في مقال عن الشباب الألماني ذكر بيتر غروتيان البروفسور في معهد تحليل الأنظمة السياسية في الجامعة الحرة - برلين "ان تمرداً جديداً لهؤلاء كان من المفترض ان يحصل خلال السنوات الماضية". ويعزو غروتيان اسباب افتراضه الى ان اصحاب القرار خانوا مصالح الشباب. وليس أدل على ذلك من ان 1.3 الى 1.5 مليون من الذين تتراوح اعمارهم بين 15 و25 عاماً اما عاطلون عن العمل او من دون مكان لتأهيلهم المهني. وبمعنى آخر فإن واحداً من بين كل خمسة شباب يعاني من ترجيح احتمال العيش على هامش المجتمع الذي يمتلك ثالث اقوى اقتصاد في العالم. وبناء عليه يطالب المذكور بطرح قضايا الشباب للنقاش على الرأي العام، ولكن ليس على شاكلة ما تطرحه وسائل الاعلام الجماهيرية حتى الآن. فالأخيرة تقوم بتغريب الشباب من خلال اهتمامها بمواضيع ليست من صلب قضيتهم الأساسية، الا وهي كيفية تمكينهم من العمل وتأمين شروط عيشهم. وبدلاً من ذلك تراها تصور لهم العالم بجوانب سحرية وفاتنة عمادها الأزياء والجنس وموسيقى التانغو. كما انها تحاول افهامهم ان المال والمال وحده هو الوسيلة العالمية للمتعة. وفي حال عالجت الوسائل المذكورة قضايا شبابية تراها تتناول بسطحية وبما يشبه الموضة قضايا مثل الشباب والعنف والشباب والمخدرات او الشباب والتطرف. وهي لا تتطرق في هذا الاطار الى الاسباب والعوامل التي تساهم في نشوئها بقدر ما تعرضها كظاهرة من دون جذور. ويساهم ذلك في حرف الجيل الجديد عن التفكير بمشاكله الأساسية. ويستغرب ماتياس الطالب في المعهد العالي للفنون في برلين مثل هذه المعالجة على الرغم من قرع اجراس الخطر من قبل مثقفي البلاد على اختلاف انتماءاتهم. ويتمثل هذا الخطر بشكل اساسي في توجه المزيد من الشباب نحو التطرف والجريمة. ويؤكد صحة الاتهامات الموجهة لوسائل الاعلام العديد من الدراسات والتحليلات، من بينها دراسة اجريت عن الشباب في الجامعة المذكورة بموجب تكليف من شركة "شل" العالمية. وأظهرت الدراسة ان البطالة وتبعاتها تعتبر القضية الأولى التي تشغل بال ثلثي الشباب الألماني. ويكاد لا يختلف الأمر في هذا الخصوص في ولايات شرق المانيا المانيا الشرقية سابقاً عنه في غربها. ففي الأولى يخاف منها 46 في المئة، مقابل 45 في المئة في الولايات الغربية. ويبدو تشابه المواقف على صعيد المخدرات التي يخشاها 37 في المئة من الشباب الشرقي و36 في المئة من اقرانهم الغربيين. وعلى العكس من ذلك فإن المواقف تتباين تجاه قضايا او مشاكل اخرى، منها على سبيل المثال الموقف من نظام الحكم والعداء للأجانب والموقف من الآخر. الموقف من النظام السياسي تبدو الغالبية الساحقة من الشباب الألماني اليوم مؤمنة بنجاعة النموذج الديموقراطي الذي يحكم البلاد. ويمكن القول ان وجهات نظر هؤلاء حوله لا تختلف سوى حول حجم او عمق "العمليات التجميلية" التي يجب اخضاع بعض جوانبه وتطبيقاته لها بين الفينة والأخرى. ويعبر ذلك عن آراء شباب في مختلف انحاء المانيا مثل أينس من هامبورغ في الغرب ويورغن من درسدن في الشرق واندرياس من برلين وسط الشرق او روبرت من شتوتغارت في الجنوب. ولكن الايمان بالنموذج المذكور يشوبه موقف معاد لمبادئه من الشبيبة اليمينية المتطرفة التي تتصاعد نجوميتها هذه الأيام بسرعة خصوصاً في الولاياتالشرقية. ويتجلى هذا الموقف برفض اسس الديموقراطية لمصلحة تبني الافكار الفاشية التي تنطوي على العنف والعنصرية. ويعكس هذا التبني ازدياد اعمال المتطرفين العدائية ضد الاجانب. كما يعكس نجاحهم في الحصول على عدد من المقاعد في البرلمانين المحليين لكل من مقاطعتي ساكسن انهلت وبراندنبورغ الشرقيتين. ولا يثير القلق فقط الشعارات العنصرية التي ساهمت بنجاح حملاتها الانتخابية والتي تذكر بأيام صعود النازيين في عشرينات هذا القرن، فمما يثيره ايضاً حقيقة ان غالبية ناخبيهم نحو الثلثين جاءت من صفوف الشباب وفقاً لوزارة الداخلية الألمانية. الموقف من الأجانب ينظر غالبية الشباب الألماني الى