رقصت مدرّجات البترون في شمال لبنان مساء أول من أمس على ألحان طالما حفظها اللبنانيون عن ظهر قلب. فقد امتلأت تلك المدرّجات بالوافدين، منهم من تعوّد أن يذهب إلى «الميوزيك هول» في بيروت لحضور الحفلات «الغجرية»، ومنهم من كانت هذه التجربة الأولى له. فالحفلات التي تجمع الأخوين شحادة والغجري بلال ورواد «الوطني» وصاحبة الصوت الذهبي فاديا نجم والقدير طوني حنا، قليلة. افتتح المهرجان بالنشيد الوطني الذي وقف الجميع لتأديته بصوت واحد وقلب واحد، وعندما بدأ الفنان رواد أداء الأغاني الوطنية ومنها «أنا بتنفس حرية» و«نحنا الثورة والغضب» و«منرفض نحنا نموت» لجوليا بطرس، و«يا أهل الأرض» لغسان صليبا، و«حاصر حصارك» لماجدة الرومي، علت الأصوات التي ظهر من خلالها تمسك الحاضرين بكل قطة أرض في لبنان من شماله إلى جنوبه. وبعد رواد، دخلت فاديا نجم التي تملك صوتاً قوياً يشبه أصوات رحل أصحابها من الدنيا لكنها ما زالت حية في العقول والآذان، وأدت أغاني أعادتنا إلى زمن جميل عايشه بعض الحاضرين من رجال ونساء، وتعرف إليه الجيل الشاب والأولاد حتى منها «أكذب عليك» و«لولا الملامة» و«مالي ونا مالي» و«حرّمت أحبك»، ورافقها صوت الجمهور وتصفيقاته القوية. ولا يكتمل المشهد الوطني بلا ذكر العملاق وديع الصافي الذي قدّم له ابنه جورج تحية من خلال تأديته أغاني منها «زرعنا تلالك يا بلادي» و «الله معك يا بيت صامد بالجنوب»، فيما كان جزء كبير من الحاضرين يرقص الدبكة التقليدية على المدرجات. وبعد انتظار طويل، ظهر الغجري بلال «أمير ميوزك هول» وشعره يتدلى إلى أسفل ظهره معقوداً على شكل ذيل فرس، ولا ينفك يرقص ويهز خصره على إيقاع الأغاني التي يؤديها، ومنها «مريم مريمتي» و«جيب المجوز يا عبّود» و«تعلا وتتعمّر يا دار» و«واشرح لها» وأغان كثيرة لسميرة توفيق، منها «صبوا هالقوة» و «عينك على جارتنا»، وها هو بلال ينتشي طرباً فينزل من السرح ليجول بين الحاضرين ويشعلهم وينتج تفاعلاً كبيراً ورائعاً في الأجواء الحارّة. انتهى بلال ليأتي رجل متنكّراً بثياب من الثمانينات وواضعاً نظارتين شمسيتين يغطي فيهما ملامح وجهه، ويبدأ غناء أغان من الحقبة التي تعود إليها ثيابه، منها «أه يا تمارة» و«عخدك حبة لولو» و«يلّي مش عارف اسمك». أتى هذا «المجهول» ورحل من دون تأثير كبير في الحاضرين الذين كانوا يتساءلون عن هويته. فجزء كبير من الحاضرين أتى ليشاهد الأخوين شحادة ويستمع إلى أدائهما الرائع. الأخوان شحادة هما رامي الذي يغني ويعزف على العود في الوقت نفسه، وفريد الذي يعزف على العود أيضاً خلال الحفلات، وعلى آلات أخرى منها الكمنجة والقانون والناي. يغني رامي باحتراف كبير ويؤدي الزجل والتقاسيم. وفي مهرجان البترون، غنى رامي أغاني كثيرة، منها «بدي شوفك كل يوم» و«طلوا حبابنا طلوا» و«الحلو دي» و«كنا 6 على النبعة» و«قدك المياس» التي ظهر من خلالها صوته الكبير الذي يسمح له بالارتقاء بالطبقة الصوتية التي تسمح له بتأدية أنواع كثيرة من الألحان. وخلال «وصلتهما» كان الجمهور كله واقفاً يغني معهما ويرقص على عزفهما ويصفق لأدائهما. وعندما أنهيا وودّعا الحاضرين، علت النداءات والصيحات مطالبة ببقائهما أكثر. ولكن، كان القدير طوني حنا في انتظار دوره ليختتم هذا الاحتفال ويدخل الفرحة إلى قلوب كثر بأغان صمدت عقوداً. فعلت جيداً مهرجانات البترون باستضافتها مغنين من «ميوزك هول» وجمعتهم على مسرح واحد، ليمزجوا الفن الأصيل بالأساليب الغجرية والتقليدية، وبيّنت أن ما فرّقته السياسة في لبنان جمعه حب الحياة والموسيقى الجميلة. وكما كانت بداية المهرجان مسكاً كنات نهايته مسكاً.