سُويت معضلة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في لبنان، إذا صدقت التوقعات والتحليلات المختلفة المصادر. ستبصر الحكومة النور «في غضون ساعات أو أيام» بعدما قدم الرئيس المكلف عرضه الذي لم تستطع المعارضة رفضه وشجعتها دمشق على قبوله. هكذا جاء في الصحف. لكن يعلم الجميع ان صدور مراسيم التشكيل من بعبدا والتقاط الصورة التذكارية للحكومة الجديدة على درج القصر الجمهوري، ليس نهاية المطاف. بل هي أقرب الى بدايته. ليس من مفاجأة في القول أن الفترة التي فصلت بين فوز قوى 14 آذار (مارس) (السابقة؟) في الانتخابات التشريعية في حزيران (يونيو) الماضي وبين تحقيق «الاختراق» أمس الأول، قد شهدت تغييرا في موازين القوى الداخلية يرى البعض انه يتلاءم بل يندغم مع التغيرات في الموازين الإقليمية والدولية. بكلمات أخرى، كان من الملح «تشذيب» انتصار الأكثرية النيابية اللبنانية حتى يمكن للمسار الحالي من السياسات الكبرى متابعة الطريق من دون عقبات محلية وتفصيلية. وعلى جاري عادة سارية، استجاب السياسيون اللبنانيون ولاقوا الضرورة الطاغية هذه قبل منتصف الطريق بأشواط. ولا يهم في المقام هذا، وعود قطعت لناخبين او عهود قيلت أمام حشود. فهؤلاء وأولئك نوافل وتفاصيل يجوز القفز فوقها او دوسها إذا دعا الداعي. مدرسة السياسة اللبنانية تعاني ضعفا شديدا في مادتي البراغماتية والأخلاق، بالمعنى الواسع للكلمتين، وخصوصا لناحية ارتباطهما ببعضهما. غنيّ عن البيان أن الضعف هذا ناجم عن هُزال القوى المحلية وصيغة العلاقات التي تضمها وتجمعها مقارنة بعتو تلك الخارجية. لكن هل وصلت الحكومة اللبنانية الى بر الأمان ومرفأه؟ ثمة ما يدفع إلى الاعتقاد بأن ليس بعد. العقبات المعروفة والمنتظرة هي تلك التي تنطوي عليها صياغة البيان الحكومي. غالبا ما يكون نص البيان انشائيا. فالجماعات اللبنانية وقواها التمثيلية متفقة على تفاصيل قضايا الشأنين الاجتماعي والاقتصادي، وليس من تمييز بينها في مسائل البيئة وتعزيز الصلات بالدول العربية. لكن المشكلة الوحيدة هي تلك الدائرة حول معنى الدولة وحصص الجماعات والطوائف منها. ثم، عند تجاوز عقبة البيان، ستبرز المناكفات والمشاحنات المعهودة والمتوقعة بين الوزراء «المعارضين» ورئيسهم. وهذا سلوك تغلفه رطانة تدور في فضاءات القيم العليا، الوطنية منها وتلك المشددة على العداء لإسرائيل والتمسك بالعروبة وحقوق المسيحيين وموقعهم ودورهم، فيما لبّ الصراعات ليس غير مكاسب صغيرة بل تافهة... بيد أن هذا حال ثابت في لبنان، ثبات اضطرابه وتوتره. ولن تكون حكومة تأخر إعلانها بهذا القدر، استثناء على قاعدة شديدة الرسوخ والعمق، تستمد دوامها من الفقر الشديد إلى بدائل من ضروراتها المواطنة والاعتراف بالديموقراطية كعلاقة ناظمة للحياة وللعلاقات السياسية بين اللبنانيين، قبل تطبيقها. اللحظة التوافقية الخارجية التي أتاحت تشكيل الحكومة اللبنانية، وانصياع الأطراف المحلية لها، ليست بالقوة التي تبرر الظن بقدرتها على الخروج من الأزمة المتصلة التي تعصف بلبنان منذ أعوام أربعة، بل الأرجح انها تسمح بالانتقال إلى المرحلة التالية من الأزمة، ليس إلا.