يواجه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يُفترض ان يتصدر الموقف العالمي بشأن العراق، مأزقاً جدياً وخطراً في الوقت الحاضر. فبعض الدول التي ايدت في البداية فرض العقوبات الدولية، كوسيلة لممارسة ضغوط على الرئيس صدام حسين، ترى حالياً انها تفتقر الى اي هدف واضح. ويلحق هذا الوضع الاذى بمكانة الاممالمتحدة ويفاقم معاناة الشعب العراقي. ألا يمكن القيام بشيء ما؟ ساندتُ دائماً حق مجلس الامن في ان يقرر عدم السماح لاحدى الدول الاعضاء في الاممالمتحدة بحيازة اسلحة دمار شامل. وكان صدام حسين خسر الدعم الدولي لبلاده في اعقاب غزوه الكارثي للكويت. وقد استخدم قبل ذلك الاسلحة الكيماوية ضد معارضيه الاكراد في شمال العراق، واطلق صواريخ "سكود" على المملكة العربية السعودية واسرائيل. وخلال السنوات التسع الماضية لم يستجد شيء يقنع المجتمع الدولي بأنه ينبغي للعراق ان يملك مرة اخرى اسلحة دمار شامل. وهو ما يجعل من الدعوة الى استمرار العقوبات العسكرية موقفاً لا يُدحض. وهناك حاجة لوجود مفتشين دوليين في العراق لضمان فاعلية هذه العقوبات العسكرية. وفي حال عودة المفتشين ينبغي ان يركزوا بدرجة اقل على ما حدث في الماضي في ما يتعلق باسلحة الدمار الشامل. ويتعين عليهم ان يكرسوا كل اهتمامهم لرصد اي محاولات لانتاج اسلحة جديدة، وذلك باستخدام احدث وافضل معدات للمراقبة. يجادل الاميركيون والبريطانيون داخل مجلس الامن، بتأييد من الهولنديين، بأنه ينبغي عدم اجراء اي تخفيف للحظر الاقتصادي الدولي الاّ عندما يجري التأكد بأن العراق تخلى بشكل كامل عن برامج الاسلحة ووافق على السماح بعودة المفتشين الدوليين. ولهذه السياسة ميزاتها. لكنها تلقى، في التطبيق العملي، معارضة روسيا، ولم يحالفها النجاح، وليس هناك سبب وجيه يدعو الى التوقع بأنها ستنجح هذه السنة، او السنة المقبلة، او السنة التي تليها. يتعيّن اذاً تغييرها قبل ان يتعرض الدعم الدولي للعقوبات الى مزيد من النخر. ولتحقيق تقدم على صعيد القضية العراقية سيحتاج الاميركيون والبريطانيون الى دعم الدول العربية، اذ يبدو احياناً انهم يغفلون عن ادراك هذه الحقيقة البسيطة. وحسب اعتقادي فإن الوقت حان لرفع العقوبات غير العسكرية، ربما على مراحل، للتخفيف من معاناة المدنيين في العراق. فالعقوبات ينبغي ان تستهدف نظام صدام حسين الوحشي وليس الشعب العراقي. وقد يكون من الضروري ابقاء القيود على مواد معينة ذات استخدام مزدوج، لكن المبرر لمنع تصديرها يجب ان يوضح بعناية وعلناً. اشغل حالياً عضوية مجلس ادارة فرع صندوق رعاية الطفولة التابع للامم المتحدة "ىونيسيف" في بريطانيا، وفي آب اغسطس الماضي نُشرت نتائج مسح اجراه الصندوق حول الوضع الانساني في العراق. وكشفت هذه الدراسة ارتفاعاً مروعاً في معدل وفيات الاطفال والوفيات عند الولادة. وبلغ معدل الوفيات بين الاطفال دون الخامسة ضعف ما كان عليه قبل عشر سنوات. وقدرت هذه المنظمة ذات السمعة العالمية ان عدداً اضافياً يبلغ نصف مليون من الاطفال العراقيين دون الخامسة ماتوا منذ 1990. لا يمكن الاستمرار في تجاهل مثل هذه الحقائق المؤلمة من قبل اعضاء مجلس الامن، ويجب الكف عن ذلك. انه وضع غير مقبول. سمح مجلس الامن للعراق منذ كانون الاول ديسمبر 1996، استجابةً لمخاوف في ارجاء العالم بشأن معاناة العراقيين، ان يبيع كميات محدودة من النفط مقابل الغذاء والدواء وامدادات اغاثية اخرى. لكن الدمار لحق بصناعة النفط العراقية لدرجة انها اصبحت غير قادرة على انتاج نفط يكفي لتغطية كلفة حتى الاحتياجات الاساسية من الغذاء والدواء. ويوجد شح كارثي في قطع الغيار والمعدات. وتعجز البنى التحتية في العراق عن التصدي لمشاكل التوزيع والخزن الحالية. لا خيار امام مجلس الامن سوى ان يسمح باجراء تحسينات كبيرة في البنى التحتية، وينبغي ان يأخذ في الاعتبار المستقبل الاقتصادي والتجاري البعيد المدى للعراق. ولا يخامر خبراء كثيرون اي شك في ان انفتاح العراق على العالم سيجعل صدام حسين يواجه صعوبة اكبر في فرض سيطرته الصارمة على السكان. وفي الوقت الذي اتفق على انه ينبغي للطيارين الاميركيين والبريطانيين ان يكونوا قادرين على الدفاع عن انفسهم في حال تعرضهم الى هجوم اثناء طلعاتهم لفرض منطقتي الحظر الجوي، فإنه ينبغي وقف حملة القصف غير المُقرة. فقد وجهت ضربات الى اهداف عسكرية مثل منشآت رادار ومواقع صواريخ، لكن لحقت ايضاً اضرار بانبوب نفط واُستهدفت مراكز للقيادة والسيطرة. لم تأت هذه الحملة الجوية التي يقف وراءها البنتاغون بأي نفع. كما ينبغي، على نحوٍ مماثل، انهاء برامج تدريب المعارضة العراقية وتزويدها معدات تصل قيمتها الى 97 مليون دولار من قبل اميركا. يحتاج الديبلوماسيون في مجلس الامن اذاً الى تطوير استراتيجية تعيد العراق الى المجتمع الدولي وتبعث الامل مجدداً لدى شعب العراق. * سياسي بريطاني، مدير "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو