لا يكاد اللبناني يرى فرصة كسب سريع سانحة امامه إلا يتحيّنها على "شطارته" ويلج مضمارها ليجعل منها "قطاعاً جديداً وبكراً" ومستبقاً الدولة او حالاً محلها من دون ان يقدر خبرته المنقوصة في المجال المبتكر او ما قد يحمله تفشي "الظواهر" عشوائياً لاحقاً من ترتب رسوم وتنظيم واصدار قوانين. وعلى غرار السنترالات الهاتفية التى انتشرت في الاحياء والمناطق في سنين الحرب، ومثلها المولّدات الكهربائية، تفشّت في لبنان، من اقصاه الى اقصاه، منذ ثلاث سنوات ولا تزال تنتشر ظاهرة "سنترالات الصحون اللاقطة" التي يشاهد اللبنانيون من خلالها فضائيات العالم. وبرامج الفضائيات هذه، شغلت حيزاً كبيراً من حياة اللبنانيين جميعاً، فقراء وميسورين. "فأخرجتنا من رتابة البرامج الارضية المحلية وحررتنا من ثقل مشاكل السياسيين" كما قال بعض مشاهدي الفضائيات. واضاف ان "البرامج الفضائية توصلك بالعالم كله فتعرّفك الى انماط الحياة في الدول وطريقة عيش المجتمعات. وبعض المحطات تقدم برامج راقية جداً وبعضها تعرض مسلسلات وأفلاماً قبل ان تعرض في السينما المحلية فضلاً عن "المحطات المتخصصة بالاخبار والرياضة والجغرافيا وعالم الحيوان وحتى بالرسوم المتحركة وغيرها". وهذا لسان حال كل مشاهدي الفضائيات. اما مراكز الصحون اللاقطة، التي غزت كل القرى والمناطق والأحياء ، فاستمدت فكرتها "من مباني الاحياء الراقية التي يوجد على كل سطح من ابنيتها "دش" مركزي"، بحسب بعض المهندسين المدنيين وهو من اوائل الذين موّلوا مركزاً للفضائيات في احد الاحياء الشعبية في بيروت. وأضاف "ما ان طرحت الفكرة عليّ، قبل عامين، حتى رحّبت بها وموّلتها من دون خوف من فشل المشروع لأنني استخدم المعدات في بعض الابنية الحديثة". وتابع "نفّذنا المشروع ولقي رواجاً وكثرة مشتركين ومضاربين ايضاً وانتشرت المراكز في شكل سريع وكثيف وأصبح لكل حي مركز اذ يمكنه ان يوزع في شعاع 500 متر مربع". وعن تعرفة الاشتراك، اجاب "كانت في البداية 15 دولاراً شهرياً ما عدا سعر الكابل نحو 20 دولاراً ثم خفضناها الى 10 دولارات بسبب المنافسة التي لم تعد في الاسعار فحسب بل وفي عدد المحطات التي تصل الى المشترك وخصوصاً المرمّزة". وقال صاحب مركز آخر، كان خيّاطاً، ان "الحال بالويل والمشتركون يستقطبهم الافضل ما جعلنا نتحد ثلاثة مراكز حتى اصبح لدينا 48 محطة وبقي عندنا نحو 150 مشتركاً". وعن البداية قال "ظلمنا فيها كثيراً ودفعنا ضعفي الكلفة ولاخبرة لنا في هذا المجال ونستدعي للاعطال مهندساً، ما عدا الصيانة الدائمة". واوضح آخر ان "لا امكان لتطوير هذه المهنة وكل القنوات التي نلتقطها نبثها ولا يمكننا ان نبثها مجزأة بحسب رغبة الزبائن اما في الخارج فهذا الأمر ممكن لأنه قطاع حكومي"، مشيراً الى "ان الدولة وقّعت عقداً مع شركة خاصة لتوزيع الفضائيات على المشتركين". ورأى صاحب مركز في بعض القرى "ان لهذه المهنة سيئات كثيرة وحسنة واحدة وهي الربح الكبير. اما السيئات فإن اعطالها كثيرة وتتطلب صيانة دائمة ارضاء للزبائن ما عدا اضرار العوامل الطبيعية في انقطاع الكابلات ووقوع الصحون...". وأضاف "اليوم يحكى ان وزير الدولة للشؤون المالية فؤاد