فيما كان رئيس الوزراء عبدالرؤوف الروابدة مجتمعاً أمس مع المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين عبدالمجيد ذنيبات في محاولة للخروج بتسوية سياسية لأزمة "حماس"، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية حول أداء حكومة الروابدة، بعد مئتي يوم على تشكيلها، تراجعاً حاداً في نسبة التأييد للحكومة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. المعروف هو ان اجتماع الروابدة بالذنيبات جاء بناء على طلب من الحكومة في ضوء توجيهات من الملك عبدالله الثاني، الذي أكد على ضرورة التوصل الى حل سياسي لأزمة "حماس" بعد أن أقدمت الحكومة على اتخاذ اجراءات أمنية مكلفة سياسياً، في محاولة لمعالجة مشكلة سياسية كان من الممكن أن تترتب عليها كلفة أمنية عالية لو تركت بيد الحكومة وحدها. المشكلة هي ان الحكومة، عندما اتخذت قرار اعتقال قياديي "حماس"، اعتقدت بأنها تستطيع أن تنجز ما عجزت عنه الحكومة الاسرائيلية في محاولاتها تصفية "حماس"، وما فشلت في تحقيقه السلطة الفلسطينية لجهة الغاء وجود الحركة في الأراضي الفلسطينية، وما رفضت تحقيقه الحكومة الأميركية عندما قررت اطلاق رئيس المكتب السياسي السابق ل"حماس" موسى ابو مرزوق في العام 1997. من الواضح ان أزمة اعتقال قياديي "حماس" هي في طريقها الى الحل السياسي بعد أن تبين ان الحل الأمني ليس مجدياً، ان لم يكن مكلفاً أكثر بكثير على الصعيد الأمني في ضوء الواقع السكاني ومخاطر إحداث انشقاق داخل الحركة الاسلامية في المملكة، واحتمالات دفع جزء منها الى التطرف بعد سنوات من الاعتدال الايجابي. صحيح انه لم يعد بالامكان الاستمرار بالسماح لحركة حماس بالنشاط انطلاقاً من الأردن في شكل يتناقض مع السياق السياسي لعملية السلام ومصالح المملكة الاستراتيجية عشية انطلاق مفاوضات الوضع النهائي. وصحيح أيضاً أن "حماس" خالفت القوانين الأردنية عندما تجاوزت حدود الاتفاق المبرم بينها وبين الحكومة في العام 1992، لكن الحل الأمني والقانوني ما كان يمكن أن ينجح بأي شكل من الاشكال، خصوصاً وأنه لم يتم أصلاً اللجوء الى الحل السياسي الذي لا مجال لحل غيره. الواقع هو أن "حماس" في الأردن هي امتداد فلسطيني لجماعة الاخوان المسلمين الأردنية، ولا يمكن استئصال "حماس" من دون ضرب الحركة الاسلامية برمتها والتراجع التام عن مسيرة التحول الديموقراطي التي اطلقها الأردن قبل عشر سنوات، وهو ما يمكن استبعاده في الوقت الحالي. وتأتي نتائج استطلاع الرأي عن مركز الدراسات الاستراتيجية، الذي يتمتع بصدقية عالية ليوجه تحذيراً للحكومة بأنها اخطأت في أسلوب معالجتها لمشكلة "حماس"، كما فشلت في اطلاق اصلاحات سياسية واقتصادية طال انتظارها رغم التوجيهات الملكية الواضحة بهذا الخصوص. الأردن حقق انجازات كبيرة على صعيد السياسة الخارجية التي قادها الملك، خصوصاً على صعيد استعادة الوجه العربي للأردن وتعميق تحالفاته الدولية. وسيكون مؤسفاً حقاً ان كانت هذه الانجازات ستذهب ضحية تخبط سياسي داخلي من النوع الذي شهدناه في التعامل مع الأزمة الأخيرة.