في هذا التحقيق استطلعت "الحياة" آراء بعض اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سورية، وحاولت اختيار نماذج مختلفة، لتعكس - قدر الامكان - مختلف التلاوين والمستويات الاجتماعية والثقافية. يقول خالد عبدالكريم ابو رامي، من سكان مخيم اليرموك، عمره 58 سنة، مدينته الأصلية يافا: كل الحلول التي تطرح لحل قضية اللاجئين هي حلول ظالمة، وتلغي حق الشعب الفلسطيني في الحياة، وفي العمل السياسي المستقل، وحتى الدولة الفلسطينية لا تلبي حق العودة. انا من حيث المبدأ ضد فكرة التوطين او التعويض نهائياً على رغم ان هذه الفكرة اذا أردنا ان نكون صادقين قد تحل بعض المشاكل الاجتماعية لبعض الناس، لكن خطورتها انها تلغي حقنا كفلسطينيين في الكيانية، وتلغي حقنا في الصراع مع العدو من اجل تحقيق حقوقنا وستسد المنافذ امام الفلسطيني الذي سيصبح أسيراً لها، لأن التوطين يتناقض مع حق العودة، ويلغيه تماماً. وعن امكان ان يحصل اللاجئ الفلسطيني على الجنسية الفلسطينية وجواز السفر الفلسطيني مع حق الاقامة الدائمة في البلد المضيف كسيناريو آخر محتمل قال خالد عبدالكريم: ان نتحوّل الى جالية فلسطينية تنتمي الى كيانية محددة لكنها لا تعيش واقعياً على ارضها ربما يكون من وجهة نظر من يرسمونه مخرجاً من المخارج، وهو ربما أهون نسبياً من موضوع التوطين، لكنه ايضاً وسيلة لتعطيل عملية النضال باتجاه تحرير فلسطين. صحيح انني من الناحية المعنوية سأحتفظ بجنسيتي الفلسطينية اذا حصلت على هوية وجواز سفر فلسطينيين، لكن من الناحية الواقعية ممنوع عليّ ان اكون ضمن دائرة ما يسمى بالدولة الفلسطينية، التي لا يريدونها ان تستوعب كل الفلسطينيين هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى عندما نصبح جالية فلسطينية في بلد عربي، مطلوب منا ان نراعي قوانين الدولة التي نقيم على ارضها. وعن فتح باب الهجرة لمن يرغب يرى عبدالكريم: ان هذا الموضوع مخطط يستهدف الشباب الفلسطيني، حتى يبتعد عن قضيته ويذوب في مجتمعات اخرى، وقد يراه البعض اسهل الحلول، لكنه في حقيقة الأمر ليس هروباً الى الأمام وانما الى جهنم… او الى مصير مجهول. ليس امامنا سوى التمسك بحق العودة والتشبث به. المختار محمود احمد عودة ابو منير 74 سنة من قرية لوبية قضاء طبرية الجليل يقول: ربما كنت من الاشخاص القلائل في مخيم اليرموك، الذين يعدون على الأصابع ممن يملكون عقارات وبناء، مع ذلك انا مستعد ان اتنازل عن كل ثروتي في سبيل ان اعود. لا اريد ان اتطرق في حديثي الى اكثر من ذلك ولكن اذا لم يرجع جيلنا، فجيل اولادنا، او اولاد اولادنا لا بد لهم ان يعودوا الى ارضنا وبلدنا شاءت اسرائيل ام لم تشأ. وعن الحلول المحتملة التي قد تفرض بقرارات دولية يقول المختار ابو منير: اذا فرضت علينا حلول ولم نستطع حيالها اي شيء، فالحل الأفضل نسبياً هو الحصول على الجنسية الفلسطينية والبقاء في البلد المقيمين فيه، فأنا لست على استعداد لأن اذهب الى اراضي السلطة الفلسطينية، او اذهب وأرى عدوي هناك ومن الأفضل البقاء في سورية لأنني اعتبرها مع فلسطين بلداً واحداً. ويرى المختار ابو منير ان كل من يهاجر الى اميركا او كندا او استراليا او اي مكان آخر هو ناقص عقل ودين. الحاج محمود صالح السهلي 75 عاماً من بلد الشيخ قضاء حيفا قال: حق العودة، حق مقدّس لا تنازل