تقدم موكب المرشحين بقمصانهم الحمراء وقبعاتهم البيضاء وسط جموع من الشباب في الشارع الرئيسي في بلدة طبرية، واستقبلهم أعضاء الحزب أينما حلوا بقرع الطبول والموسيقى النحاسية والزغاريد. كانت فرق الشباب التي ارتدت زياً موحداً الأحمر والأبيض تهتف لحياة الرئيس زين العابدين بن علي المرشح لولاية رئاسية ثالثة تستمر خمسة أعوام ولمرشحي حزبه للانتخابات الاشتراعية التي تجرى في اليوم نفسه، فيما اكدت يافطة كبيرة على واجهة مقر جامعة فرع الحزب في البلدة ان "التجمع الدستوري الديموقراطي حزبنا وبن علي رئيسنا". هنا في طبرية يطغى الطابع الريفي على البلدة التي لا تبعد عن العاصمة تونس أكثر من ثلاثين كيلومتراً، والتي تقع ضمن دائرة اريانة، وهي محافظة انفصلت ادارياً عن العاصمة لتخفيف الضغط عليها. وقال احد المرشحين على لائحة "الدستوري" ل"الحياة": "في كل يوم نزور بلدة أو قرية من المناطق الرئيسية التي تشملها دائرتنا الانتخابية والتي تضم أكثر من 500 ألف ناخب، ونلتقي المواطنين في الأسواق والمراكز الادارية والتجارية". وأوضح عضو اللائحة "التجمعية" المؤلفة من عشرة مرشحين تقودهم وزيرة المرأة وشؤون الأسرة السيدة نزيهة زروق ان "الزيارات الميدانية" تختتم عادة باجتماع شعبي في القاعة الرئيسية في المدينة او البلدة التي تحظى بزيارة المرشحين، فيما كانت سيارات حاملة الرايات التونسية الحمراء وصوراً كبيرة للرئيس بن علي تحض المواطنين على المشاركة في الاجتماع بواسطة مكبرات الصوت. وعلى رغم ان السيدة زروق، وهي المرأة الوحيدة في المكتب السياسي ل"التجمع"، تخوض الانتخابات الاشتراعية للمرة الأولى، الا انها اظهرت سيطرة على خصوصيات الدائرة وصعوبة التحرك فيها بسبب تنوع مناطقها واتساعها الجغرافي. ومنحت الأسماء البارزة المرشحة في اللائحة وزناً سياسياً وشعبياً ل"التجمع" يُتوقع ان تتيح له مجابهة احزاب المعارضة الخمسة في سهولة خصوصاً انها رشحت شخصيات من الصف الثاني على لوائحها. ويوجد على اللائحة رئيس جمعية مديري الصحف ورجل الأعمال السيد التيجاني الحداد نائب سابق ورئيس بلدية "حي التضامن"، وهو أكبر الأحياء الشعبية نحو 800 الف عند اطراف العاصمة تونس، السيد عبدالله الشابي. نظام انتخابي أكثري "نحن نخوض الانتخابات لكي نفوز بالأكثرية وليس لننافس الآخرين"، بهذه الروحية تحدث ل"الحياة" اعضاء اللائحة "التجمعية" عن الاقتراع الذي يجرى الأحد. ويرجح جميع المراقبين هذا السيناريو اذ يتوقعون ان يفوز مرشحو "التجمع" بكل المقاعد في الدوائر الخمس والعشرين، وعددها 148 مقعداً، مستثمرين النظام الانتخابي الذي يخول اللائحة الحائزة على اكبر عدد من الاصوات الفوز بجميع المقاعد المخصصة للدائرة، فيما يتنافس مرشحو المعارضة على المقاعد المخصصة للأقلية، وعددها 34 مقعداً، والتي لا توزع على الصعيد المحلي، اي في الدوائر، وإنما على الصعيد الوطني وبالطريقة النسبية، بعد تجميع الاصوات التي حصدتها احزاب الاقلية في كل الدوائر. وتعتقد زروق ان الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي كرسها بن علي منحت "التجمع" القاعدة الشعبية العريضة التي باتت تستند اليها. ورأت ان الاصلاحات أتت جسراً بين متطلبات الحداثة ومقومات الهوية الوطنية. وزادت ان الخيارات التي اعلنها بن علي في الخطاب - البرنامج الذي افتتح به الحملة الانتخابية الرئاسية والاشتراعية ل"التجمع" في العاشر من الشهر الجاري، تؤسس لمرحلة جديدة ذات عمق استراتيجي وتشكل امتداداً لرؤيته القائمة على مجتمع متكامل ومتوازن تضطلع المرأة فيه بمهامها في كل المجالات من دون تمييز، مع الحفاظ على تماسك الأسرة وكرامة المرأة. وتظهر مرشحات "التجمع" حماسة خاصة في الحملات الانتخابية كون حزبهن استطاع للمرة الأولى منذ الاستقلال تكريس تجاوز نسبة السيدات 10 في المئة من المرشحين. وبات مؤكداً ان المجلس المقبل سيضم ما لا يقل عن ثلاثين نائبة من أصل 182، فيما لا يتجاوز عددهن في المجلس الحالي ثلاث عشرة سيدة. خطاب مستقبلي واعتمدت زروق على المكاسب التي حققتها المرأة في الولايتين السابقتين لبن علي 1989 - 1999 لتحض الناخبين في الاجتماعات التي رأستها في دائرة اريانة على الاقتراع للوائح الحمراء وتطرح رؤية مستقبلية عليهم. وهي أشارت الى ان الانجازات التي تحققت في مجال نشر التعليم وتوسيع حقوق المرأة تشكل سواراً منيعاً في وجه "القوى الرجعية". واستدلت بالحضور المكثف للسيدات اللواتي بتن يتبوأن مراكز مهمة في الحياة العامة وكذلك في مواقع القرار. وتوقعت ان يتعزز المسار في المستقبل بعدما وعد بن علي بتكريس حضور المرأة في المجالس البلدية خلال الانتخابات المحلية المقرر اجراؤها العام المقبل بنسبة لا تقل عن عشرين في المئة من المقاعد في المجالس البلدية. من وسط طبرية انتقلت قافلة مرشحي "التجمع" الى المنطقة الريفية "الشويقي". كان المنظر استثنائياً اذ استقبلهم القرويون بألعاب الفروسية على وقع الطبول والأهازيج. وبدا واضحاً ان فرع الحزب المحلي أعد كل شيء لتكون زيارة المرشحين ناجحة وتعكس ان "التجمع" يحظى بشعبية كاسحة. الا ان احد الكوادر المحلية قال: "هذا الالتفاف هو ثمرة جهد استمر سنوات لإدماج الأرياف في الدورة الاقتصادية وتكريس تقاليد سياسية كانت غائبة في هذه المناطق". ويراهن "التجمعيون" على خطة تنمية مناطق الظل المعروفة ب"برنامج 26 - 26" لإيصال الطرق والمدارس والكهرباء الى المناطق النائية. واستدرك مسؤول كان يرافق المرشحين قائلاً: "أليس مشروعاً للحزب الذي حقق انجازات تنموية ان يستثمرها في المناسبة الانتخابية؟".