ايران تعلن مناورات ذات طابع هجومي على الحدود مع افغانستان، بعدما اعتبرت انه لا يمكنها التساهل مع اخطار تهددها من هذا البلد. وزراء الخارجية والدفاع في اربع جمهوريات آسيوية اوزبكستان، كازختسان، قيرغيزستان، طاجيكستان يجتمعون للبحث في السيناريوات المحتملة في افغانستان وفي المساعدة الممكنة، بما فيها العسكرية. تركيا تستقبل عبدالرشيد دوستم لتقويم سقوط معقله مزار الشريف، وتوفد قريباً وزير خارجيتها الى ايران للغرض نفسه. كل ذلك بعد جولة وزير الدولة للشؤون الخارجية الباكستاني محمد كانجو على غالبية هذه الدول من غير ان تقنع اجوبته عن الاسئلة المقلقة. ليست هذه الحركة لمواجهة زحف "طالبان" جديدة، منذ سقوط كابول في ايديهم في ايلول سبتمبر 1996. لكن الجديد هذه المرة اتساعها وحدتها، وان لم تكن طبيعتها واحدة لدى الجميع. والجديد ايضاً انها تأتي متزامنة مع الضربة الاميركية لاراض افغانية، قد تتضمن بين رسائل اخرى ان واشنطن غير راضية تماماً عن تصلب "طالبان" في القضايا الداخلية. كما تتزامن هذه الحركة مع بدء مراجعة باكستانية ازاء احتمال هيمنة باشتونية كاملة تنقل هذه العصبية الى داخل اراضيها، وربما تصل الى حدود الخلاف الذي شهده البلدان في ظل الملكية. تتفق غالبية المحللين المعنيين بالشأن الافغاني، ان صعود "طالبان"، على النحو المثير المعروف، يعود اساساً الى رغبة دولية، اميركية وباكستانية اساساً، بفرض استقرار في افغانستان على يدي سلطة تتجاوز حروب زعماء الفصائل الافغانية بعد رحيل الاتحاد السوفياتي السابق. ويعيد هؤلاء الى الاذهان "الارتياح" الذي اعرب عنه المسؤولون في واشنطن وفي شركة "يونوكال" مع سقوط كابول في ايدي "طالبان". فالشركة، تدعمها واشنطن واسلام آباد، تسعى الى تنفيذ مشروع مد انابيب الغاز من تركمانستان الى باكستان. ولا يمكن لمثل هذا التوظيف ان يكون ناجحاً من دون استقرار ومحاور واحد، بدل زعماء الحرب الكثيرين، في افغانستان. وادرك زعماء "طالبان"، من جهتهم، ان تنفيذ هذا المشروع الذي يراهنون كثيراً عليه مرتبط بقدرتهم على فرض الاستقرار، من غير الاهتمام بطبيعة السلطة التي تفرضه. لكن هل يمكن الانتظار الى ما لا نهاية حصول هذا الاستقرار الذي لا تزال دونه عقبات عسكرية وسياسية اساسية. وقد يكون تقدم "طالبان" شمالاً، من العوامل التي تساهم في اظهار هذه العقبات، اكثر من كونه اسهاماً في ازالتها. من جهة تبدو هذه الانتصارات مؤشراً الى ان احتمال قبول "طالبان" بشريك آخر في السلطة، من قومية غير بشتونية مستبعداً اكثر من اي وقت مضى، مما يثير القوميات الاخرى ودول الجوار المرتبطة بها. ومن جهة اخرى، يثير الخط المتشدد لپ"طالبان" وحمايتها لدعاة اجانب ضد الخط نفسه قلقاً من احتمال تحول سلطتهم نظاماً متشدداً، يكرر التجربة الايرانية الثورية. ومن الملفت ان يكون تعليق مسؤول في "يونوكال" على حماية "طالبان" لاسامة بن لادن باعلان تجميد مشروع الغاز موقتاً. لم ينجح "طالبان" في تسوية داخلية تشرك المكونات الاخرى للمجتمع الافغاني في السلطة، ولم يتمكنوا من اعطاء تطمينات جدية لدول الجوار. وهم اليوم يثيرون حفيظة واشنطن واسلام آباد. فهل يخسرون في السياسة ما حققوه في المعارك العسكرية