يتبنى لبنانيون نوعاً مستحدثاً من العروبة يقضي بأن يجد الواحد منهم عربياً يحبه أو يتظاهر بحبه وعربياً... يكرهه. وليس اسهل من ملاحظة انقسام هذه "العروبة" الى تيارين: سياسي وثقافي. على الصعيد السياسي ثمة "قادة" لبنانيون من البيئة المسيحية عموماً والى حد ما الشيعية حديثو النعمة في العروبة. انضموا اليها واعتنقوها منذ ان اصبحت مجزية بصفتها احد عناوين السياسة السورية المنتصرة في لبنان. وينتمي هؤلاء، في الغالب، الى طوائف سبق لقواها السياسية والعسكرية ان حاربت الفلسطينيين. ويتميز المسيحيون، بين هؤلاء، بأنهم يدركون انهم يسيرون في عكس المزاج الشعبي لقواعدهم غير المتحمسة لهذا النوع من العلاقة المميزة مع سورية. ولذا فإن الملاحظ ان هؤلاء يقدمون، عبر العداء للفلسطينيين، حتى المدنيين منهم في لبنان، تنفيساً لاحتقان طائفي شبه عنصري. وهكذا فإن التعبئة التي يثيرونها ضد الفلسطينيين وتلقى هوى شعبياً توازي الحماسة التي يبدونها للعلاقة مع دمشق والتي تحرج صلتهم بجمهورهم. خير ذا بشرّ ذا. هذا هو شعارهم. والعداء للفلسطينيين هو "صك غفران" لموالاة سورية. يقصر هؤلاء العروبة على جانبها السياسي المتمثل، حالياً، بحسن الصلة بدمشق. وبما انهم من صنف المريب الذي يكاد يقول خذوني فإنهم يعيشون شكاً قوياً في صدق الانتماء يجعلهم لا يأتمنون انفسهم للتفاوض مع اسرائيل. أن عروبتهم هي "عروبة القشرة". والبعض منهم على استعداد لتغيير جلده ثانية اذا لاحت فرصة لتغيير موازين القوى الاقليمية. على الصعيد الثقافي ثمة من اعتبروا، ذات مرة ان مقياس العروبة هو الولاء لقضية فلسطين وتحديداً الولاء لها ممثلة بسياسات منظمة التحرير. ثم دارت الايام فإذا باتفاق أوسلو يوقع وتكرّ بعده سبحة اتفاقات يصعب الدفاع عنها. ليس هذا مجال السجال مع هذه الوجهة. ولكن المؤكد ان "استقلالية" القرار الفلسطيني ادت الى نوع من الانفكاك عن لبنان وسورية. ولم يعد ممكناً القول ان الانخراط في النضال الفلسطيني، تحت راية السلطة الوطنية، يمكن له ان يعني، في لبنان، "فعلاً عروبياً". ومع ذلك يصر هؤلاء على اعتبار الدعم غير النقدي للمفاوض الفلسطيني العنوان شبه الوحيد لعروبة لبنان! من الطبيعي، والحال هذه، ان تكون السياسة السورية هي "عدو" هذا الصنف من المثقفين. وان يتم التركيز، من جانبهم، على تلازم المسارين لرفضه. وهكذا فإن عروبة هذه المجموعة لا تشمل دعم دمشق في تحصيل حقوقها. ويمكن القول ان نوعاً من الغيرة يأكل صدرها خوفاً من ان تحصّل سورية من اسرائيل اكثر وأفضل مما نجح غيرها في تحصيله. والملاحظ ان المقاومة اللبنانية مشمولة، احياناً، بهذه السلبية اذ ينظر اليها وكأنها مجرد اداة سورية ويصبح مطلوباً بدء العد العكسي للخلاص منها والتشفي برجالها ورموزها. وانطلاقاً من الانحراف الاصلي في رؤية الاقليمية الفلسطينية موجهة ضد العرب وليس ضد اسرائيل يتراخى الموقف من قضية التوطين ويتم، تحت يافطة حقوق الانسان، التخلي عن حق العودة وصولاً الى تبني الحل الاسرائيلي "النهائي" لمشكلة اللاجئين. اذا كنا، في الحالة الاولى، امام "عروبة القشرة" السياسية فإننا، في الحالة الثانية، امام صيغة تدمج نعرتين اقليميتين رافضة انتاج عروبة مهمومة بالوضع الاجمالي للامة حيال عدوها. هل من مجال، امام هذا الوضع المعقد، للقول بأن ما استقرت عليه الاحوال اللبنانية يجعل العلاقة مع سورية مدخلاً الى عروبة سياسية والموقف من الفلسيطينيين عنواناً لعروبة ثقافية؟ ان من يؤيد دمشق ويسحب مسدسه عندما يقال "فلسطيني" يتشارك في تشويه معنى العروبة في لبنان مع ذلك الذي يحمل الهم الفلسطيني ولكنه يسحب مسدسه عندما يقال "سوري". اما مصلحة لبنان الوطنية والقومية فلا تلغي محاكمة السياسات ولكنها لا تمس بالاساسيات.