في بيان شديد اللهجة، نددت هيئة حقوقية جزائرية، تابعة للرئاسة، بالتدخل الفرنسي في ليبيا «تحت ذريعة حماية الديموقراطية والحرية من التعسف». وقال رئيس الهيئة: «رفض الليبيين للقذافي أمر يخصهم وحدهم، لكن موقفنا جاء من زاوية حقوقية بحتة لأن تصرفات فرنسا في ليبيا فضيحة». بعيداً من موقع هذه الهيئة ودوافعها، وهل يعبر بيانها عن موقف الجزائر من التدخل في ليبيا أم لا، فإن مضمون البيان غريب على مسامعنا، وهو أصبح شبه محرّم في الخطابين الإعلامي والثقافي في العالم العربي. حتى جماعة «لكن» الذين كانوا يدّعون رفض صدام، ويلتفون على هذا الموقف ب «لكن» وصولاً الى حماية وجوده، غاب حضورهم. لم يعد هناك من يرفض تدخّل الدول الغربية في ليبيا، ولو على طريقة «لكن». والأسوأ أن جماعة «لكن» التي كانت تسوّغ احتلال الكويت، بحجة رفض الاستعانة بالقوات الأجنبية، أصبحت هي التي ترحب بالتدخل الأجنبي، وتتهم من يرفضه بالخيانة. لا شك في أن موقف بعض النخب العربية، وإن شئت ما يسمى «اليسار العربي»، من قضية التدخل الأجنبي لتغيير الأنظمة بالقوة، محيِّر. هؤلاء عاشوا عقوداً يتحدثون عن خطورة الاستعمار المعنوي، فأصبحوا اليوم يخوّنون مَن يدعون الى رفضه، رغم انهم، قبل عقدين من الزمن، أثاروا جدلاً وصل إلى عنان السماء خلال الاستعانة بقوات التحالف لإخراج صدام من العراق، وتحوّل التدخل الغربي في ليبيا في عرفهم إلى قضية مختلفة. التدخل في ليبيا لن يختلف عن التدخل في العراق، ومن يقرأ بعض الصحف الفرنسية والأوروبية سيجد ان النقاش حول دور «الناتو» في ليبيا لا علاقة له بالحرية والديموقراطية. الأكيد ان نظام العقيد القذافي مارس التسلط والقمع، واقترف جرائم بحق شعب ليبيا، وبدد ثروتها على قضايا الإرهاب. ولا جدال حول الوقوف الى جانب الليبيين في حربهم على هذا النظام، لكن الخلاف هو حول السكوت عن مناقشة قضية التدخل الأجنبي، والتعامل معه باعتباره وسيلة للحرية، فضلاً عن ان مقاربته بهذا التبسيط في حال ليبيا، ستفضي الى تكرار التجربة في دول اخرى.