وجد الفلسطينيون أنفسهم مرة أخرى يخوضون "حرب تلال" جديدة مماثلة لتلك التي سبقت المرحلة الأولى من إعادة انتشار الجيش الاسرائيلي في العام 1992 بينهم وبين المستوطنين اليهود الذين تؤكد الحقائق على أرض الواقع انهم لم ينتظروا هذه المرة الدعوة الرسمية التي خرج بها وزير الخارجية ووزير البنية التحتية الاسرائيلي ارييل شارون لجميع اليهود بالاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية قبل الشروع بالانسحاب العسكري الثاني للجيش الاسرائيلي. وفي مقابل مساحة نسبتها 13 في المئة من أراضي الضفة الغربية حددتها الدولة العبرية في خرائط ليتم إعادة انتشار الجيش الاسرائيلي فيها دون أن تستشير الفلسطينيين أو تحصل على موافقتهم بشأنها، وعرضتها أمام زعماء المستوطنين اليهود ليدخلوا أكثر من 170 تعديلاً عليها، لا يرى الفلسطينيون سوى فقد المزيد من أراضيهم بحجة هذا الانسحاب. اذ استولى المستوطنون اليهود منذ التوقيع على مذكرة واي ريفر قبل نحو شهر على عشر تلال فلسطينية في طولكرم شمالاً مروراً بغور الأردن شرقاً وحتى الخليل جنوباً ونصبوا فوقها بيوتاً جاهزة وخيماً لإقامة بؤَرٍ استيطانية جديدة عليها. ومن بين هذه التلال تلك التي تشرف على قرية شوفة في منطقة طولكرم والتي أطلق المستوطنون عليها اسم "أفني حيفتس" وجبل الراس في منطقة نابلس والتي تشرف من الجهتين الشرقية والغربية على مستوطنة شيلو وجبل جدع القريب من قرية يانون أيضاً في منطقة نابلس وبالقرب من مستوطنة "يتمار" اليهودية، و"هارحمدا" على جبل محمد بالقرب من كفر قدوم و"جبعة" في منطقة نابلس بالقرب من مستوطنة يتسهار. وفي غور الأردن، أقام المستوطنون اليهود من مستوطنة "تومير" 127 وحدة سكنية جديدة على أرض مساحتها 70 دونما تقع خارج المخطط الهيكلي لهذه المستوطنة، أما في منطقة الخليل، فقد استولى الاسرائيليون على موقعين مرتفعين بالقرب من معون وسوسيا على أراضي بلدة يطا. ويشير خبراء فلسطينيون في شؤون الاستيطان الاسرائيلي الى أن جميع هذه التلال القريبة من المستوطنات اليهودية المقامة والتي أصبحت بؤراً استيطانية جديدة تقع جميعها خارج الخرائط الهيكلية لهذه المستوطنات. ويهدف الاسرائيليون من خلال الاستيلاء عليها وضع اليد على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية وضمها الى المستوطنات واسكان يهود فيها لتصبح مأهولة يجري التفاوض بشأنها مع الفلسطينيين في اطار التسوية النهائية على هذا الأساس. ويوضح الخبير خليل تفكجي من مركز الخرائط والدراسات ان المستوطنين اليهود انتقلوا للعمل خارج المخططات الهيكلية معتمدين على القانون الاسرائيلي الذي يلزم المؤسسة العسكرية بحماية أي موقع يستولي عليه الاسرائيليون. وهذا ما حدث بالفعل، اذ امتنع الجيش الاسرائيلي عن اخلاء الكرفانات الاستيطانية التي نصبها المستوطنون في الأسابيع الأخيرة على رغم انها نصبت جميعاً خارج اطار الخرائط الهيكلية للمستوطنات القائمة فصارت مثلها غير قانونية. وإذا ما نفذت اسرائيل التزامها بما وقعت عليه في الاتفاقات المرحلية بتسليم ما نسبته 42 في المئة من الضفة الغربية الى السلطة الفلسطينية جزء من هذه الأرض سيبقى تحت السيطرة الأمنية الاسرائيلية فيما ستدير السلطة شؤون الفلسطينيين المدنية، فإن ما تبقى وهو 58 في المئة سيظل رهناً بيد اسرائيل في مفاوضات التسوية النهائية ومن شأن تسريع وتيرة توسيع المستوطنات ان يلتهم جزءاً كبيراً من هذه المساحة التي ستصر اسرائيل على الاحتفاظ بها بحجة انها مناطق حيوية لأمن الدولة العبرية. وفيما توفر مذكرة واي تواصلا جغرافياً فلسطينياً في منطقة جنين ونابلس فقط، فانها تخلق في بند الطرق الالتفافية تواصلاً جغرافياً بين كل المستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية وبينها وبين اسرائيل. وتلتهم الطرق الالتفافية الثلاث عشرة التي شرعت اسرائيل بشقها أكثر من عشرة آلاف دونم من أخصب الأراضي الزراعية في الضفة حيث يشاهد الفلاح الفلسطيني في قرية الخضر القريبة من بيت لحم بأم عينه منذ أيام كيف تقتلع الجرافات الاسرائيلية أشجار الزيتون المعمرة ولا يستطيع عمل أي شيء لإيقافها. وهذه الدونمات لا تشمل الأراضي التي سيتم الاستيلاء عليها عند شق الشارع المسمى رقم 80 الذي يمتد من الخط الأخضر شمالاً حتى غور الأردن باتجاه الجنوب. ومن شأن الشوارع الالتفافية الاستيطانية الجديدة ان تستكمل ما بدأته الشوارع الالتفافية التي شقت قبل تنفيذ المرحلة الأولى من إعادة الانتشار والتي انسحب بموجبها الجيش الاسرائيلي من المدن الفلسطينية السبع والتي ابتلعت بدورها 35 ألف دونم أي 35 كيلومتراً مربعاً وهو ترسيخ عزل التجمعات السكنية الفلسطينية بعضها عن بعض واحاطتها بهذه الشوارع لمنع نموها المستقبلي. ويدرك الفلسطينيون ان الخطر الأشد الذي يكمن في شق هذه الطرق هو ترسيم حدود الكيان الفلسطيني كما تريده اسرائيل قبل الشروع في مفاوضات الحل النهائي بحيث تشكل هذه الطرق حدود دولة اسرائيل الموسعة على حساب الضفة الغربية مع ما تبقى منها للفلسطينيين وهو ما أشار اليه وزير الخارجية الاسرائيلي شارون قبل يومين عن قبوله بقيام دولة فلسطينية "على جزء من الضفة وليس جميعها". وازاحت اسرائيل بفعل الطرق الالتفافية خط الهدنة الذي يفصلها عن الضفة الغربية والمعروف ب "الخط الأخضر" في منطقتين على الأقل حتى الآن أولهما جنوب قرية السموع في منطقة الخليل حيث تم وضع الحواجز العسكرية أو النقطة الحدودية التي تفصل اسرائيل عن الضفة الغربية على الشارع الالتفافي الجديد الذي يحدد النقطة التي ستبدأ عندها طريق "الممر الآمن" عبر اسرائيل وصولا لقطاع غزة وتبعد هذه النقطة ثلاث كيلومترات عن حدود الهدنة. وفي المنطقة الواقعة غرب مدينة رام الله أزاحت اسرائيل خط الهدنة ثلاث أو أربع كيلومترات من خلال شق شارع التفافي جديد وضمت اليها المستوطنات التي أقامتها على جانبي الخط الأخضر في هذه المنطقة.