عنه، لكن اميركا ودول اوروبا سوف تفرض فرضاً بعض الحلول، فمن المحتمل ان يفتحوا باب الهجرة لابعاد الشباب المحيطين باسرائيل وقد يفرضون التوطين، وربما يسمحون للبعض بالتعويض وهم يبذلون جهودهم من اجل انهاء الأمر. هذه الحلول غير عادلة. لكن بحكم القوة ربما سيفرضونها فرضاً، لكن بكل الأحوال التوطين الاجباري لا احد يرضى به، وضمن هذه الحلول التي من الممكن ان تفرض علينا فرضاً وأقلها سوءاً ربما منحنا جنسية فلسطينية مع حق الاقامة الدائمة في سورية هي افضل الحلول. انا افضل البقاء في سورية على العودة الى اراضي الضفة وغزة لأنها ليست البديل، بسبب كثافة السكان. مصطفى حجو 71 سنة من قرية لوبية قضاء طبرية، الجليل يتساءل: ماذا يريد انسان مريض وجائع وليس لديه اي شيء؟ يريد الخبز. عندما تكون محروماً من كل شيء، وكل شيء ضاع بالنسبة لك، فيجب الا تُسأل ماذا تريد؟ اسألني كيف يمكن لي ان اشفى من الألم، او كيف باستطاعتي التحرك ولو قليلاً؟ المهم بالنسبة لأي فلسطيني لاجئ في الخارج غنياً كان ام فقيراً العودة الى فلسطين. صحيح ان الدول العربية استضافتنا وأكرمتنا، لكن لم يكن لدى الفلسطيني حرية الحركة الكافية من اجل ان يعمل لفلسطين، من المهم للفلسطينيين ان يعودوا الى بلدهم، وان يبنوا كيانهم، ويبنوا دولتهم، ولكن هل هذا هو المطلوب بعد كل هذا الجهاد الفلسطيني، وبعد كل النضال الفلسطيني والثورات الفلسطينية. لا ليس هذا هو المطلوب فقط، المطلوب اعطاء الفلسطيني كافة حقوقه كإنسان: حق العمل والتنقل، وحرية الرأي. نحن الآن مثل مريض تقول له قم واعمل، او مثل جائع تطلب منه صدقة. هذا الجائع اذا اعطيته كسرة خبز يمكن ان يرضى بها، ولكن على اقل ان يحصل على شيء في المستقبل. هل هذه الحلول عادلة انها غير عادلة لذلك حتى لو صار هناك سلام فالقضية لن تنتهي لأن الصراع في هذه المنطقة هو صراع حضاري. ما يتمناه كل فلسطيني قبل ان يموت هو العودة الى فلسطين، وأي مشروع فيه توطين او تعويض او غيره مرفوض. بالنسبة للعودة الى الضفة وغزة كخيار بديل، هذا شيء مستحيل وذلك بغض النظر عن القيود الاسرائيلية، لسبب بسيط جداً، فلو اخذنا الموضوع من زاوية اقتصادية وجغرافية فقط نجد ان هذه المساحة قليلة جداً، وليس بامكانها ان تستوعب كل الفلسطينيين. ابو عمر 46 سنة معلم تمديدات صحية من صفد. يقول: من المهم ان نظل محافظين على الهوية الفلسطينية، على رغم انهم اوصلونا الى حال من اليأس، وتبخرت احلامنا، والآن نحلم بالخبز، لا بالسياسة، ولا ندري كيف سيلعبون بنا ايضاً. نحن متمسكون بفلسطين وانا ارى ان لا حل لقضيتنا. نحن ليس لنا اي دور، لا بالحل ولا بالتسوية، لا رأي لنا، وما علينا سوى الطاعة، ولو كانوا يسألون رأينا من البداية لما وصلنا الى الانهيار الحالي. بالمعنى السياسي لا هذا الجيل، ولا الجيل الذي يليه يستطيع ان يحل هذه القضية لأن توازن القوى ليس لصالحنا. يوسف مشينش 63 سنة نجّار من بلدة إكزم قضاء حيفا. يقول: خرجت من فلسطين وعمري عشر سنوات، الآن عمري 63 عاماً. لم تتوفر لنا ابسط حقوق الانسان، سكنت انا وأخوتي العشرة في غرفة واحدة، كنا محرومين من كل متطلبات الحياة، نقاسي الحرّ ايام الصيف، والبرد ايام الشتاء، وكبر وعينا ونحن على هذه الحالة. رحلة اللجوء خارج وطننا فلسطين كانت رحلة من المعاناة والألم، ومع كل الشعارات الكبرى التي رفعت حول تحرير فلسطين نجد انفسنا اليوم في حال لا تصدق، نحن صدقنا تلك الشعارات ووصلنا الى مرحلة لم نعد فيها نصدق احداً.. كل قرارات المجتمع الدولي وقرارات الأممالمتحدة لم تطبق تجاهنا كفلسطينيين، نحن نشاهد الآخرين كيف يتمتعون بأوطانهم، وكنا نتحسّر. فأي حلم سأحلمه الآن وانا في العقد السادس من عمري؟ نحن بحاجة لأن نعيش كبشر لنا الحق في وطننا مثل كل البشر فأين هي حقوق الانسان الفلسطيني؟ انا لست مواطناً، وليس لي حق المواطنة، اسمي حسب سجلات هيئة الأممالمتحدة: لاجئ. لذلك اذا منحوني جنسية فلسطينية، وكان لي الخيار في ان اعيش في المكان او الوطن الذي يحلو لي فربما سيخفف هذا بعضاً من معاناتي، من حقي كفلسطيني ان اقبل بخيار اشعر فيه انني طليق وحر التنقل، وحر في اختيار العمل الذي يناسبني أليست هذه هي ابسط حقوق الانسان؟ طاهر عودة أبو رياض 70 سن من قرية لوبية/ الجليل. يقول: بصراحة نحن لا نتمنى اي حل لقضية اللاجئين الا حل العودة الى ارض الوطن والعودة الى بيتنا، لكن اذا لم يكن امامنا اية خيارات، فالمكان الأفضل برأيي هو المكان الذي نعيش فيه، في سورية، أشك بأن تقبل اسرائيل بعودة احد الى الارض التي هجّرتنا منها فهذا الشيء يحتاج الى قوة، وطالما ان القوة التي ستجبرهم على هذا غير موجودة وغير متوافرة، فلا شيء يجبرهم، لكن هذا شيء وحقنا شيء آخر. والدي توفي منذ خمس سنوات وكان في التسعين من عمره، كان يقول: "امنيتي ان اشوف الأرض وأبوس ترابها". من ناحيتي لا افضل العودة الى غزة او الضفة الغربية، لأنها ليست بديلاً عن الوطن. شريط غزة شريط ضيق حتى بسكانه الأصليين، هذا عدا عن ان اسرائيل اقتطعت اجزاء كبيرة من الضفة وغزة وبنت عليها مستوطنات. اين سيجتمع الفلسطينيون في هذه الرقعة الصغيرة، هذا ليس بحل. بلال سلوم 40 سنة متعهد دهانات من طيرة حيفا. يقول: ما نسمعه من اخبار عن قضية اللاجئين التي يجري التفاوض عليها ضمن مفاوضات الحل النهائي، انه سيحصل استفتاء حول المسألة التي من الصعب ان تحسم بطريقة عشوائية. حق العودة هو الأساس، ولكن كيف يمكن ان تتم هذه العودة؟ هنا الاشكالية. يريدون لنا ان نصل الى شعور او قناعة، بأن هذه المسألة غير قابلة للتحقيق، هذا ما هو واضح حالياً من الصورة. اتمنى ان تظل هذه المسألة معلقة، حتى يظل لنا امل للمستقبل. وآمل ان لا تساوم السلطة الفلسطينية على هذه القضية لا بالتعويض ولا بغير التعويض. علماً ان من يقرأ التطورات السياسية ويشعر انهم سيصلون الى حل ما سواء برضانا او عدمه، وباعتقادي ان مسألة التوطين لن تحسم باتفاق بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية ولا يمكن ان تتم الا في ضوء اتفاق مع سورية ولبنان، والأمر ايضاً خاضع لاتفاقات دولية. التوطين الاجباري اذا حدث ربما يكون اكبر ضربة توجه لقضيتنا كلاجئين فلسطينيين، وانا لست مع فتح باب الهجرة التي ربما يكون وراءها موافقات سرية مع بعض الدول، كذلك الحصول على جواز سفر فلسطيني مع حق الاقامة في البلد المضيف، اي ان نتحول الى جاليات فلسطينية في البلدان العربية، ليس بحل ايضا. حق العودة حق مقدّس لا تنازل عنه، اما مسألة تحقيق هذا الحلم، فهي مسألة خاضعة لاعتبارات كثيرة، وكل الخوف ان تقفز السلطة الفلسطينية فوق مسألة اللاجئين، ويبدو ان القوي يفرض شروطه على الضعيف.