السنيورة يريد ان يفرض علينا ضرائب كبيرة هي: مليون ونصف المليون ليرة، رسماً سنوياً زائداً 15 ألفاً عن كل مشترك، زائداً مليون عن كل صحن لاقط مركّز على السطح. أي اننا سنعمل ستة أشهر للسنيورة وستة أشهر للصيانة والعيش، وعن المضاربة، اجاب "رأس المال الكبير يأكل الصغير اذ يمكنه ان يشترك في عدد اكبر من القنوات المرمّزة. ففي صيدا افتتح رجل، كان عنده اذاعة خاصة اقفلها بعد صدور قانون الاعلام المرئي والمسموع، مركزاً واشترك ب16 محطة مرمّزة ماعدا المحطات العادية والمحلية فبدأ المشتركون ينهالون عليه فاشترى كل المراكز ووظف اصحابها عنده لقاء 500 دولار شهرياً فأصبحت صيدا كلها له وتعرفة الاشتراك عنده 7 آلاف ليرة ما يعادل 5 دولارات، اتصلت "الحياة" بصاحب المركز هذا فنفى لكن كثراً من ابناء المدينة أكدوا الخبر. وفي صبرا احد احياء بيروت الفقيرة كان لدى صاحب مركز ب 14 قناة، فافتتح منافس قربه مركزاً ب 18 قناة، واستقطب كل الزبائن فما كان من الأول إلا ان رمى معداته واشترى نظاماً حديثاً جداً من ألمانيا، ب72 ألف دولار يلتقط 62 قناة فضائية ويبث معها القنوات الأرضية وأصبح لديه 13 مركزاً ونحو 2700 مشترك. وعن القنوات المرمّزة قال "لا يمكن مشاهدتها إلا من خلال اشتراك. ولهذه المحطات مندوبون في لبنان ولا نعرف سواهم في العلاقات، هم يحضرون اللاقط ويقبضون ويعرفون اننا نوزع المحطات على المشتركين. ورسم الاشتراك الشهري في المرمّزة يتفاوت بين 50 دولاراً و65 ويريدون الآن زيادته. وبعض المحطات طلبت دولاراً عن كل مشترك ولكن لم يلتزم احد". وأوضح تاجر صحون لاقطة ان اسعارها على النحو الآتي "صحن قطره متر يلتقط 20 محطة سعره 250 دولاراً، وقطره 120 سنتمتراً يلتقط 60 محطة ومتحرك ب 650 دولاراً، وقطره 160 سنتمتراً يلتقط 90 محطة متحرك ب 1145 دولاراً، وقطره 3 امتار يلتقط 110 محطات ب 1500 دولار. وكل قمر اصطناعي يوجّه اليه صحن لاقط". وأضاف "ان كل مركز يحتاج الى ستة صحون او سبعة تبلغ كلفتها نحو 10 آلاف دولار، ويردّ رأسماله في ستة اشهر". وأشار الى "ان هذه التجارة راجت منذ ثلاث سنوات وأن كثراً يعملون في هذه المهنة وأتقنوها وخصوصاً خريجي ال "الكترونيك" مهندسين وتقنيين". والأقمار الاصطناعية التي تبث الفضائيات ويشاهدها اللبنانيون هي قمران لعربسات وعليهما اكثر من 23 قناة وأوروبا 21 قناة وتركيا 16 قناة وروسيا قناتان وإسرائيل 8 قنوات وقبرص 6 قنوات والمغرب 6 قنوات والهند 6 قنوات وفيتنام 3 قنوات واليابان قناتان. وقال المدير العام للصيانة والاستثمار في وزارة المواصلات السلكية واللاسلكية الدكتور عبدالمنعم يوسف "ان الوزارة لم توقّع أي اتفاق مع أي شركة على الإطلاق. ولديها مسؤولية تنظيم هذا القطاع ولم تتعاقد لا من قريب ولا من بعيد ولا نية عندها ان تتعاقد ولا مشروع حالياً لها مع أي شركة خاصة لبيع خدمات الفضائيات ولا مشروع مستقبلاً". وأضاف "الواضح ان في لبنان شركات عدة في كل المناطق من العاصمة الى الشمال والبقاع وفي جبل لبنان وحتى في عكار او في الجنوب". وعن حال هذه المراكز اجاب "هذا العمل غير قانوني. والمرسوم الرقم 377 الصادر عام 1989 في مادته ال43 ينظم