بعد مرور خمس سنوات على توقيع اتفاق اوسلو، لا يجد الفلسطينيون ما يحتفلون به بعدما تمكنت الدولة العبرية من خلال صيغته التي وضعتها بنفسها من تشريع احتلالها أرضهم، التي تحولت نتيجة الاتفاق من أرضٍ محتلة يسري عليها القانون الدولي الخاص بالاحتلال في زمن الحرب، الى أرض مُتنازع عليها بين طرفين لهما مطالب متساوية ومتكافئة فيها. خمس سنوات مرّت ولم تطبق اسرائيل من بنود الاتفاق المرحلي سوى تلك التي تكرّس سيطرتها على الارض الفلسطينية، وتحول حياة الفلسطينيين الى جحيم مستمر، مما دفعهم، كالنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني حاتم عبدالقادر الى القول: "لو كانت لأسوار القدس وجدران المنازل والارض الفلسطينية أفواه لأشبعت الاتفاق بصقاًً". ويجمع الفلسطينيون على ان اتفاق اوسلو، الذي خرج مئات مئات منهم الى الشوارع للاحتفال به في ايلول سبتمبر 1993، يدفعهم الامل بتغيير حياتهم المعيشية وازالة مظاهر الاحتلال، زاد اوضاعهم سوءاً على كل الاصعدة. ويشير الاستاذ المحاضر في جامعة بيرزيت علي الجرباوي الى ان الفلسطينيين عاشوا تحت الاحتلال المباشر وحدة جغرافية واحدة واستطاعوا التنقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وداخلهما بحرية نسبية واسعة، واصبحوا مع اوسلو محصورين في معازل وفُصِلت الضفة عن القطاع في شكل كامل تقريباً. وأدى هذا الفصل بين الضفة والقطاع وخلق المعازل داخلهما الى صعوبة تنقّل الفلسطينيين بين المنطقتين. والمسافة التي كانت تحتاج الى اقل من ساعتين للوصول من غزة الى الضفة، اصبحت تحتاح عناء ايام، وربما الذهاب من غزة الى مصر الى الاردن ومن ثم الدخول الى الضفة في رحلة صعبة مكلفة مادياً ومعنوياً. داخل الضفة الغربية عزل شمالها عن جنوبها عملياً عندما اغلقت مدينة القدس في شكل دائم بعد اتفاق اوسلو في وجه الفلسطينيين اهالي الضفة الغربيةوغزة. واصبحت الرحلة من مدينة رام الله شمال الى مدينة بيت لحم جنوب والتي كانت تستغرق نحو نصف ساعة، تستغرق ساعات وتأخذ المسافر في طريق يسمى "وادي النار" وهو تعبير يصوّر حال الطريق. وتحت وطأة اوسلو قسمت مدينة الخليل منطقتين ويسيطر الجيش الاسرائيلي على نحو 1/5 من مساحة المدينة. وبعد خمس سنوات على توقيع الاتفاق ما زال الفلسطينيون من دون مطار او ميناء، يستخدمون المعابر الحدودية التي تسيطر عليها اسرائيل بالكامل وتستخدمها مصيدة لتوقيف واعتقال من تريد، وتمنع ايضاً من تريد من السفر. ولم يقدم جواز السفر الفلسطيني الذي كُتب على صفحته الاولى انه أُصدر وفقاً لاتفاق اوسلو، ولم يؤخر. وما زال أربعة آلاف أسير ومعتقل فلسطيني في السجون الاسرائيلية، فيما يزداد عدد الفلسطينيين الذين تعتقلهم السلطات الاسرائيلية ويزداد القمع الاسرائيلي على الحواجز العسكرية. والاتفاق المرحلي قسم الاراضي الفلسطينية ثلاثة اجزاء اولها أُطلق عليه أ وهو في حال الضفة الغربية المدن الفلسطينية الست الكبرى التي لا تزيد مساحتها على الثلاثة في المئة من مساحة الضفة ونحو 30 في المئة من قطاع غزة، وتخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، والجزء الثاني ب اتفق مرحلياً على ان تكون السيطرة الامنية فيه لاسرائيل والمدنية للفلسطينيين، والجزء الثالث ج تزيد مساحته على 70 في المئة من المساحة الكلية للضفة وتسيطر عليه اسرائيل في شكل كامل. و"حظيت" مئات من المنازل الفلسطينية القائمة في الجزء الاخير الريف الفلسطيني بعناية فائقة من السلطات الاسرائيلية التي تولت عملية هدمها بحجة تشييدها من دون تراخيص تارة، واخرى بحجة قربها من الشوارع الاستيطانية التي شقتها بعد اوسلو. ويرى الجرباوي ان اتفاق اوسلو الذي قام على اساس مرحلتين والذي وصفه ب "الذكي جداً" مكّن الاسرائيليين من تثبيت وجودهم الدائم في مناطق واسعة ومهمة من الاراضي الفلسطينية، واستطاع ان يمنح الاسرائيليين الحق في تحديد مستقبلها تقريباً في شكل متساوٍ مع الجانب الفلسطيني، بعدما ألغى الطابع الاحتلالي للوجود الاسرائيلي فوقها. ومن هذا المنطلق صادرت الدولة العبرية منذ توقيع الاتفاق نحو 66 الف دونم من الاراضي الفلسطينية وفقاً للخبير الفلسطيني في شؤون الاستيطان اليهودي خليل تفكجي. ويوضح تفكجي ان 32 الف دونم صودرت لشق الشوارع الجديدة التي تسميها اسرائيل "التفافية" لعزل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها بعضاً ووصل المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية، فيما صودرت 16 الف دونم من المناطق الصخرية المحاجر لتستخدم الحجارة في تشييد المستوطنات عليها. اما مناطق الاحراج والمناطق المشجّرة فصودرت تحت تسمية "محميات طبيعية" وما تبقى صادرته اسرائيل باعتباره "أملاك دولة". وفي عهد الحكومة العمالية التي وقّعت اتفاق اوسلو وضع 83 مخططاً هيكلياً للمستوطنات وتم انشاء عشرة آلاف وحدة سكانية استيطانية جديدة، وارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 105 آلاف الى 145 الفاً. وفي عهد حكومة ليكود اليمينية برئاسة بنيامين نتانياهو وضع مخطط لبناء ثلاثين الف وحدة سكانية في مستوطنات الضفة وقطاع غزة، منها نحو 11 الفاً بدأ بناؤها فعلاً. اما القدسالشرقيةالمحتلة التي ارتفع عدد المستوطنين اليهود فيها ليصل الى 170 الفاً، وبفعل اوسلو الذي اخرجها من المفاوضات المرحلية، فترزح تحت وطأة الاستيطان السريع، وسينفّذ مشروع بناء 19 الف وحدة سكانية منها 6500 في جبل ابو غنيم، الذي اوقفت المفاوضات الفلسطينية والاسرائيلية بسببه، و4600 وحدة اخرى في مستوطنة "جفعات هميتوس" وما تبقى في مستوطنة النبي يعقوب ويضاف مشروع "القدس الكبرى" الذي أقرّته الحكومة الاسرائيلية قبل اشهر، ويضم بمقتضاه ما يعادل عشرة في المئة من اراضي الضفة الى الحدود البلدية للقدس التي تعتبرها اسرائيل "عاصمتها الأبدية". ومع قرب انتهاء المدة الزمنية لاتفاق اوسلو المرحلي، الذي اعتقد الفلسطينيون انه سيمكّنهم من استعادة 90 في المئة من اراضيهم، لم يتبق لهم ما يفاوضون عليه في المرحلة النهائية من المفاوضات