هل يؤدي قرار مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغر الذي يفترض أن يتبعه اليوم الأحد قرار من مجلس الوزراء الاسرائيلي الموسع، بتبني قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425 مشروطاً بالتفاوض على ترتيبات أمنية، الى استئناف مفاوضات السلام على المسار السوري من عملية السلام؟ هذا السؤال طرحته أوساط رسمية وديبلوماسية، منذ ان بدأ المسؤولون الاسرائيليون يتحركون لطرح مفهومهم لتطبيق القرار 425 وتسويقه وفق مفاوضات على ترتيبات أمنية. وتفاوتت جدية المسؤولين الاسرائيليين، طول المدة الماضية، بين التركيز على ان يتم تطبيق القرار بالتفاهم مع سورية، واتهام سورية بأنها ستحول، بسبب نفوذها في لبنان، دون تطبيقه على الأسس التي يطرحونها. واحتمال تجديد التفاوض على المسار السوري بقي ماثلاً في حلقات ضيقة من المراجع العربية والدولية المعنية بما أعلنته اسرائيل أخيراً، استناداً الى معلومات ومعطيات طرحت في مرحلة سابقة الخريف الماضي مصدرها واشنطن، عن أن الإدارة الأميركية تنوي بذل جهود لفتح المفاوضات على المسار السوري في فصل الربيع الذي نحن الآن في بدايته. وثمة توقعات لدى بعض المتتبعين للاتصالات الجارية والتي ستجرى خلال المرحلة المقبلة بأن يظهر جديد على صعيد فتح المسار السوري خلال شهرين أو ثلاثة من الآن. وعلى رغم غلبة اجواء القلق المفهومة لدى المسؤولين اللبنانيين والمسؤولين السوريين وعدد من القادة العرب، من المناورة الاسرائيلية الهادفة الى احراج سورية ولبنان بتبني حكومة بنيامين نتانياهو القرار 425، فثمة حلقة ضيقة من الأوساط الديبلوماسية تأمل، مع بعض التحفظ طبعاً، ان يؤدي كل ما يحصل الى تطورات جديدة. الا ان السؤال عما اذا كان يمكن الانطلاق من تبني مجلس الوزراء المصغر القرار الدولي، من أجل استئناف المفاوضات على المسار السوري طرح، على رغم التشاؤم الذي يطبع عملية السلام ككل الآن، لأسباب عدة منها: - ان واشنطن كررت قبل اعلان اسرائيل تبنيها القرار، وبعده، انها ترى أن يتم التنفيذ في إطار الحل الشامل في المنطقة، بل ان بعض التصريحات الأميركية أشار الى وجوب تنفيذ القرار بالتفاهم مع سورية، وهذا كله يعني ان يتم العمل في الاتصالات مع لبنان وسورية واسرائيل من أجل اغتنام فرصة البحث في تنفيذ القرار الدولي لاحداث تقدم في عملية السلام، على المسار السوري باستئناف المفاوضات بعدما توقفت منذ أكثر من سنتين. وهذا الموقف اتخذته فرنسا أيضاً منذ البداية، ثم لحقت بها وبواشنطنبريطانيا... - ان الديبلوماسية الأميركية، على تأييدها الاعتراف الاسرائيلي بالقرار 425، تخشى ان يؤدي ذلك الى اهمال المسار الفلسطيني لمفاوضات السلام الذي وصل الى حائط مسدود هو الآخر، ويعبّر أحد كبار المسؤولين اللبنانيين عن قلق بعض الدوائر الدولية، من أن يؤدي تنفيذ القرار 425 وفق المفهوم الاسرائيلي الى وقف المسار الفلسطيني عبر تحويل الأنظار عنه نحو "المبادرة الاسرائيلية السلمية" في الجنوب بالقول: "اذا نفذ القرار 425 وفق المفهوم الاسرائيلي مع ضمانات أمنية لإسرائيل فهذا يعني ان عملية السلام انتهت على المسارات الأخرى كلها". - ان التبني الاسرائيلي للقرار الدولي، جاء وفقاً لخطة وزير الدفاع إسحق موردخاي التي