بعد غياب طويل عاد مراسل وكالة "ايتار تاس" في بلد عربي الى موسكو وتوجه فور وصوله الى مقر الوكالة الحكومية الى مكاتب القسم الذي عمل فيه قبل ايفاده الى الشرق الاوسط لمقابلة زملائه. ودهش حين رأى حراساً عريضي المناكب يمنعونه من الدخول، لكنه عرف لاحقاً ان القسم انزوى في ركن قصيّ من المبنى وأجرت مكاتبه الى مؤسسة "علاقات عامة" يملكها رجل الاعمال الاسرائيلي الجنسية السوفياتي الاصل ليف تشيرنوي المسيطر على صناعة الألومنيوم في روسيا وأحد ابرز حلفاء البليونير المعروف بوريس بيريزوفسكي، الذي يعد "ممولاً" لعائلة رئيس الدولة. وقبل عدد من صحافيي "ايتار تاس" عروضاً للانتقال الى مكتب تشيرنوي، اذ انه يدفع اجوراً تفوق اضعاف ما كانوا يتقاضونه في الوكالة الحكومية. وثمة صورة مماثلة في وكالة "نوفوستي" شبه الرسمية حيث وضع طابق كامل من عمارتها بكل ما فيه من اجهزة ووسائل اتصال تحت تصرف رئيس الوزراء السابق سيرغي كيريينكو الذي يقود "اتحاد قوى اليمين" وينافس، بدعم من الكرملين، محافظ موسكو يوري لوجكوف على منصبه الحساس ويجد العاملون في "نوفوستي" انفسهم بين المطرقة والسندان فهم لا يتجرأون على "معارضة" مرشح يسنده الكرملين، ويتخوفون من "عقاب" لوجكوف المعروف بحدة طبعه في حال فوزه. وكان المحافظ الحالي للعاصمة وحليفه رئيس الوزراء السابق يفغيني بريماكوف اتهما السلطة التنفيذية بالضغط على وسائل الاعلام وارغامها على "التشويه والانحياز" لمنع كتلة "الوطن كل روسيا" التي يتزعمانها من الفوز في الانتخابات البرلمانية. ولم تعد "الحرب" مشتعلة بين الساسة فقط بل ان الصحافيين انقسموا الى "احزاب" موالية لهذا او ذاك، وغالباً ما يكون الحافز مادياً وليس فكرياً. وثمة كتّاب معروفون يغيرون مواقفهم بسهولة وفقاً لقاعدة "من يدفع اكثر". و تجمع الكثيرون من الاعلاميين للمشاركة في الاحتفال بالميلاد السبعين لعميد كلية الصحافة ياسين زاسورسكي الا ان زملاء الامس غالباً ما كانوا يرفضون مصافحة بعضهم من اجله، وهو انتماؤهم الى معسكرات متحاربة. وهذا ما حدا ببطريرك الاعلام المحتفى به الى القول بمرارة ان "الاخوة الصحافية انفرط عقدها". وأضاف ان سطوة اصحاب البلايين غدت اكثر شراسة من هيمنة "قسم الدعاية" التابع للحزب الشيوعي السوفياتي سابقاً. ولم توفر المعركة حتى ذوي القربى. ودب الجفاء في العلاقات بين السكرتير الصحافي للكرملين ديمتري ياكوشكين وصهره النجم التلفزيوني ارتيوم بوروفيك بسبب انتماء الأخير الى "معسكر" لوجكوف المتخاصم مع الرئيس بوريس يلتسن. وتلعب وسائل الاعلام التي يسيطر عليها بيريزوفسكي وفي مقدمها القناة الاولى "او. آر. تي" وقناة "تي. في. 6" دوراً ملحوظاً في عملية "تلطيخ" المرشحين المناوئين للكرملين. و"احتفت" القناتان بيوم ميلاد بريماكوف الذي بلغ السبعين من العمر باعداد افلام وبرامج تصوره… مخططاً لجرائم اغتيال الرئيس الجورجي ادوارد شيفاردنادزه، لكنها صمتت حينما كذبت تبليسي هذه الأنباء، ناهيك بنفي بريماكوف نفسه. وغدا "القتل الاعلامي" ونشر الغسيل الوسخ ظاهرة شائعة الى حد دفعت احد المشاركين في "الاغتيالات التلفزيونية" سابقاً يفغيني كيسيليوف الى ان يطلب من زملائه ان "يخجلوا ويعودوا الى صوابهم".