المفاوضات البرتغالية - الصينية حول ماكاو ذكّرت بمفاوضات لندنوبكين حول هونغ كونغ. والضمانات هنا ذكّرت بالضمانات هناك. مرة أخرى اذن: الديموقراطية، الدستور، حقوق الانسان. فالصين "صوفتها حمراء" في هذا المجال. وهي حمراء الى حدٍ جعل الاضواء تتركّز على العنوان الديموقراطي تحديداً، وليس على عناوين كانت لتكون مثيرة من نوع انتهاء آخر معقل للكولونيالية الأوروبية في آسيا، او انتهاء 442 عاماً من الحكم البرتغالي لماكاو. مسألة الديموقراطية وضماناتها غلبت كل اعتبار آخر. وأصرّ البرتغاليون، بعد الحصول على الضمانات، ان يدعوا الى الاحتفالات وجهين غير مريحين لبكين: كريس باتن، آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ واحد اكبر نقّاد السياسات الصينية غير الديموقراطية، وجوزيه غوسماو، قائد تيمور الشرقية التي فضّلت بكين علنا ابقاء سيطرة جاكارتا عليها. ووراء هذا التشديد، فضلاً عن السوابق، سببان: أولاً: تايوان. فبعد استعادة هونغ كونغ، تصير استعادة ماكاو اشد اثارة لمخاوف التايوانيين بطبيعة الحال، خصوصاً ان انتخاباتهم الوشيكة هي ما يتعامل معه صينيو البر كأنه استفزاز لهم وتكريس لشرعية انفصالهم. لكن بمعزل عما قد يحل بتايوان، يبقى ان الصين التي قضمت هونغ كونغ، وتقضم ماكاو، هي في الوقت نفسه عرضة لقضم هونغ كونغ وماكاو، وربما في الغد تايوان. فال430 الف ماكاوي واقتصادهم المرتكز اساساً على كازينوات القمار، لن يكونوا اكثر تأثراً بالبليون وربع البليون الذين في البر، منهم تأثيراً: وهذه حقيقة مرعبة من حقائق عالمنا. بكلمة اخرى، كلما اقتربت الصين من استكمال وحدتها الترابية التاريخية، تكامل نمط من العلاقات غير مألوف قبلاً. فمراكز القوة والسيطرة عرضة لأن تتوزع ما بين العدد البشري والسياسة والعسكر والاقتصاد والاجتماع، بطريقة لا مركزية فعلا. وربما كان الطرف الذي يزيد هو نفسه الذي ينقص! لكن التطورات المتوقعة في الصين، وهذا هو السبب الثاني، عامل تشجيع على افتراض الاسوأ، اي افتراض أن لا يحصل السيناريو المذكور وان يظهر، في المقابل، ضيق صدر صيني بتلقي التأثيرات "الطبيعية" لهونغ كونغ وماكاو، ومن ثم افتراض خطر مباشر على تايوان. فخفض قيمة الين هو ما يراد منه انعاش الصادرات المتراجعة، فيما يوحي تردي موقع رئيس الحكومة الاصلاحي جو رونجي، تبعاً لتدهور علاقات بكين بالغرب، بميل الى ابطاء عملية اصلاح القطاع العام بالسرعة المطلوبة. وامام تطورات كهذه، يصير التحذير والحصول على ضمانات من الامور الملحّة فعلاً. فكيف حين نضيف جملة العناصر الأخرى المعروفة وفي طليعتها أن البر الصيني لا يزال يعيش من دون قوانين اصلا؟