تفتح أفقاً للتفاوض على التنفيذ، والتي لم تستبعد ان يتم تفاهم مع سورية على ذلك، في مقابل خطة وزير البنى التحتية ارييل شارون التي تفترض انسحاباً من طرف واحد من دون اتفاق على ان ترد اسرائيل على أي عمل عسكري ضدها في حال حصوله فتطاول بردها، لبنان وسورية معاً. وإذا كان التبني الاسرائيلي للقرار جاء بعد زيارتي موردخاي لباريسوواشنطن، فهل دار البحث في هاتين العاصمتين، معه على المسار السوري، اضافة الى اقتراحاته في شأن ال425؟ مصدر ديبلوماسي غربي قال ل"الحياة"، ان واشنطن "لا تفوت مناسبة اي اجتماع، مع أي مسؤول اسرائيلي، من دون ان تبحث معه في الوضع على المسارات كلها". وأضاف "بالتأكيد تطرق البحث مع موردخاي أثناء زيارته العاصمة الأميركية الى المسار السوري لكن هذا حصل قبل اتخاذ مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغر قراره". وتابع "على رغم الحرص الأميركي والأوروبي عموماً على أن يؤدي التعاطي إيجاباً مع التبني الاسرائيلي للقرار الدولي في شأن لبنان، فان الحذر لدى واشنطن في توقع انعكاساته يعود الى رغبتها في التأكد هل يخدم الحل الشامل، على كل المسارات وبالتالي على المسار السوري أيضاً؟ إذ يجب عدم المبالغة كثيراً في ان الجهود الدولية، وخصوصاً الأميركية، تنطلق فقط من مبادرة اسرائيل بالاعتراف بالقرار 425 من أجل تحقيق تقدم في عملية السلام والحل الشامل. فالإطار الذي وضعت فيه إسرائيل هذه المبادرة، بالعلاقة مع عملية السلام معقد جداً، وواشنطن تريد المساعدة في هذا الاتجاه، لكن هذا يتوقف على الأفرقاء المعنيين. وفرص المساعدة الأميركية على تطوير التفاهم على تطبيق القرار تتطلب مشاورات يتوقف اجراؤها على سير الأمور في الأيام المقبلة". وسئل المصدر: هل اعلان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ان تطبيق القرار 425 هو بداية التحرك، أجاب "ان من الطبيعي ان يجري انان بعد اتصال رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو به مشاورات، وان تجري الادارة الأميركية مشاورات من جهتها بعد المواقف التي اعلنت. وأحد أسباب حذر الجانب الأميركي قد يعود الى ان المشاورات التي يجب ان تشمل واشنطن واسرائيل ولبنان وسورية والأمم المتحدة لم تحصل بعد. اننا في بداية المشاورات التي يجب ان تحصل ويجب عدم استباق الأمور، أو المبالغة في التحليلات والاستنتاجات ويفترض سبر غور الأفرقاء، وخصوصاً سورية ولبنان، خطوة خطوة، لمعرفة هل يحقق قبول اسرائيل القرار 425 تقدماً في إطار الحل الشامل؟ فثمة نقاط في المبادرة الاسرائيلية رفضها لبنان في وضوح وما زلنا في مرحلة مبكرة من العملية، ولكن ما يمكن تأكيده من خلال المعطيات المتوافرة ان المبادرة الاسرائيلية لن تموت في القريب العاجل، وانها تدل الى ان اسرائيل وضعت استراتيجية ما لتنفيذها، ولن تعود عنها. وهذا يعني ان القيادة الاسرائيلية لن تغير فيها في المنظور القريب، وبالتالي لن تنتقل من صيغة وزير الدفاع موردخاي التي قبلت الحكومة الاسرائيلية ال425 على أساسها، الى صيغة وزير البنية التحتية شارون الانسحاب من جانب واحد على أساس الرد العسكري في حال أي عمل ضد اسرائيل". وما يدل الى جدية استراتيجية اسرائيل انها بدأت ببنائها قبل أكثر من ثلاثة أشهر وصولاً