عوض الإمساك بالريشة، وغمسها بالألوان، يمسك الفنان التشكيلي الياباني قطعاً خشبية، يعطيها الشكل الذي تلهمه إياه مخيلته، ثم يغمسها في الحبر الصيني والغواش لون يمزج بالماء لا بالزيت وبمواد أخرى قد تكون ذهباً أو فضة أو حتى صدأ ويطبع لوحة أساسها لون وحيد. للمرة الأولى في لبنان تعرض في "جامعة الروح القدس - الكسليك" بالتعاون مع السفارة اليابانية لوحات أنجزها 20 فناناً يابانياً معاصراً من النخبة في "مملكة اللوحات الطباعية" وهي تسمية أطلقت على اليابان نظراً الى تميزها بالتقنيات الطباعية التي أدخلتها بنجاح على الفن التشكيلي. النظرة الأولى الى هذه اللوحات تظهر وجود فنٍّ مغاير يتبدّى خصوصاً في المزج الفني اللافت بين المواد والمؤثرات التقنية الخاصة، ما مكّن الفنانين اليابانيين من الحصول على جوائز وتنويهات في أكثر البينالات العالمية. والتقنيات الطباعية تعتبر جزءاً من تقاليد اليابان وهي بدأت في الظهور في مطلع القرن السابع عشر واستمرت الى القرن التاسع عشر وسمّيت بفن "يوكيو" أي اللوحات التقليدية اليابانية المطبوعة من كليشيهات خشبية. كانت تلك اللوحات في بداياتها تقدّم نساء جميلات وتستنسخ وجوه ممثلين ماهرين وتوزعها على المعجبين. وبالتالي فإنّ طريقة "يوكيو" استعملت أساساً بهدف الحصول على نسخ اضافية لأن تقنية الطباعة الحديثة أو ماكينات النسخ لم تكن متوافرة في ذلك الزمن. وبعد استخدامهم تقنية ال"يوكيو" المرتكزة على البعدين طول وعرض ترك الفنانون اليابانيون القطع الخشبية ليدخلوا مرحلة "العصرنة" عبر استخدام التصوير الفوتوغرافي في أوائل القرن العشرين بعدما استفادوا من وجود الورق وانتقال الفن الطباعي الى وسائل الإعلام وربحوا جوائز عدّة في الحرب العالمية الثانية. ويقول الأستاذ المحاضر في كلية الفنون الجميلة في جامعة "الكسليك" البروفسور هنري عيد، أنه "بعد هذه المرحلة عاد القسم الأكبر من الفنانين اليابانيين الى عهدهم الأول فاستخدموا الخشب في طباعة لوحاتهم منتقدين "العصرنة" التي أدّت في أواسط هذا القرن الى فوضى طباعية تجلّت في استعمال تقنيات عشوائية أفقدت اللوحات الطباعية اليابانية خصوصيتها وجماليتها". ويتابع عيد أن "أهمية هؤلاء الفنانين تكمن في أنهم رفعوا شأن الطباعة من وسيلةٍ لاستنساخ الوجوه والوثائق والصور الى تقنية تستخدم لإبداع لوحات فنية ميّزت الفنانين اليابانيين عالمياً". في معرض "الكسليك"، اختار الفنانون اليابانيون المعاصرون المتخصصون في اللوحات الطباعية التقنية الطباعية الخشبية في أعمالهم من بين وسائل أخرى ومنها الرسم والنحت، في طريقةٍ للتعبير عن فنهم. وتنتمي اللوحات الى مدارس فنية مختلفة وأبرزها الإنطباعية والرمزية. ويبرز اللونان الأسود والأبيض لونا الطباعة الأولى وهما ميّزا لوحات حقبة "يوكيو" ولم يتم ادخال الألوان الأخرى إلاّ في مراحل لاحقة. وفي بعض اللوحات المعروضة تمّ حفر الخشب ثم مزجت ألوان عدّة وعجنت ثم تمّ مدها بواسطة "الشوبك" على مساحة اللوحة. ولعل أجمل اللوحات المعروضة لوحة "اليقطين" 1986 للفنان يايوي كوزاما وهو رسام عريق ولد عام 1929 في ناغانو وكانت له معارض فردية وجماعية عالمية في اليابان وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية وهو حائز على أوسمة عدّة. وكذلك لوحة علاقة - النوعية 1979 للفنان تاتسوو كاواغوشي المولود في ايغوا عام 1940 وله معارض ومؤلفات عدّة عن الرسم الطباعي الياباني، لوحة "بلا عنوان" 1988 للفنان توموهارو موراكامي، "صورة الأرض" 1988 ليوشي تاكاهارا وسواها... ولعلّ الفنانين اليابانيين العشرين الذين تعرض لوحاتهم للمرّة الأولى في لبنان لعبوا دوراً عالمياً فاعلاً في المرحلة الأولى في مجال اللوحات الطباعية، وفي الحفاظ على الخصوصية الحضارية اليابانية.