريك لشركة "بترا تور" الأردنية مازن قعوار الذي شارك في المؤتمر، على ضرورة التنسيق أيضاً بين موانئ عدة اقليمية ولأنه لا يستطيع ميناء واحد العمل بمفرده، موضحاً ان السفينة الواحدة لا تأتي فقط لزيارة ميناء وحده، مشيراً إلى وجود تنسيق بين ميناء العقبة الأردني وشرم الشيخ كوجهة واحدة على أجندة شركات السياحة البحرية، وإلى أن السياحة البحرية في العقبة حققت معدلات نمو العام الماضي بلغت عشرة في المئة. وتوقع ان تفوق الزيارة مع نهاية السنة الجارية 15 في المئة، وشدد على أهمية التبادل السياحي البحري مع الطيران، موضحاً بأنها مهمة لتنشيط السياحة الاقليمية. وتطرق خبراء السياحة المشاركون في المؤتمر إلى قضية "الأمن" واعتبروها تتصدر أولويات منظمي الرحلات والسياح والحكومات معاً. وأشاروا إلى أن كل الجهود التسويقية والتسهيلات يمكن ان تضيع فجأة من دون ضمان مناخ آمن يستطيع ان يستمتع به السائح، وأجمع الحاضرون على أن منطقة الخليج لديها في شكل عام مناخ آمن بكل المقاييس وهو ما يمثل عامل جذب كبيراً للسياحة البحرية. وتحدث مسعود النهاري، من سلطة موانئ عُمان، عن تجربة السلطنة في مجال السياحة البحرية، معتبراً ان التسهيلات التي تقدمها للسياح تجاوزت المستوى الذي يقدمه بعض الدول السياحية في أوروبا وأميركا في مجال تقديم وسرعة انجاز التأشيرات السياحية. وشدد على أهمية التنسيق المشترك بين دول المنطقة وسلطات السياحة والموانئ العاملة بها من أجل الوصول إلى التكامل الذي يرضي أسواق السياحة البحرية العالمية. وأشار إلى أن موانئ المنطقة تملك من الإمكانات وتقدم من التسهيلات ما يؤهلها لاكتساب مركز متقدم في جدول أهم المناطق السياحية في العالم. وقال مدير دائرة السياحة والتسويق التجاري بالمديرية العامة في وزارة التجارة والصناعة في سلطنة عُمان سالم بن عدلي المعمري إن مسقط ستقوم بإصدار تأشيرة دخول للسياح البحريين لمدة 96 ساعة مجاناً، كما يحدث في دبي. وأضاف: "نحاول تحقيق الشراكة بين دبيومسقط"، مشيراً إلى أن المفاوضات تتم حالياً لاصدار فيزا جماعية مجانية لسياح السفن البحرية. وأفاد ان هناك محاولات لتطوير البنية الأساسية في عُمان حتى تستطيع استقبال السفن السياحية، مشيراً إلى تركيز بلاده على سياحة النخبة. وأضاف ان السياحة في بلاده تعتمد في المقام الأول على السياحة الأوروبية التي تمثل 80 في المئة أهمها المانيا وبريطانيا وهولندا وفرنسا والولاياتالمتحدة ثم السائح الخليجي ثم الآسيوي. وتوقع ان تحقق بلاده نمواً في النشاط والحركة السياحية حتى عام 2005 سيصل إلى خمسة في المئة. وذكر أن السلطنة بدأت فرض ضريبة أربعة في المئة على دخل الفنادق تخصص للترويج والتسويق السياحي فقط حيث يضطلع القطاع الخاص بقضايا التسويق والترويج. وأضاف ان هناك دراسة حالية لانشاء مكاتب تمثيلية في القارة الأوروبية سيبدأ بالترويج لها في السوق الألمانية، مشيراً إلى أن السياحة العُمانية تركز على الأسواق الجديدة مثل اليابان وتايوان والهند، في الوقت الذي تجري فيه الاستعدادات لاصدار قانون تصنيف للشركات السياحية في عُمان لتنظيم عمل أكثر من 100 شركة تعمل في مجال السياحة. وقال إن عدد الفنادق في عُمان يبلغ 80 فندقاً من بينها خمسة إلى سبعة فنادق فئة 5 نجوم وأنه يتم حالياً التركيز على نوع جديد من السياحة بجانب السياحة الترفيهية والتاريخية والاثرية في عُمان، وهي سياحة الكهوف. وذكر أن هناك خبراء يقومون بتجهيز نحو ستة كهوف باعتبارها سياحة مبتكرة وهؤلاء الخبراء من النمسا المتخصصين في هذا النشاط. وركز المؤتمر على ثلاثة عناصر رئيسية، وهي المرشد السياحي والبنية الأساسية، واسلوب الاستقبال حيث نبّه الخبراء إلى أن عدم تأهيل المرشد السياحي وعدم توافر البنية الأساسية وغياب الاستقبال الجيد للسياح ينعكس سلباً على السياحة البحرية، فيما أشار أحد الخبراء إلى أن بعض السفن السياحية شطبت أحد الموانئ من قائمة رحلاتها، لأنه لم يؤمن الحد الأدنى من المتطلبات لاستقبال البواخر السياحية. ورأى خبراء أن منطقتي الخليج العربي والمحيط الهندي مرشحتان باعتبارهما الأسواق الجديدة للسياحة البحرية بعدما اكتظت منطقة الكاريبي بالبواخر السياحية، وكذلك بات البحر المتوسط منطقة تقليدية للسياح، فضلاً عن الازدحام الذي تشهده شواطئ الولاياتالمتحدةوبنما، وهو ما يجعل منطقة الخليج والمحيط الهندي تتصدران الوجهات السياحية خلال الثلاثة أعوام المقبلة. ولفت المؤتمر إلى ضرورة الاهتمام بإعداد البرامج للوجهات السياحية البحرية ووضع اسلوب أكثر دقة لتعميمها، حيث تتشابك توقيتاتها وبرامجها مع برامج أخرى تتعلق بالبرامج السياحية الصحراوية والأثرية والسياحة والرياضية والتسويقية فضلاً عن الرحلات الجوية، فيما تمت الاشارة إلى ضرورة وضع استراتيجية جديدة لتعرفة عبور السفن السياحية البحرية للممرات البحرية العالمية مثل قناة السويس وقناة بنما وخليج المكسيك. وطالب أحد المتحدثين بالتفاوض مع الجهات المسؤولة باسم الشركات السياحية البحرية لوضع نظام واقعي ومتوازن للتعرفة التي تفرضها الجهات المختصة في مناطق العبور العالمية. ولاحظ متحدثون ان السائح البحري يتطلب شبكة من التجهيزات والاجراءات المتشابكة، إذ يتم حجز البرنامج قبل شهور، قد يصل إلى عام، ويحدد لوجهته عدد من الموانئ تتراوح ما بين ستة وعشرة موانئ مع تحديد مواعيد الوصول مسبقاً، إضافة إلى مواعيد البرامج السياحية سواء تسويقية أو زيارات مواقع أثرية أو ترفيهية، واجراءات الجوازات وتأشيرات الدخول والسفر عبر المطارات، حيث يأتي سياح كثيرون بواسطة الباخرة ويتجهون بعدها إلى وجهات أخرى بالطائرة، فضلاً عن إلمام شامل بالمناطق السياحية التي يزورها السائح. وهذه كلها تحتاج إلى الخبرة والتخصص من الكوادر العاملة في الشركة السياحية العاملة في مجال السياحة البحرية.