رغم تأكيدات المسؤولين في منظمة حلف شمال الاطلسي بأنه لم يعد هناك اعداء للحلف بعد انتهاء الحرب الباردة، فإن الشركاء الاوروبيين في الحلف يعكفون من خلال مبادرة اعلنت ملامحها خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الاعضاء الاسبوع الماضي، على رفع قدراتهم العسكرية في شكل "يغلق الفجوة" العسكرية مع الولاياتالمتحدة. واظهرت الحرب الاولى التي خاضها الاطلسي في كوسوفو بعد 50 عاماً على تأسيس الحلف، مدى التباين في موازين القوى العسكرية بين شقي الاطلسي. فالحرب الجوية التي شاركت بها 815 طائرة اميركية من اصل 1100 مقاتلة، كشفت العجز الاوروبي عن مواجهة تحد من النوع الذي فرضه ميلوشيفيتش، بمعزل عن الولاياتالمتحدة، ما دعا بعض المعلقين الى وصف الحرب بأنها "حرب اميركية في قلب اوروبا". فهل تسعى اوروبا الى الانفصال التدريجي عن الولاياتالمتحدة من خلال تعزيز قدراتها العسكرية الذاتية واقامة تحالف اوروبي بمعزل عن واشنطن، ام انها تريد مجرد تحقيق توازن اكبر داخل الحلف؟ يؤكد كبار المسؤولين الاوروبيين، ومن بينهم اللورد جورج روبرتسون، السكرتير العام للحلف ووزير الدفاع البريطاني السابق، ان لا نية بالانفصال، وان اوروبا بحاجة الى الولاياتالمتحدة كما الولاياتالمتحدة بحاجة الى اوروبا. لا بل يذهب ابعد من ذلك بتأكيده ان توجه الاتحاد الاوروبي الى خلق كيان دفاعي مستقل يضم الدول الاعضاء في الاتحاد 15 دولة وينظر في عضوية الدول الاوروبية من اعضاء حلف الاطلسي أو من غير الاعضاء في الاتحاد، سيؤدي الي تقوية الحلف لا إضعافه كما يتكهن بعض المراقبين. ويقول مسؤولون اطلسيون إن الكيان الاوروبي العسكري الجديد سيُشكل جنباً الى جنب مع الحلف الاطلسي، وان قواته ستكون جاهزة للمشاركة في عمليات الاطلسي الى جانب قيامه بنشاطات قد لا ترغب الولاياتالمتحدة المشاركة بها. ويشير هؤلاء الى ان القوة الاوروبية، التي ستضم قوة تتألف من 50 الف مقاتل يمكن نشرهم في اي موقع في غضون 60 يوماً، ستنشيء "علاقة تكاملية" مع حلف الاطلسي. الواضح ان الاوروبيين اكتشفوا بعد كوسوفو ان علاقة التبعية لواشنطن منذ الحرب العالمية الثانية ، لا يمكن ان تستمر في ضوء التباين في الرؤى السياسية والاستراتيجية بين شقي الاطلسي. ويشير مسؤول اوروبي الى ان واشنطن مارست ضغوطاً كبيرة على اعضاء الحلف للإنضمام اليها في ضرب العراق في شباط فبراير 1998، وان رفض اوروبا الاستجابة لتلك الضغوط كان وراء عدول واشنطن عن خطتها. ويقول روبرتسون ان اوروبا "لا تستطيع وقف تدفق جحافل اللاجئين باستخدام الدبابات". ويعتبر انها تدفع كلفة تأزيم الاوضاع في المناطق المجاورة لها، ولذا فإنها ترى ضرورة في "الذهاب الى الازمة بهدف حلها قبل ان تأتي الازمة الينا". اي ان سياسة "ادارة الازمة" تأخذ اولوية على خيار استخدام القوة في التفكير الاوروبي، في مقابل نزعة اميركية الى استخدام القوة في خدمة الاهداف السياسية، وفي بعض الاحيان، بدلا ً منها. ورغم ان الاوروبيين لا يعلنون استراتيجيتهم الامنية الجديدة ، فإن التحولات المطروحة تشير الى نيتهم التمهيد تدريجاً لحل حلف شمال الاطلسي في غضون بضع سنوات تكون فيها القوة الاوروبية المشتركة عالجت العجز في قدراتها العسكرية. والى ان تصبح اوروبا قادرة على الوقوف على قدميها من دون مساعدة الشريك الاميركي، فإنها ستواصل تقديم التطمينات لواشنطن بأن "زواج المصلحة" الذي تم قبل نصف قرن، ما زال قوياً، فيما هي شرعت، بحسب مسؤول اوروبي، في اجراءات الطلاق المؤجل.