"الجنرال وقت" هو الذي سيلعب الدور الحاسم في تحديد مصير "مرشح الوسط" للانتخابات الاسرائيلية المقبلة الجنرال المتقاعد ورئيس هيئة الاركان الاسرائيلي السابق أمنون ليبكن - شاحاك. هناك اكثر من اربعة اشهر فاصلة بينه وبين موعد الانتخابات، وقد يتم البرهان مستقبلاً على ان هذه الفترة الطويلة هي من سوء حظ الجنرال آخر المرشحين لمنصب رئيس الوزراء الذي اعلن ترشيحه كزعيم لحزب وسط جديد لم يتشكل بعد. الجنرال شاحاك اليهودي الپ"صبرا" والمولود في تل أبيب عام 1944 قد يكون "انقى" المرشحين لمنصب رئيس الوزراء من الناحية السياسية في نظر اغلبية الناخبين الاسرائيليين. فهو مولود لأسرة كابالية صوفية، ولم يتلوث بعد بپ"نفاق" رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو او بپ"عجرفة" زعيم تكتل العمل المعارض ايهود باراك، او بپ"لزوجة" وزير العدل السابق دان ميريدور او ب "انتهازية" المرشح الرابع للانتخابات روني ميلو. ومن يدري ايضاً متى تنتهي قائمة المرشحين لهذا المنصب لا سيما وان وزير الخارجية الحالي اريل شارون وسلفه ديفيد ليفي لم يعلنا عن نيتهما بعد في هذا الخصوص. الا ان مشكلة شاحاك الرئيسية هي انه دخل سباق التنافس الانتخابي من اعلى نقطة: من الذروة، اذ من الصعب التخيل ان يتمكن هذا السياسي الهاوي البقاء في الذروة امام دهاة متمرسين في العمل السياسي والدعائي، وخاصة نتانياهو استاذ العلاقات العامة وأبرع من يقفون امام كاميرات التلفزيون. عندما اعلن شاحاك عن ترشيحه كزعيم لحزب وسط، رفض دعوة وجهها اليه متقدمه في الجيش الاسرائيلي ورئيسه العسكري السابق باراك كالشخص الثاني على قائمة حزب العمل. صحيح ان شاحاك لم يشكل حزبه بعد كما انه لم يعلن عن برنامجه الانتخابي، الا ان هدفه غير المعلن من دخوله الحملة هو: التخلص من نتانياهو وليس انقاذ حزب العمل. ويقول المقربون منه انه لا يوجد غير شاحاك "القادر على تحقيق هذا الانجاز". في الوقت نفسه، لا يستطيع باراك التهاون في التعامل مع خطر شاحاك، وهذا ما يفسر استمرار محاولات قيادات العمل الاسرائيلي اقناع الجنرال التنسيق مع رئيسه السابق مع تعهدات بمنحه اي مقعد يشاء في اي حكومة يشكلها باراك في حال فوزه في الانتخابات. ليا رابين تدلي بدلوها حالياً في مسعى لاقناع شاحاك من خلال اللعب على عواطفه واحترامه الشديد لزوجها اسحق رابين الذي يعتبره شاحاك بمثابة الأب الروحي له. فهو يعتبر نفسه "خليفة رابين" وسيبقى هذا الاعتقاد مسيطراً على تفكيره عندما ينظر الى دعوة باراك للتحالف معه ضد نتانياهو. ويضع هذا التصور شاحاك في موقع متقدم عن باراك نفسه. صورة شاحاك في ذهن الناخب الاسرائيلي من دون الوان سياسية، وحصوله على اغلبية كبيرة في استطلاعات الرأي التي نظمت في اسرائيل مباشرة بعد اعلانه عن ترشيحه تعكس صورة القائد العسكري "الاسطوري"، التي تماثل الى حد بعيد صورة رابين - وهو يهودي "صبرا" آخر - "المنقذ، محرر القدس، حامي اسرائيل واليهود". سمعة شاحاك بناها الجنرال المتقاعد بالمعارك التي شارك فيها وعمليات "الكومندوز" المختلفة التي نفذها في دول عربية عدة. لقد صنع اسمه "الاسطوري" من عمله في اطار القوات الخاصة المعروفة باسمها العبري "سياريت ماتكال"، وقلد في مناسبتين ميداليتي الشجاعة والانجاز. الميدالية