القصة تسير كالآتي: يقول أحد أبطال فيلم "السجين الاسباني" إن الناس يبدون غالباً كماهم، على طبيعتهم. يسأله الثاني لماذا يعيشون إذن في مشاكل لاتحصى، فيأتي الرد غامضاً قليلاً: "ذلك مايحيرني كثيراً". يتحدث الأشخاص هنا كما يشاؤون، لكن تصرفاتهم تظل باهتة، ومشبوهة. يبدأ المتفرج في إدراك ذلك عندما يتضح له أن القصة ليست كما تبدو عليه.الواقع أن لا شيء يبدو كما هو. الخداع يتحول الى أسلوب للصداقة. تلك هي طريقة الكاتب ديفيد ماميت، في خامس أفلامه. ليست هناك مجاملة ولا راحة. العواطف تبعد أميالا عن الحدث. فنقع بين الجاذبية والنفور والاحساس بالتوتر والشعور بالأمان ... هناك توقع لوجود خطر في معظم المشاهد. نحن أمام مجموعة من الناس تخادع من أجل مصلحة. كلما تعددت الوجوه والأقنعة، كلما زاد النفع والانتفاع. حتى عنوان الفيلم لا يدل عليه: ليس هناك اسباني ولا سجين. العنوان مقتبس من حادثة تاريخية يرويها أحد أبطال الفيلم. أحداث القصة سريعة متعاقبة والتشويق سيد الموقف: نتوقع نتيجة فيحدث العكس. أما النهاية فلا تخطر على بال. يعيدنا "السجين الاسباني" الى أفلام التشويق القديمة. بيئة الفيلم هادئة، واهتمام بخلفية اللقطات. الاشخاص عاديون، لكن أحاديثهم متقطعة وغامضة: "جو روس" عالم شاب يكتشف طريقة اقتصادية جديدة ستدر أرباحا طائلة على الشركة التي يعمل فيها. يستدعيه المدير بن غازارا في إطلالة راقية الى اجتماع مع رؤساء مجلس الإدارة في منتجع سياحي ليشرح منافع اكتشافه في توطيد سيطرة الشركة على السوق. وعلى رغم تهنئة المدراء له، إلا أنهم يماطلون في منحه مكافأة خاصة. يلتقي جو في المنتجع بالثري "جيمي ديل" الذي يستدعيه الى عشاء في نيويورك، كما يلتقي "بات مكون" التي تعمل مع مكتب التحقيقات الفيديرالي. يؤدي شخصية "جيمي" ستيف مارتن في أفضل أدواره منذ فترة طويلة: شخص منحرف، مدع، ومتمرس في النفاق الاجتماعي. الكلمة الاخيرة للممثل. ثم إن المخرج يعتمد كثيراً على الحوار المتقطع، ومن معانيه ينسج صوراً متناقضة في الخيال. عند العودة الى نيويورك تخامر جو شكوك في مكافأة الشركة له، وبتأثير من جيمي ديل يوافق على عرض الدفتر الذي يحمل صيغة اختراعه على محام. الا أن جو يتصل بالمخبرة في مكتب التحقيقات الفيديرالي "بات مكون" التي تؤكد له ان جيمي تحت المراقبة، فتقترح عليه حمل ميكروفون سري معه لتسجيل المحادثة عن مشروع الاختراع. لكن جيمي لا يحضر الى مكان المقابلة. وسرعان ما يكتشف جو أنه وقع في خدعة المخبرة التي كانت تقود عصابة لسرقة أسرار الاختراع. بدأ ماميت حياته ممثلاً، وعلّم التمثيل في معهد للسينما قبل ان يتحول الى كتابة مسرحيات ناجحة، و سيناريوهات لهوليوود، ومنها الى إخراج أفلام من تأليفه. ويقول في كتاب "مهنة عاهرة" أنه لم يكن يعرف شيئاً عن الاخراج، وان معاهد السينما هي ضياع للوقت، وفي رأيه ان الطريقة الوحيدة لتعلم صناعة السينما هي العمل في الافلام. يمكن تلخيص طريقته،اذا أمكن ذلك، في اسلوب التجزيء. فهو لا يروي الحدث دفعة واحدة، ويركز غالباً على اللقطات المكبرة. يسعى دائماً الى اشراك المتفرج بإزالة حاجز الكاميرا/ اللقطة. هناك عدم تسلسل في الاهتمام، كما نرى في الحياة العادية. في هذا الفيلم تظهر شخصيات مراقبة، تدخل الى اللقطة ثم تخرج منها، من دون ان نعرف دورها، كأنها تراقب الحدث من الجهة الاخرى للشاشة. يبلغ جو الشرطة سرقة دفتر معلومات اختراعه فيجد نفسه موضع مساءلة. فلا يوجد شخص باسم جيمي ديل، وليس هناك دليل عنه في دوائر الأمن. إنه شخصية مزورة. والشرطة تتهم الآن جو بسرقة الدفتر لأنه ملك للشركة التي يعمل فيها، فيهرب مختفياً عند سكرتيرة تعمل معه. غير أن الفتاة تقوده إلى فخ نصبه جيمي. ويكاد أن يفقد حياته لولا تدخل رجال الامن الذين كانوا ينتحلون هيئة سياح على باخرة. في الجزء الاخير من الفيلم اعتمد المخرج على اللقطة كملخص، ثم تفصيلات عن المشهد، وأخيراً العودة الى الملخص من جديد. يظل الخداع جزءاً من اسلوب هذا الكاتب، عوضاً عن العاطفية التي تغرق السينما الاميركية.