يقول المثل الدمشقي القديم "الحمام نعيم الدنيا"، اذ كانت للحمام أهمية خاصة في الحياة الاجتماعية، وكان الدمشقيون يتفننون في بناء الحمامات ليجعلو منها آية فنية وكانوا يرصعون جدرانها ب"القاشاني" وأرضها بالرخام وعلى أطراف قبابها وقرنها كانوا يعقدون عقود الجص النافرة ذات الرسوم والزينات المختلفة. اليوم بقي من حمامات دمشق ال 260 عدد قليل إذ هدم معظمها أو أغلق، ويأتي في مقدمها حمام "نورالدين الشهير" وحمام "النوفرة". وبالطبع لم يعد حمام السوق حاجة اجتماعية كما كان سابقاً وأصبحت زيارة الحمامات نوعاً من الفضول للتعرف على عادات اجتماعية قديمة وزيارة معالم أثرية وتاريخية. ويعتبر افتتاح مطعم "حمام الهنا" سابقة في تحويل حمام أثري الى مطعم سياحي مع المحافظة على شكل الحمام وأقسامه. يقول أحد القائمين على الحمام: "افتتح المطعم قبل أسابيع في حضور وزير السياحة، وهو حمام دمشقي أثري عمره أكثر من 650 عاماً ويعود تاريخه الى القرن الرابع عشر ميلادي وحولناه اليوم الى مطعم سياحي". تحول الحمام الى مطعم لم يؤثر على شكله فهو يحافظ على التقسيمات الأساسية للحمام من البراني والوسطاني والجواني والقميم. ويقول مدير المطعم: "يتميز الحمام بكونه ملكياً وذلك عائد الى وجود مقصورة ملكية قريبة من بيت النار، وهذه المقصورة غير موجودة في بقية الحمامات الدمشقية على الأغلب". وحافظت أعمال الترميم على أدق التفاصيل الفنية. وبالنسبة الى جدران البراني لم يحدث أي تعديل سوى ترميم الأحجار بطينة لبنية مطاوعة لتلائم طبيعة الجدران مع اظهار وترميم الأقواس الحاملة للقبة الرئيسية للحمام. ولاضفاء طابع جمالي على هذه الصالة تم تطعيمها بلوحات فنية لرسامين سوريين مستوحاة من لوحات عالمية تجسد طابع الحمام. أما الانارة المستخدمة فلها الطابع القديم نفسه الكبك العربي الذي كان يقام في الليوان ويوضع عليه الطعام. أما التوزيعات الداخلية للحمام الوسطاني والجواني والمقصورة الملكية، فبقيت على حالها محافظة على كسوتها القديمة، فالجدران من الأجر للحفاظ على الحرارة الداخلية للحمام والقباب القديمة التي تحوي القمريات الزجاجية التي تسمح بدخول الانارة الى هذه الأقسام والتي يناهز عددها 1200 قمرية تم ترميمها جميعاً بالمواد الأجرية نفسها مع اعادة تركيب جميع القمريات الزجاجية من الخارج وبمساعدة أصحاب الخبرة القديمة بطريقة النفخ. ويقول احد القائمين على الحمام: "جميع المواد المستخدمة في الترميم هي مواد تقليدية وسعينا قدر الامكان الى الخروج عن الطابع الحجري، فالارضيات المستخدمة من الحجر الأسود الكردي والبدروسي". وأضاف: "واجهتنا صعوبة بخصوص اعتماد نظام تبديل الهواء ونظراً الى الطابع الأثري لهذه المنشأة تم استنباط فكرة استخدام فتحات الأماري للمقصورات من أجل سحب الهواء الفاسد وتبديله". وعن تاريخ الحمام وهويته، يقول صاحب المنشأة: "بالعودة الى الكثير من المراجع التاريخية للحصول على هوية شخصية لهذه المنشأة لم تتكلل المساعي بالنجاح. اما بالعودة الى النظام الانشائي والمعماري للأقواس والقبة الرئيسية فتبين أنها تعود ما قبل العهد العثماني الى القرن الرابع عشر ميلادي أي العصر المملوكي. والذي أكد هذه المعلومات وجود تشققات أفقية وعامودية في القبة الظاهرة بالصور قبل الترميم والتي تعود الى عامين 1610م و1767 عندما تعرضت سورية الى هزتين أرضيتين أدت الى ظهور هذه التشققات والتصدعات". ويذكر القائمون على الحمام ان "توقف الحمام عن العمل في شكل نهائي كان عام 1954، وبقي مهجوراً واستخدم كمستودع للمواد وكان آيلاً للانهيار حتى تم استثماره من قبلنا وتحويله الى منشأة سياحية أثرية بمساعدة مشكورة من وزارتي الثقافة والسياحة ومحافظة مدينة دمشق". وككل حمامات دمشق كان الحمام يروى عن طريق نهر يزيد الذي هو فرع من نهر بردى. يقول مدير المطعم "أثناء عمليات الترميم ظهرت الأقنية الأجرية التي كانت تجري بها مياه يزيد الى الحمام وتوزيعها داخل الحمام". ويستقبل المطعم زواره على الغداء والعشاء، غير ان البقاء ليلاً في المطعم لا ينصحك به أغلب العاملين في حمامات السوق القديمة ن ثمة خرافة تقول ان الحمامات مسكونة وفي الليل تخرج عروس الحمام مع اقزامها لتبدأ حفلتها التي تنتهي مع طلوع الفجر. وتحكي الخرافة أيضاً ان رجلاً استيقظ ليلاً وقصد الحمام ليغتسل وشاهد عدداً من المغتسلين على هيئة بشر اقدامهم حوافر أبقار وحمير فخرج الرجل مذعوراً وأصيب بلوثة في عقله رافقته منذ ذلك الحين.