شخصية روبرت ريدفورد في فيلمه الجديد "الهامس إلى الحصان" تكاد تنطبق على حياته، ولذلك لم يستطع أن يتجاوز الدور، فقام بالتمثيل والاخراج مخترقاً بذلك قاعدة اتبعها منذ أن بدأ مهنة الاخراج في الثمانينات. موضوع الفيلم قريب الى نفسه، فهو يجمع بين تربية الاحصنة و حب الطبيعة. وعندما وجه اليه سؤال في مناسبة افتتاح الفيلم في لندن: هل يمكن أن ينظر الى الدور بموضوعية في هذه الحالة، قال إنه لم يجد صعوبة في أداء الدور. لكن الصعوبة كانت في الانتقال من أمام الكاميرا الى ورائها وبالعكس. يرى ان بعض الممثلين يحسنون مراقبة انفسهم في أثناء الاخراج. ومن الممكن ان يكونوا موضوعيين في معظم الأحيان: "اما انا فلست ذلك الموضوعي... إنه شيء صعب بالنسبة لي". واذا كان بعض الممثلين المخرجين يجيدون إظهار انفسهم من أفضل الزوايا واللقطات، فلم يكن هذا هدف ريدفورد. إذ انجذب الى الرواية قبل أن ينهيها الكاتب البريطانى نيك إيفانس، إذ تنافس على شرائها مع استوديوهات هوليوود الكبرى، الى ان حصل عليها بمساعدة مؤسسة "ديزني" التي دفعت ثلاثة ملايين جنيه استرليني للحصول عليها. الشخصية الرئيسية توم بوكر لم تغمرها عناية الكاميرا كثيراً، وفضل ريدفورد التركيز على الشخصيات الأخرى، خصوصاً كريستين سكوت توماس في دور "آن ماكلين" التي اصيبت ابنتها وحصانها في حادثة، فلجأت إلى اختصاصي في معالجة الجياد بالطرق الطبيعية. يربي ريدفورد الجياد في ضيعته في مونتانا، حيث يعيش. وأفضل ألاوقات هي التي يقضيها على صهوة حصان. كل الافلام التي أخرجها حتى الآن كان لها علاقة بسيرة حياته. عاكسته هوليوود، فانطلق محاولا التحرر من تأثيرها، فأنصف الكتاب والممثلين على السواء. وهذا بالذات ما جعل الكاتب إيفانس يفضله على رغم الاغراء الذي أتاه. أما بالنسبة اليّ الممثلين، فهو يعرف كيف يستخرج أفضل ما عندهم إذ يركز على ما لا يقال، أو ليس موجوداً في السيناريو. بلغ ريدفورد الواحدة والستين الشهر الماضي. ويأتي "الهامس إلى الحصان" في فترة يكثر الجدل عنه، كتباً وتحليلات. وهناك من يرى فيه الرجل الغامض الذي يحرص أن تظل تفاصيل حياته الشخصية مجهولة. ويرجح آخرون أن لقب "الولد الذهبي" هو الذي فتح امامه مجال الشهرة، أي أن وسامته كانت تطغى على جودته الفنية في معظم الحالات. غير انه اثبت في افلام مثل "بوتش كاسيدي..." و "كل رجال الرئيس" أنه من اقدر الممثلين. . وبدأ في الثمانينات يتجه نحو قضايا البيئة عن طريق إنشاء مؤسسة خاصة، كما أسس معهداً للانتاج السينمائي، يشرف على مهرجان للافلام المستقلة. قصة "الهامس إلى الحصان" تدور حول امرأة ترأس تحرير مجلة في نيويورك، تصاب ابنتها في حادث في ما كانت تتمطى حصاناً، فتتعرض لإصابات جسدية ونفسية. ترفض المرأة القضاء على الحصان لتريحه من الآلام، ثم تبدأ في البحث عن شخص يتمتع بموهبة شفاء الجياد بطرق بديلة، لأنها تدرك أن حالة ابنتها مرتبطة بحالة الجواد. وبعد بحث تلتقي بتوم بوكر المعروف ب "الهامس إلى الأحصنة" ويعيش في منطقة منعزلة. اضطر ريدفورد الى تغيير نهاية القصة بين امرأة تعيش في نيويورك ورجل مندمج في الطبيعة، وجعلها أقرب الى الواقع بتجريدها من الرومانسية. ولد ريدفورد في سانتا مونتانا، كان والده يبيع الحليب. دخل جامعة كولورادو ليدرس الفن. وعندما طرد من المعهد بسبب ادمانه على الكحول، سافر الى باريس حيث عاش من رسومه في مونمارتر، وكان على وشك التفرغ للرسم لولا ان استاذا في فلورانسا نصحه بالابتعاد عن الفن. وفي نيويورك وجد نفسه صدفة في معهد للتمثيل. أعماله الاولى ظهرت في التلفزيون في دور مجرم هارب من العدالة، وقاتل مختل العقل. لكنه سرعان ما وجد طريقه الى خشبة مسارح برودواي حيث ارتفعت أسهمه في التمثيل، ثم انتقل الى السينما عندما تحولت مسرحية "حافي القدمين في الحديقة" فيلماً، فأدى دور البطولة في العام1967 الى جانب جين فوندا. واعتبره النقاد انه يتمتع بمقدرة التعبير العاطفي، لكنه يختار اسلوب الانضباط. بعد افلام ناجحة قرر أن ينتج افلامه بنفسه. لكن البداية كانت تعني التضحية حتى بالمرتب احياناً. كان يعتمد على ما يسميه "طرقاً ارهابية في الانتاج". أبهر كثيرين من المحترفين عندما نال فيلمه "ناس عاديون" جائزة لأوسكار للاخراج. يقول إنه متأثر بالمخرج جورج روي هيل الذي عمل معه في "ستينغ"، فقد علمه كيف يروي القصة بالصورة. أما موضوعه المفضل هو "الرابحون الذين يجدون انفسهم وقد خسروا كل شيء" لكن المقارنة بين فيلمه الاخير وبين حياته الخاصة أدى إلى توجيه النقد إليه في أن أعماله لا تتجاوز المظاهر، ولا تطرح قضية، لكنه لا يرى أن هدف السينما أن تكون مدرسة، ولهذا غيّر نهاية القصة، وجعل البطل يدفع الثمن تحث تأثير ماض مؤلم.