} انتهى الحادث الذي حصل في البرلمان الأرمني في يريفان وراح ضحيته رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب وعدد من النواب والمسؤولين، بالإفراج عن الرهائن الذين احتجزهم المسلحون، بعد مفاوضات شاقة قادها الرئيس روبرت كوتشاريان. ولم يكن للمسلحين أي مطلب. لكن يُعتقد أنهم يحتجون على التقدم في المفاوضات بين ارمينيا وأذربيجان لحل قضية اقليم ناغورنو قره باخ المُتنازع عليه. وطالبت وزارة الدفاع امس بإقالة وزير الداخلية والمدعي العام ورئيس جهاز الامن. بعد مفاوضات استمرت حتى فجر امس استسلم صباح الخميس المسلحون الخمسة الذين اقتحموا مبنى البرلمان الأرمني وقتلوا رئيسه كارين ديميرتشيان ورئيس الوزراء فازغين سركيسيان وأفرجوا عن 40 رهينة مقابل السماح لهم بتوجيه بيان الى الشعب. واشار المراقبون الى انه سيكون للحادث مضاعفات على الصعيد الداخلي وعلى عملية التسوية في اقليم ناغورنو قره باخ. وطالب الجيش بإقالة المدعي العام ووزير الداخلية ورئيس جهاز الامن لتقصيرهم، ومعروف ان وزارة الدفاع تعدّ "حصناً مغلقاً" لسركيسيان ويكتسب دعمها كوتشاريان اهمية خاصة. قاد المجموعة المهاجمة نايري اونانيان 34 سنة وهو صحافي وعضو سابق في حزب "الطاشناق" وشارك معه في العملية اربعة اشخاص من بينهم شقيقه وعمه. واكد في مكالمة هاتفية مع شركة تلفزيون محلية ان هدفه "تصفية" رئيس الوزراء، الا انه في بيان مكتوب بثة التلفزيون الحكومي صباح امس اكد ان مجموعته اطلقت النار في الهواء ل"تخويف" اعضاء البرلمان لكن الحراس فتحوا النار فاضطر وزملاؤه الى الرد عليهم، ما أدى الى مصرع سركيسيان وديميرتشيان ووزير الطوارئ ليونارد بتروسيان وخمسة نواب. واثر اطلاق النار احتجز المهاجمون 40 رهينة بينهم وزراء ونواب في مطعم البرلمان وبدأوا مفاوضات انضم اليها لاحقاً رئيس الجمهورية روبرت كوتشاريان، واسفرت عن اتفاق على اطلاق سراح الرهائن، وسلّم افراد المجموعة رشاشات كلاشنيكوف الى رجال الامن. وكانت يريفان طلبت مساعدة موسكو التي ارسلت فرقة "الفا" لمكافحة الارهاب جواً الى العاصمة الارمنية، ولم يعرف ما اذا كانت شاركت في عملية لإرغام المهاجمين على الاستسلام. وذكر الناطق الرسمي باسم وزارة الامن الروسية الكسندر زدانوفيتش ان افراد "الفا" لن يغادروا ارمينيا الا بعد ان يستتب الوضع. واعلنت حال التأهب القصوى في القطاعات الروسية المرابطة في ارمينيا ولكن قيادتها اكدت انها لن تتدخل. ووجه الرئيس بوريس يلتسن برقية تعزية الى نظيره الارمني شجب فيها "العمل الارهابي الهمجي" واعرب عن استعداد بلاده لمواصلة التعاون مع ارمينيا. وأثار الحادث تساؤلات عدة اذ لم يتضح كيف دخل خمسة مسلحين الى مبنى البرلمان. وتقول الرواية الرسمية ان اونانيان الذي كان يعمل في الدائرة الصحافية ل"الطاشناق" قبل فصله من الحزب، احتفظ ببطاقة اعتماد لدخول البرلمان وحصل على دعوات لرفاقه، الذين حملوا الرشاشات تحت معاطف مطرية. وفي كلمته الى الشعب اكد اونانيان ان العملية جرت احتجاجاً على "تدمير بلادنا المزدهرة التي بناها آباؤنا واجدادنا بالدم والعرق". واكد انه