الى ما اعلنته قبل أيام. وأوضح المصدر الديبلوماسي الغربي ل"الحياة" ان كل الدول المعنية بعملية السلام والتوصل الى حل شامل ستراقب عن كثب، تطور المبادرة الاسرائيلية، واجراء مشاورات مع الأفرقاء المعنيين سيبقى في حدود المشاورات، لأن اسرائيل ستقوم حكماً بخطوات لتطوير هذه المبادرة، في شكل تدريجي خلال الأسابيع المقبلة. ويقول أحد الديبلوماسيين العرب في بيروت ل"الحياة" أن "الفرق بين خطة موردخاي للانسحاب من لبنان وخطة شارون أن الأول لا يمانع في أن تدفع اسرائيل ثمناً لانهاء المشكلة على حدودها الشمالية، فيما يرغب الثاني في انهاء المشكلة من دون ثمن. وأي ثمن سيدفع يجب ان يحسب حساب سورية حكماً، والانسحاب بثمن يعني التفاوض". ويضيف الديبلوماسي العربي نفسه ل"الحياة" ان "حذر واشنطن في التعاطي مع القرار الاسرائيلي بالانسحاب، قد يصل الى حد وقوفها ضده، إذا كان سيتم من دون أن يؤثر إيجاباً في المسارات الأخرى لعملية السلام أو اذا كان هدفه اعتماده حجة لوقف المسارات الأخرى". ويتابع "في الخريف الماضي حصل تقويم في الادارة الأميركية للجمود الذي يصيب عملية السلام، وظهر تياران في هذا الإطار، فاقترح مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط مارتن أنديك بعيد تعيينه في هذا المنصب، خيار فتح المسار السوري، ما دام المسار الفلسطيني مسدوداً بحكم التعقيدات الاسرائيلية الداخلية وتشدد نتانياهو. ومثّل التيار الثاني منسق عملية السلام دنيس روس الذي حمل لواء مواصلة اعطاء الأولوية للمسار الفلسطيني، لأنه الأساس في عملية السلام، ولأن الحلول على المسارات الأخرى قد تؤدي الى تجميد هذا المسار طويلاً مع احتمال تنامي العنف الفلسطيني والعودة باتفاق أوسلو الى الوراء. وهذا ما لا تريده واشنطن، الا ان وجهة نظر انديك كانت في حينه ان التقدم على المسار السوري، وبالتالي اللبناني تريح الأوضاع في المنطقة أكثر، فيتم تعطيل الدعم الايراني والسوري للتنظيمات الفلسطينية المتطرفة ويصبح في امكان نتانياهو تقديم تنازلات الى السلطة الفلسطينية... وانتهى السجال بين التيارين الى قرار أميركي بأن يواصل روس جهوده على المسار الفلسطيني حتى الربيع، الذي حل الآن". ويقول مصدر سياسي لبناني واسع الاطلاع ان دمشق تدرك اهمية ما يحصل ودقته، ولا عجب ان تكون قلقة، لكنها استبقت التبني الاسرائيلي للقرار 425، بأن أبلغت الى باريسوواشنطن قبل أسابيع انها لا تمانع في البدء بتطبيق هذا القرار، على المسار اللبناني واستبدلت بتزامن الانسحاب من الجنوب والجولان اقتراح تزامن الانسحاب من الجنوب مع استئناف مفاوضات السلام على المسار السوري من النقطة التي انتهت اليها في واي بلانتيشن...". هل يعني ذلك ان ثمة تبادلاً للاقتراحات يتم بين اسرائيل وسورية، عبر واشنطنوباريس تحت عنوان تطبيق ال425 في اطار الحل الشامل؟ المصدر السياسي المطلع نفسه قال ل"الحياة" ان "ما يحصل الآن هو عملية سياسية كبرى في المنطقة. وإلاَّ ما معنى هذه الحركة والاجتماعات من مصر الى السعودية وسورية ولبنان؟". وختم "في المرحلة الأولى للتفاوض لا بد لكل فريق من ان يرفع من سقفه، في وقت تتم عمليات جس النبض واستطلاع المواقف، تارة تحت الطاولة وأخرى فوقها، وهي لا تقف عند حدود القرار 425".