هذا القطاع. وينص ان على كل مؤسسة ترغب في بيع خدمات صوت وصورة عبر صحون لاقطة للمواطنين ان يتقدم برخصة عليها رسوم وحصة للدولة. اما الموجود الآن فهو ظاهرة متوحشة في انتشارها ولا تحترم اصول حماية المستهلك ونوعية الخدمة والمظهر اللائق للأبنية والشوارع وتسيء اليها وللإدارة ولتنظيم القطاع وللشركات الأم التي يفترض على كل موزع ان يكون على عقد مع هذه الشركات". وكشف "ان لبنان مصنّف في العالم "بلد قرصنة" للبرامج المبثّة عبر الاقمار الاصطناعية لأن هناك مؤسسات تمارس القرصنة البرامجية وهذا غير مقبول لأن ضرره مزدوج، على الناحية الجمالية وعلى واردات الإدارة، وتعتبر واردات مهدورة، فضلاً عن ضررها على سمعة لبنان". وقال "نحن لا نفتح حرباً على هذه المراكز بل ندعو اصحابها الى طلب التراخيص ثم ننظر في طلباتهم من النواحي الفنية والقانونية والتجارية والمالية وخصوصاً المواصفات التعاقدية في ما يتعلق بحق الملكية الفكرية للبرامج كي لا يبقى لبنان مصنّفاً بلداً للقرصنة التلفزيونية. وأشار الى "ان الإدارة تبلغت شكاوى بهذا المعنى وتحديداً من "برامانت" احدى كبرى شركات المرئي والمسموع في اميركا، اضافة الى شكاوى من المؤسسات التلفزيونية المرخّصة محلياً التي بدأت بموجب رخصها الاستثمار في مجال اعادة البث التلفزيوني وتدفع مبالغ طائلة على حق اعادة بث للأفلام. وتفاجأ قبل ان تبث الأفلام بأسبوع بأن بعض اصحاب المراكز بثّه للمشاهدين". ورأى "ان على الدولة، حيال هذا الواقع، تنظيم هذا القطاع. اتخذت بعض الخطوات منها مسح شامل لكل لبنان اظهر ان فيه نحو 400 شركة على الاقل وأن هناك نحو 80 ألف مشترك، فوجّهنا الى هذه الشركات نداء لتنظّم وضعها وتشرّعه وتتقدم بطلب رخص وتدفع كل الرسوم المتوجبة عليها، ومن يتخلّف يُلاحق امام القضاء". وعن الرسوم التي يتوقع بعض اصحاب المراكز ان تكون مرتفعة، اجاب "عندما تدفع الرسوم قد يغيّر سعر التعرفة وهذا له علاقة بالعرض والطلب". وهذه الحال دفعت بأصحاب المحطات الأرضية والفضائيات المرمّزة الى استنكار هذه الظاهرة وتكليف لجنة من المحامين للإدعاء على اصحاب مراكز توزيع برامج تلفزيونية وبثّها بواسطة الكابل في صورة مخالفة للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء. وقال المحامي اميل بجاني أحد اعضاء لجنة الإدعاء ل"الحياة" عن المرسوم الرقم 377 الذي أشار اليه الدكتور يوسف: "استناداً الى هذا المرسوم يطلب اصحاب المراكز الترخيص لهم. لكن هذا المرسوم صادر في حكومة العماد ميشال عون وألغي في قانون الإعلام الصادر حديثاً". وأضاف "بموجب القانون الصادر في 14/11/1997 في مادته السادسة المتعلقة بالبث التلفزيوني والإذاعي، يحظر على اي شخص طبيعي او معنوي استيراد او تصنيع او تركيب او استعمال اي جهاز بث او نقل او بث نظري او سمعي تحت طائلة المصادرة وتطبيق العقوبات المنصوص عليها في القوانين". وأشار الى "ان المادة ال52 من القانون نفسه تنص على إلغاء كل النصوص المخالفة او التي لا تتفق مع أحكامه". وأضاف "استناداً الى احكام القانون 388 قرر ممثلو التلفزيونات المرخصة والفضائيات المرمّزة اقامة دعوى على المخالفين امام القضاء".