قالت مصادر لبنانية سياسية رفيعة المستوى ل"الحياة" ان لبنان "تلقى ما يشبه التهديد قبل نحو اسبوعين، مفاده ان اسرائيل اذا انسحبت من جانب واحد من جنوبلبنان والجزء المحتل من البقاع الغربي، فسترد بقسوة على أي عمل عسكري عبر الحدود، في لبنان وستشمل ضرباتها السوريين في هذه الحال". وأوضحت المصادر ان "مراجع دولية عدة أبلغت مسؤولين لبنانيين رسميين وسياسيين خلال الاسبوعين الماضيين ان اسرائيل جادة في انسحابها من لبنان في 7 تموز يوليو المقبل، باتفاق أو من دون اتفاق. وبين هذه المراجع السفير الاميركي في بيروت ديفيد ساترفيلد ووزير الخارجية الفرنسية السابق هيرفيه دوشاريت الذي زار بيروتودمشق الاسبوع الماضي، اضافة الى سفراء غربيين آخرين. الا ان هذه المصادر لم تحدد أياً من هذه الجهات نقل شبه التهديد بان اسرائيل ستضرب بقسوة لبنان وسورية اذا تعرّضت لعمليات بعد انسحابها. لكن المصادر أشارت الى ان التهديد هذا قد يكون جاء أثر اعلان "حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين" من دمشقوبيروت تنفيذها عمليتين في منطقة الشريط الحدودي المحتل في جنوبلبنان بتاريخ 26 تشرين الاول اكتوبر الماضي ضد أحد المواقع التي تتمركز فيها قوات الاحتلال الاسرائىلي. وأوضحت المصادر الواسعة الإطلاع ل"الحياة" ان "هذا التهديد المبطن الذي سمعه الجانب اللبناني، جاء في سياق التصريحات والتسريبات والمواقف التي ترمز الى تبادل مناورات ووسائل تعبر عن عملية تجاذب تحصل على صعيد الاتصالات البعيدة من الاضواء في شأن استئناف المفاوضات على المسارين السوري والفلسطيني، والتي شملت سجالاً أميركياً - سورياً واسرائيلياً - سورياً، في شأن تجدد المفاوضات على أساس "الوديعة" التي تصر دمشق على البدء منها عند الجلوس الى طاولة التفاوض. وهي "الوديعة" المتعلقة بوعد رئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل اسحق رابين، لواشنطن، بالانسحاب من الجولان السوري المحتل حتى حدود الرابع من حزيران يوليو العام 67. وجاءت هذه المعلومات عن التهديد المبطن، وسط اجواء تشاؤمية في بعض الاوساط الرسمية والسياسية اللبنانية بتزايد الصعوبات لاستئناف مفاوضات السلام على المسار السوري أعقبت السجال على "وديعة رابين" بين واشنطنودمشق، وفي ظل مخاوف عبّرت عنها هذه الاوساط عن إمكان انسحاب اسرائيلي جزئي من جانب واحد من جنوبلبنان، في غضون مدة قريبة، على ان يستكمل الانسحاب لاحقاً، بعد توقيف اسرائيل الانسحاب الاول للضغط من اجل استئناف التفاوض من دون الاخذ بشرط سورية الإقرار بوديعة رابين. وما زاد في المخاوف من هذا الاحتمال قيام وفد من السفارة الاميركية قوامه الملحق العسكري فيها وبعض معاونيه الاسبوع الماضي بزيارة منطقة حاصبيا، من الجهة المحررة واستطلاعهم عن قرب الحدود مع الشريط المحتل، ثم زيارة السفير ساترفيلد منطقة الناقورة الاحد والاثنين والثلثاء، وانتقاله الى بلدة تبنين في القطاع الاوسط الجنوبي حيث تفقد الحدود التي تفصل بين المناطق المحررة والمناطق المحتلة ومواقع القوات الدولية هناك. وقال مرجع لبناني عال ل"الحياة" انهم يستكشفون ما هي الخطوات الواجب اتخاذها في حال حصول الانسحاب الاسرائىلي. لكن مصادر ديبلوماسية غربية أكدت ل"الحياة" ان هذه الجولات استكشافية وروتينية، وان لا الولاياتالمتحدة الاميركية ولا أي جهة اخرى لديها معلومات محددة عن نية انسحاب اسرائيلي من الجنوباللبناني، جزئياً أو كلياً، أو عن توقيته. وفي وقت أبلغ رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري "الحياة" انه "غير متفائل باستئناف مفاوضات السلام لكني غير متشائم حتى الآن"، قال مرجع لبناني عال آخر انه لا يعتقد ان أجواء التشاؤم "ستأخذ مداها، لان عدم حصول السلام يعني قيام ظروف للحرب، في وقت ليست الحرب في مصلحة أحد". وتلتقي تقديرات بري والمرجع العالي مع تأكيد مصدر ديبلوماسي غربي في بيروت ل"الحياة" ان "المعلومات المتوافرة لدينا لا تشير الى التشاؤم وان الاتصالات التي تقوم بها الولاياتالمتحدة الاميركية، بين سورية واسرائيل، لاستئناف المفاوضات والتي تناولت وتتناول القضايا الجوهرية في العمق والتفاصيل، وتتعدى صيغة استئناف التفاوض، هي اتصالات سرية". وحين تكون سرية، لا يمكن البوح بما توصلت اليه، وبالتالي لا يمكن شرح أسباب غلبة التفاؤل على التشاؤم، خوفاً من افقاد صفة السرية لهذه الاتصالات، وبالتالي إفشال نتائجها. واضاف "لكن لا يمكن القول ان هذه الاتصالات حققت اختراقاً. لكنها ما زالت مستمرة". ولم يستبعد المصدر ان ينعكس قرار الجانب الاميركي بذل جهود على المسار الفلسطيني، عبر زيارات سيقوم بها منسّق عملية السلام دنيس روس للمنطقة كل اسبوعين واستعداد وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت لزيارة المنطقة قبل نهاية السنة لتفعيل المفاوضات، على المسار السوري ويشمله، فضلاً عن الاستعداد الذي أبداه الرئيس بيل كلينتون للتدخل الشخصي من أجل دفع هذه المفاوضات". وقال أحد كبار المسؤولين اللبنانيين ل"الحياة" ان الجانب الاميركي الذي هلّل لانتخاب رئيس الوزراء الاسرائىلي، الربيع الماضي، وخلافاً لاجواء التشاؤم، قادر على ممارسة دور معه لتليين موقفه من المطالب السورية. فأجواء التشاؤم هذه نشأت بعدما توقفت الاتصالات اثر لقاء الرئيس كلينتون ووزير الخارجية السورية فاروق الشرع في واشنطن أواخر ايلول سبتمبر الماضي، ففي هذا الاجتماع طرح الرئيس الاميركي مطالب اسرائىلية لا تستطيع دمشق ان توافق عليها. وأعقب ذلك مرض الشرع. لكن الايجابي الآن ان هناك تحرّكاً فرنسياً في عملية السلام بالتنسيق مع واشنطن لتفعيل الاتصالات وآخر مظاهره الزيارة التي يبدأها وزير الخارجية هوبير فيدرين لسورية ولبنان والقاهرة والتي أفادت الانباء انه سيحمل رسالة الى سورية من باراك في ضوء لقائه الرئيس الفرنسي جاك شيراك في باريس قبل أيام.