الاجانب نظرة عادية. ولا يغير من جوهر ذلك حساسيات موجودة تجاههم على غرار تلك الموجودة لدى مختلف الشعوب تجاه الغرباء كما يعتقد الشباب البرليني تيم وقرينته ماتياس من مدينة هالوفر. وغالباً ما تبنى هذه الحساسيات على احكام مسبقة او مخاوف من منافسة الاجانب لهم على صعيد العمل والوظيفة. لكن المشكلة ليست في ذلك وإنما في الذهاب الى ابعد منه باتجاه التطرف والقيام بأعمال العنف والاعتداءات بحق هؤلاء. ولا يتم الاكتفاء على هذا الصعيد بالضرب وتخريب الممتلكات وإنما بوصول الأمر الى حد القتل كما حدث لمواطنين من تركيا والجزائر وغيرهما. ويقوم بهذه الأعمال المشينة في الغالب شباب دون الخامسة والعشرين من عمرهم في مختلف انحاء المانيا. ولكن ما يلفت الانتباه نسبتها العالمية في المقاطعات الشرقية قياساً اليها في مثيلاتها الغربية. ويختلف الباحثون في تفسير هذه الظاهرة. فبعضهم يعزو اسبابها الرئيسية الى ان معدلات البطالة والمشاكل الاجتماعية الناشئة عنها بين شباب شرق المانيا اعلى بكثير منها بين اقرانهم في غربها. ويرى آخرون ان السبب يعود الى مخلفات نظام التربية الاحادي الجانب والمغلق تجاه الآخرين في حضانات ومدارس المانياالشرقية سابقاً. ومن خلال استطلاع لوجهات نظر عشرين شاباً سألناهم بهذا الخصوص تبين ان العداء او الميول المعادية للاجانب مرتبطة غالباً بالخوف من قيامهم بأخذ فرص العمل على حساب الأيدي العاملة المحلية. وفي هذا الاطار يقول احد المعادين: "لو نظرت الى ورش البناء في برلين وخارجها ستجد ان غالبية عمالها من غير الالمان في الوقت الذي لا نجد فيه نحن عملاً". لكن زميله بيتر لا يجد في ذلك مبرراً للقيام بأعمال العنف معتبراً ان الشباب الألمان لن يترددوا في اخذ فرص العمل في بلدان اخرى اذا وفرت لهم دخلاً افضل مما هو عليه في بلدهم. وترى كلوديا ان قسماً هاماً من الشباب المتطرف يقع ضحية الدعاية النازية المغرضة التي يتم تمويلها من اغنياء نازيين او مؤيدين لهم. ويستنتج من غالبية الآراء ان قسماً هاماً من الشباب الألماني يرى في الاجانب عبئاً على البلاد بالدرجة الأولى. وبذلك يتم نسيان او تناسي الحاجة اليهم اقتصادياً، لا سيما انهم يساهمون بشكل فعال في الدخل القومي والضرائب وتنشيط الطلب في السوق... الخ. وبعيداً من مواقف الشباب الألماني تجاه القضايا الجوهرية تبدو مسألة التطرق الى مواقفهم تجاه بعضهم البعض مهمة. ترى كيف ينظر بعضهم الى الآخر بعد مرور عشر سنوات على انهيار جدار برلين؟ تشير استطلاعات نشرت اخيراً الى نتائج سلبية غير متوقعة. فعلى الرغم من مرور السنوات المذكورة ما تزال الاحكام المسبقة تطغى. ويؤكد ذلك استطلاع آراء بعض الشباب من الضاحيتين الجارتين كرويتسبرغ غرب برلين وفريدرشهاين شرق برلين. ففي الأولى يرى اكثر الذين سئلوا ان الشرقيين منغلقون ومعادون للاجانب. وفي المقابل يتهم اقرانهم في الثانية الغربيين بأنهم متكبرون ومدمنون على المخدرات. ومما تعنيه هذه الاحكام ان الوحدة تمت على صعيد السوق اكثر منها على صعيد العقول. وتفسر اورزولا شيرمر مديرة مؤسسة حماية الاطفال والشباب ذلك بضعف اختلاط الشباب الشرقي بالغربي على مختلف الاصعدة. وتظهر دراسة قامت بها كل من جامعة برلين الحرة غرب برلين وكيمنتس Ghemnitz في مقاطعة ساكسونيا شرق البلاد ان النظرة التي تطغى عليها الاتهامات تجاه الآخر قد تعود الى التربية المنزلية او الى ما يقوله الأهل لأبنائهم. ففي الغرب يشكو الناس من ضعف اعتراف الشرق بالجميل على الرغم من التضحيات التي قدمتها المانيا الغربية. وفي المقابل يتحدث الأهل في المانياالشرقية عن ان الغربيين يتصرفون تجاه الشرقيين بفوقية تشبه تصرف المستعمرين تجاه مستعمراتهم، وهذا ما يؤثر في الشباب ويدفعهم الى عدم الاختلاط. ومن نتائج ذلك ايضاً ان آخر الاستطلاعات تفيد بأن 17.5 في المئة من الشباب الغربي يتمنى لو اعيد بناء الجدار من جديد. وفي المقابل يرغب 9 في المئة من الشباب الشرقي بذلك.