جورج روبرتسون وزير دفاع سابق في بريطانيا. وهو موجود، اليوم، في مكان يناسبه: الامانة العامة لحلف شمال الأطلسي. خافيير سولانا، الأمين العام السابق للحلف، هو "المندوب السامي" الاوروبي لشؤون الدفاع والسياسة الخارجية. وهو، في الحقيقة مندوب الحلف الى اوروبا وليس مندوب اوروبا الى أي مكان. لقد كان الاثنان رفيقي سلاح في الحرب الأطلسية الوحيدة في كوسوفو بالمناسبة، ما ان انتهى القتال حتى نسي الجميع كوسوفو وأهلها وتميزا بمواقف حادة جداً تؤكد انتماءهما، برغم التباين في سيرتيهما، الى مدرسة واحدة في التفكير: اعطاء التحالف الاوروبي مع الولاياتالمتحدة الاولوية المطلقة على أي مشروع يبلور جدياً "شخصية مستقلة". ولكن القرار، في هذا المجال، ليس قرارهما. فواشنطن مصرة على تكذيب التوقعات الوردية لما بعد "الحرب الباردة" وتترجم ذلك رفعاً مستمراً لميزانيتها العسكرية برغم انتفاء عنصر التهديد الشامل. وبلغت ارقام العام الفين 8.267 بليون دولار ما يعني ان نسبة الزيادة الى العام 99 حوالى 7 في المئة. وجرى تخصيص حوالى 38 بليونا للدراسات والأبحاث والتطوير، لسنة واحدة، الأمر الذي يعني مزيداً من الاستعداد لاطلاق دفعات جديدة من الأسلحة المتطورة. وفي المقابل تقول المعطيات ان الميزانيات الدفاعية المجمعة للدول الاوروبية الخمس عشرة تراجعت بنسبة 7 في المئة للعام المقبل وذلك للسنة الثامنة على التوالي. ويعني ذلك ان دول الاتحاد الاوروبي ستنفق على أمنها عام 2000 اقل ب 25 في المئة مما كانت تنفقه عام 92 كما ان ما تخصصه للأبحاث هو أقل من ربع المبلغ الأميركي. تؤشر هذه الأرقام الى ان التفاوت العسكري الذي برز في حرب كوسوفو بين الأميركيين والاوروبيين مرشح للازدياد. ولذلك فان القرارات حول "المكوّن الاوروبي للأطلسي" لا تعدو كونها شعارات لن تفيد كثيراً في تمكين القارة من تدشين طريق بلورة نفسها ككيان أمني مستقل وهو الشرط الأساسي لامتلاك سياسة خارجية مستقلة. وفي الوقت الذي تعزز واشنطن اسبقيتها في هذا المجال فإنها تقترب من لحظة اتخاذ قرار تاريخي كبير. ففي حزيران يونيو القادم سيحسم الرئيس بيل كلينتون مصير الصيغة الجديدة ل"حرب النجوم". واذا صدقت الأنباء بأنه متجه الى موقف ايجابي فان ذلك سيكون، بعد توسيع الأطلسي، نقضاً لمعاهدات سابقة مع الاتحاد السوفياتي واستكمالا لدفع روسيا نحو موقع هش، ومعزول، ومهدد. ويكفي ان نضيف الى ذلك رفض التوقيع على معاهدة حظر التجارب النووية حتى نكتشف ان عقلية الحرب الباردة مستمرة ولو ان الناقص فيها، حتى الآن، تعيين العدو الذي يستحق كل هذا الاهتمام. وللصيغة الجديدة من حرب النجوم بعد آسيوي يبدو ان وظيفته الوحيدة، باسم حماية الحلفاء، حرمان الصين، بعد روسيا، من مزايا تؤمنها لها قدراتها التسليحية العالية وذلك من دون اغرائها بالسماح لها، مثلاً، بالانضمام الى منظمة التجارة الدولية. أما ما يعنينا، في الشرق الأوسط، فهو ان اسرائيل اقدمت، قبل أيام، على تجربة ناجحة لصاروخ ارو - 2 المعترض للصواريخ وذلك في وقت كان ياسر عرفات يقبّل، بالنيابة عنا، يد أرملة اسحق رابين. ان البرنامج الاسرائيلي هو، في الحقيقة، برنامج مشترك مع الأميركيين. وما تمتنع واشنطن عنه، بحكم التزامات دولية تعود الى 72، تجرِّبه اسرائيل. … لا عجب، إذاً، ان تكون التسوية في المنطقة انعكاساً لهذا الانفراد الأميركي العالمي والاقليمي.