الأولى حصل عليها بعد مشاركته في معركة الكرامة مع الفدائيين الفلسطينيين التي استمرت اياماً عدة في 1968 في وادي الأردن. والميدالية الثانية لدوره البارز في انقاذ الجرحى من وحدة المظليين الاسرائيلية التي اغارت على بيروت في 1973 ونفذت خلالها عمليات اغتيال عدة وتفجير بنايات ومراكز تابعة للمقاومة الفلسطينية. في تلك العملية، أشرف شاحاك على تدمير مبنى من ستة ادوار في منطقة "الطريق الجديدة" لمقر قيادة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي يتزعمها جورج حبش. وتجدر الاشارة الى ان الجنرال باراك زعيم العمل الاسرائيلي حالياً كان قد شارك في تلك الغارات وقاد وحدة خاصة في منطقة فردان في غرب بيروت متخفياً بلباس وشعر امرأة سمراء. وقامت المجموعة يومها باغتيال ثلاثة من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية البارزين: كمال عدوان وكمال ناصر ومحمد يوسف النجار. شاحاك الذي يحمل بكالوريوس في التاريخ من جامعة تل أبيب، يدخل حلبة التنافس الانتخابي على منصب رئيس الوزراء وهو محاط بهذه الصورة "البهية" في رأي الناخبين الاسرائيليين. اعضاء "حزبه" حالياً هم زوجته تالي وهي مقدمة برنامج فضائي صباحي وأولادهما الخمسة. صورته هذه تماثل صورة رابين بعد حرب تشرين الأول اكتوبر 1973: غير ملطخة بسوء سلوك السياسيين. ولكن الأهم من هذا وذاك، انه في رأي اغلبية الاسرائيليين "يمثل النجاح"، وهو امر يشعر الاسرائيليون في هذه المرحلة بأنهم بأمسّ الحاجة اليه لانقاذهم من حالة الارتباك والاضطراب النفسي التي يعيشون فيها في منطقة لم تعد قادرة على شن الحروب. ويصف احد اقران شاحاك وهو المعلق العسكري الاسرائيلي السابق رون بن يشاي الجنرال بالقول: "شاحاك يسعى دائماً ان يبدو كرجل قوي ولكنه في الحقيقة شخص معتدل وعاطفي. انه يتقن فن جذب الناس نحوه وحبهم له واقناعهم بأن يفعلوا ما يشاء، الى حد انه يستطيع استغلال الآخرين اذا شاء ذلك. كشفت تجربته العسكرية عن انه شجاع لا يرحم، ويتمتع بشخصية فاتنة، وعندما يتكلم يصغي الآخرون ويصدقون كل كلمة يتفوه بها. انه مصنوع من معدن القادة". استطلاعات الرأي العام الاسرائيلي عكست صفات شاحاك هذه، ووضعته في مركز تفوق فيه على رئيس الوزراء نتانياهو بپ11 نقطة 84 في المئة له و73 لنتانياهو. لكن هذا التفوق ينخفض الى ثلاث نقاط حين يكون التنافس بين باراك ونتانياهو 44 في المئة للأول و41 للثاني. كل ذلك شيء، والاختبار الحقيقي يوم الانتخاب شيء آخر. فمن نقاط ضعف شاحاك انه ليس حيواناً سياسياً على عكس المرشحين الآخرين، مثله في ذلك مثل رابين في فترة رئاسته الأولى للحكومة 1974 - 1977، ومثل باراك منذ خلافته لشمعون بيريز في زعامة العمل. امامه الكثير كي يتعلمه قبل التوغل في غابة السياسة الشرسة التي يتميز بها المجتمع الاسرائيلي: عليه ان يتعلم ان يفرق بين السياسة والجيش، وبين بناء الكوادر الحزبية واصدار الأوامر. المعلق الاسرائيلي المعروف ناحوم بارنيا كتب في "يديعوت احرنوت" عن شاحاك انه "لا يعتبر السياسة سبب وجوده، وهذا في حد ذاته مصدر قوة له ولكنه مصدر ضعف في آن. انه مثل راكب الدراجة الهوائية الذي يبدأ السير من رأس التلة. المشهد مثير ويحبس الانفاس، لأن الحركة من الآن فصاعداً باتجاه القاعدة".