اثارت عودة الرجل الثاني في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى، التساؤل حول الهدف الحقيقي الذي دفع بياسر عرفات، الزعيم البراغماتي الذي لا يفعل شيئاً "لوجه الله" كما يقال، "للتوسط" لعودته. الأرجح أن عرفات كان يراهن على شق الجبهة الشعبية كما فعل بالجبهة الديموقراطية في نهاية الثمانينات حين "سحب" مجموعة من قيادات "الديموقراطية" بزعامة ياسر عبدربه من الجبهة التي يتزعمها نايف حواتمة. وكذلك، فإن تجربة بسام أبو شريف مع عرفات ما تزال ماثلة في الأذهان. ويعزز شرعية طرح السؤال عن حماس عرفات لعودة أبو علي مصطفى، ما شاع حول وجود خلافات داخل قيادة الجبهة الشعبية حيال التعامل مع مسيرة التسوية أولاً، وما قيل عن رغبة الأمين العام للجبهة الديموقراطية للعودة التي قوبلت بالفتور من عرفات. فهل كان رئيس السلطة الفلسطينية يراهن على عودة أبو علي مصطفى بأنه سينجح خلالها بشق الجبهة الشعبية بحيث ينخرط الرجل الثاني فيها ومعه مجموعة كبيرة من كوادرها وعناصرها في الداخل، الى سلطته؟ إذا كان ذلك هو رهان عرفات الخفي، فربما كان في غير محله هذه المرة. فقد أعلن المسؤول في الجبهة في يوم وصوله الى فلسطين وبوضوح، رفض الجبهة الانخراط في مسيرة التسوية وفق قواعد "أوسلو" وإن قال ان الجبهة معنية بمفاوضات الوضع النهائي في اعتبارها تخص الشعب الفلسطيني بكل فئاته وفصائله وأماكن وجوده. وبين موقف الجبهة الشعبية الرافض للانخراط في التسوية تحت سقف "أوسلو" ورغبتها في المشاركة بمفاوضات الوضع النهائي، فإن عليها البحث عن اطار جديد يجنبها الانشقاق ويشكل قاسماً مشتركاً بين الجناح الرافض لأي تعامل مع الوضع الناجم عن "أوسلو" وذاك الذي يريد دخول الحلبة من دون التسليم بقواعد اللعبة الراهنة. وقد يكون من المناسب للجبهة الشعبية ان تتبنى نهج "المقاومة السلمية" تحت اللافتة التي تناسبها، ولتكن مثلاً حركة أو "حزب الخضر". فربما يشكل ذلك مخرجاً مناسباً للمأزق الذي تعيشه الجبهة وقيادتها التاريخية وخصوصاً الدكتور جورج حبش، وهو مأزق معظم فصائل المعارضة الفلسطينية ولا سيما تلك الموجودة خارج فلسطين. ولنكن أصرح، أصبحت ممارسة الكفاح المسلح متعذرة هذه الأيام وقد تصبح مستحيلة في المستقبل القريب، كما أن عودة قيادات الجبهة الى الداخل تحت هذا الشعار قد يكون أكثر جدوى وفاعلية في المدى المنظور. ثبت بالتجربة العملية ان الفصائل التي دخلت العملية السلمية، بصرف النظر عن كل المآخذ على شروطها وآفاقها، كانت أكثر تأثيراً في سلوك السلطة الفلسطينية وفي تحسين وضع المفاوض الفلسطيني من تلك التي اختارت الانزواء أو الاكتفاء بالمعارضة الخطابية، من دون أن تكون في يدها أية أداة لتغيير الوضع على الأرض. كما ثبت أيضاً أن الفصائل "المعتكفة" خسرت الكثير من رصيدها الشعبي في كل من مناطق السلطة الفلسطينية والمناطق التي ما تزال تخضع للاحتلال. فهل نشهد تحركاً موحداً من الجبهة الشعبية بهذا الاتجاه؟ الكويت - محمد أمين