طلب ضمانات شخصية ومحاكمة عادلة على ان "يجلس في قفص الاتهام كل من سرقوا ثروة الشعب". وعلى رغم تأكيد اونانيان انه قام بالعملية ب"طلب من الشعب" الا انه لم يحظ بتأييد اي قوة سياسية في ارمينيا. واصدرت الاحزاب الممثلة في البرلمان بياناً مشتركاً طلبت فيه الحفاظ على الهدوء واكدت ان المجلس النيابي سيعمل مع الرئيس والحكومة لضمان الامن والنظام. ومن جانبه اعرب الرئيس روبرت كوتشاريان عن تعازيه لذوي القتلى الذين وصفهم بأنهم "رفاق واصدقاء" له. واكد ان السلطة تسيطر على الوضع وان "المأساة ستوحدنا". وتوقع خبير ارمني تحدثت اليه "الحياة" ان يؤدي الحادث الى "تعزيز مواقع كوتشاريان" بعدما غاب عن المسرح منافساه الاساسيان اللذان شكلا كتلة "الوحدة" المسيطرة على البرلمان. واضاف ان سركيسيان الذي ساهم في تنصيب كوتشاريان رئيساً للدولة بدلاً من ليفون تير بتروسيان كان يعد "المفتاح الاساسي" للسلطة في يريفان. وتابع ان الارمن كانوا "يتوقعون بين الحين والحين" ان يضطر كوتشاريان الى الانسحاب من الموقع الرئاسي ليشغله ديميرتشيان الذي كان زعيماً للحزب الشيوعي في ارمينيا خلال العهد السوفياتي، او سركيسيان الذي لعب دوراً مهماً اثناء توليه وزارة الدفاع. ويشير المراقبون الى ان بتروسيان ارغم على الاستقالة في حينه لاتهامه بتقديم "تنازلات" في اطار التحضير لتسوية في اذربيجان تتعلق بمشكلة قره باخ. ووجهت اتهامات مماثلة الى كوتشاريان اخيراً لعقده سلسلة لقاءات مع نظيره الاذربيجاني حيدر علييف ذكر انها اسفرت عن حل وسط رعته الولاياتالمتحدة. وقبل حادث يريفان كان استقال في باكو عدد من اقرب مساعدي علييف وفي مقدمهم وزير الخارجية توفيق ذو الفقاروف وسكرتير الدولة للشؤون الخارجية وفا قولييف ومدير سكرتارية الرئيس ايلدار تاسازوف. وذكرت صحيفة "تيزافيسمايا غازيتا" ان الثلاثة استقالوا احتجاجاً على "رضوخ" علييف لمطالب الرئيس الاميركي بيل كلينتون في شأن التسوية. وكشف زعيم حزب الاستقلال المعارض اعتبار محمدوف مضمون رسالة وجهها الرئيس الاميركي الى علييف وضمنها خطة لانشاء "دولة مشتركة" بين اذربيجان وقره باخ ما يعني الحفاظ شكلياً على وحدة اراضي اذربيجان، الا ان الارمن الساكنين في المقاطعة سيتمتعون باستقلالية كبيرة تشمل انفصال الهياكل الادارية عن اذربيجان واعتماد عملة محلية واقامة علاقات واسعة مع يريفان، والاحتفاظ بممر لاتشين الذي يربط المقاطعة مع ارمينيا واجزاء اخرى من المناطق المحيطة بقره باخ. وليس واضحاً اذا كان حمّام الدم في البرلمان الارمني سيعرقل عملية التسوية، الا ان محللين توقعوا ان يستكمل نائب وزيرة الخارجية الاميركية ستروب تالبوت مباحثات في هذا الشأن كان بدأها في باكو ثم في انقرة وباريس وفي يريفان التي غادرها قبل حادث البرلمان بساعة واحدة. ووصل تالبوت الى موسكو امس حيث يتوقع ان يبحث مع المسؤولين الروس التطورات الاخيرة في ارمينيا وانعكاساتها على عملية التسوية التي كان يفترض ان تتكلل بتوقيع اتفاقية سلام اثناء قمة منظمة الامن والتعاون الاوروبي التي ستنعقد في اسطنبول في 17 - 18 تشرين الثاني نوفمبر.