عندما توصل الفلسطينيون والإسرائيليون الى اتفاق أوسلو عام 1993، كان عدد المستوطنين في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، حوالى 200 ألف مستوطن. واليوم يبلغ عددهم حوالى 800 ألف مستوطن، ويتوقع ان يصل في غضون السنوات الثلاث المقبلة الى مليون. ورفضت اسرائيل في مفاوضات اوسلو وفي المفاوضات التي تلتها، قبول المطلب الفلسطيني بوقف الاستيطان، ووافقت بدلاً من ذلك على نصوص غامضة، مثل «عدم إقامة مستوطنات جديدة»، و «عدم القيام بإجراءات تجحف بقضايا مفاوضات الوضع النهائي»، ما أبقى الطريق مفتوحة امام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بما فيها حكومة اسحق رابين صاحب الاتفاق، لمواصلة توسيع المستوطنات بلا توقف. وكانت اسرائيل في السنوات الأولى من الاتفاق، تنكر حدوث توسع استيطاني، وتعتبره «نمواً طبيعياً» للمستوطنات القائمة. وعملت تحت غطاء «النمو الطبيعي» على اقامة عشرات المستوطنات الجديدة تحت اسم «إحياء» مستوطنات قائمة. فمستوطنة «قدوميم» الواقعة غرب مدينة نابلس، على سبيل المثال، تحوّلت من مستوطنة الى سبع مستوطنات تحمل اسماء احياء جديدة للمستوطنة الأم بدلاً من ان تحمل اسماء مستوطنات جديدة، وهو، ما كان في حينه، سيثير ازمة سياسية كبيرة. ومستوطنة «عيليه»، على سبيل المثال ايضاً، باتت ست مستوطنات تحتل ست جبال من اراضي قرى الساوية واللّبن الشرقية في الطريق بين مدينتي رام الله ونابلس. ووصلت مساحة بعض المستوطنات، مثل «ايتمار»، الى مئات الكيلومترات حيث احتلت الجبال الممتدة من نابلس حتى مشارف الأغوار. وقال الدكتور سميح العبد، الذي كان مسؤول ملف الحدود في الوفد الفلسطيني المفاوض، إن إسرائيل عملت بصورة منهجية على توسيع المستوطنات على نحو يقوّض فرص حل الدولتين. وأضاف ان عدد سكان بعض المستوطنات تضاعف اكثر من 10-14 مرة منذ اتفاق اوسلو، «فعلى سبيل المثال، تضاعف عدد سكان مستوطنة بيتار عيليت من 4 آلاف في ذلك الوقت إلى 44 ألفاً اليوم». وأوضح ان اسرائيل نهبت الأرض والمياه الفلسطينية، مشيراً الى ان المستوطنات تتمتع بمياه الفلسطينيين الذين يعاني غالبيتهم من شح المياه طيلة فصل الصيف. وقال: «مستوطنة بقعوت، على سبيل المثال، التي تعيش فيها 60 عائلة يهودية، تستهلك 14.5 مليون متر مكعب من المياه لأغراض الزراعة والاستهلاك المنزلي، وهو ما يساوي كمية المياه التي تحصل عليها محافظة نابلس التي يبلغ عدد سكانها 380 ألف نسمة». وانتقلت السياسة الاستيطانية أخيراً من النمو والتوسع الى الضم الفعلي. وشكل إقرار الكنيست قانون «التسويات» الأسبوع الماضي تحولاً في مساعي الضم الإسرائيلية، اذ أعطى البرلمان الإسرائيلي نفسه حق التشريع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد أن كان أمر هذه الأراضي في يد «وزارة الدفاع»، أي سلطة الاحتلال، ما اثار قلقاً دولياً واسعاً من الإجراء الإسرائيلي الذي اعتبره الكثير من الدول ضماً. وقال استاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت أحمد جميل عزم: «من هنا يأتي الحديث في شكل أكبر عن الضم؛ ومن هنا أيضاً جاء وصف بيان الأممالمتحدة للقانون الإسرائيلي بأنه خرق بخط أحمر عريض جداً». ويناقش البرلمان الإسرائيلي في هذه الفترة مشروعاً لضم مستوطنة «معالية ادوميم»، وهي مدينة استيطانية تقع بين مدينتي القدس وأريحا. وأقر بحق اسرائيل في إقامة مستوطنات على اراض ملكية فردية للفلسطينيين وليس فقط على الأراضي العامة التي اقيمت عليها حوالى 200 مستوطنة وبؤرة استيطانية. ويتوقع المراقبون ان تقدم اسرائيل على ضم الكتل الاستيطانية في المرحلة المقبلة، في حال نجاح مشروع ضم مستوطنة «معالية أدوميم». وقال الخبير في شؤون الاستيطان خليل توفكجي: «اسرائيل تعمل على تهويد القدسالشرقية وضم الكتل الاستيطانية»، مضيفاً: «المؤكد ان حل الدولتين انتهى، الا اذا ارادت اسرائيل ان تسمح لنا بأن نسمي الواقع الحالي دولة». ولا يقتصر التوسع الاستيطاني على الكتل الاستيطانية القريبة من الحدود، لكنه يشمل المستوطنات الواقعة في قلب الضفة، ما يشير الى ان اسرائيل تسعى ليس فقط الى ضم غالبية مساحة الضفة، وإنما ايضاً إلى محاصرة المدن والتجمعات السكانية بالمستوطنات. وفي آخر جولة تفاوضية بين الجانبين عام 2014، رفضت اسرائيل ازالة اي مستوطنة في الحل النهائي، وقدمت خططاً لإقامة طرق آمنة للمستوطنين تبتلع مساحات واسعة من الأرض الفلسطينية. ويعترف كثير من السياسيين الفلسطينيين بالخطأ التاريخي الذي وقع فيه وفدهم في مفاوضات اوسلو، وقال احد اعضاء الوفد فضل عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع: «السبب وراء هذا الخطأ التاريخي يكمن في ان الرئيس الراحل ياسر عرفات كان يبحث عن موطئ قدم في البلاد... ويراهن على تمدد السلطة الفلسطينية وعلى اضطرار المستوطنين الى الرحيل مع الوقت». وأضاف: «هناك سبب ثان يتعلق بعدم معرفة قادة منظمة التحرير الذين كانوا يعيشون في الخارج، بحقيقة الواقع الاستيطاني على الأرض»، مشيراً الى ان بعضهم صدم عندما رأى المستوطنات على الأرض. وأظهرت التطورات الأخيرة مثل إقرار البرلمان الإسرائيلي قانون مصادرة الأراضي الخاصة، وإقرار بناء عشرة آلاف وحدة سكانية جديدة في أقل من شهرين، واتخاذ الإدارة الأميركية الجديدة موقفاً داعماً للاستيطان في الكتل الاستيطانية، وصامتاً عن الاستيطان في بقية المستوطنات، أن حل الدولتين لم يعد ممكناً على ارض الواقع، الأمر الذي وضع صاحب القرار الفلسطيني امام مفترق طرق تاريخي.