يتحقق ضمان أمن اسرائيل، حسب رئىس الوزراء بنيامين نتانياهو، عبر موقفه الانتقامي والمتصلب الذي يتبناه حالياً تجاه الفلسطينيين بشكل خاص والدول العربية بشكل عام، ويُقدم مدى الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية المحتلة الى الرأي العام الاسرائيلي المنقسم على نفسه باعتباره القضية الاساسية، في حين يفكر كبار القادة العسكريين وخبراء الاستخبارات في اسرائيل، في الواقع، بطريقة تكاد تكون مختلفة تماماً. فهم يدركون بقوة ان اسرائيل تحتاج الى اصدقاء في العالم العربي. وتدور مخاوفهم الفعلية حول الخطر الذي يتهدد اسرائيل في المستقبل من الصواريخ البعيدة المدى المحملة رؤوساً حربية غير تقليدية. وهم يقدرون تماماً اهمية "القنبلة" الباكستانية بالنسبة الى منطقتهم. في 2 تموز يوليو الجاري، اطلق الجنرال ماتان فيلناي نائب رئىس الاركان - قبل ان يتقاعد - التحذير التالي في تل ابيب: "يمكن ان نقول بثقة كاملة حالياً ان عقيدتنا الامنية لم تُطوّر والارجح انها لا تقدم اجابات على التهديدات الناشئة ضد اسرائيل. هناك تغيرات كثيرة في المنطقة المحيطة بنا، وهي تشكل الاساس لمزيد من التغيرات. ان الوتيرة التغيرات مذهلة". اظهرت حرب الخليج في 1991 بوضوح انه حتى الاميركيين، بكل جبروتهم العسكري وتكنولوجيتهم المتطورة، لا يملكون الرد على هجمات بصواريخ بعيدة المدى. فالتصدي لكل صاروخ ومنعه من الوصول الى الهدف امر متعذر تماماً، لأن الصواريخ تمتاز بسرعتها الفائقة وضآلة حجمها، ويمكن ان تُطلق من مواقع مختلفة وغير متوقعة. وتوصل المخططون العسكريون الاسرائيليون منذ عدة سنوات الى ان ايران تمثل الخطر الرئيسي. وهم مقتنعون بأنها عازمة على تطوير اسلحة دمار شامل كي تحمي نفسها من العراق واسرائيل على السواء. ولا تزال النتائج الخطيرة التي نجمت عن استخدام العراق صواريخ زوّدت اسلحة كيماوية خلال الحرب الايرانية - العراقية ماثلة في الذاكرة. واسرائيل مقتنعة بان روسيا وكوريا الشمالية والصين قادرة على مساعدة ايران بأشكال مختلفة. وهناك حالياً احتمال بأن تقدم باكستان في السنوات المقبلة الدعم لدولة اسلامية اخرى عبر نقل التكنولوجيا، بشكل رسمي او غير رسمي، او عبر نشر صواريخ نووية في ايران خلال فترة ازمات او نزاع يشمل اسرائيل وبلدان اخرى في الشرق الاوسط. ويعتبر شن هجوم وقائي على المنشآت النووية الايرانية، باستخدام طيارين تلقوا تدريباً خاصاً على طائرات "إف - 16" الاميركية التي تزود بوقود اضافي في الجو، خياراً جدياً. والارجح ان الرئيس الايراني سيد محمد خاتمي يواجه صعوبة اكبر مما كان يتوقع في انهاء عزلة ايران وتحسين العلاقات مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي. ولا يمكن لايران في الوقت الحاضر ان تتوقع مساعدة من العالم الغربي، باستثناء كلمات جميلة في الاممالمتحدة. ويبقى قائماً الاحتمال بأن يسعى معارضوه المحافظون الى الاطاحة بحكمه. لقد اعتبر الهجوم على منشآت العراق النووية في 1981 نجاحاً عظيماً في اسرائيل، ولا يزال يُذكر بفخر من قبل السياسيين الاسرائيليين من كل الاتجاهات. ولا بد من ان العراق درس احتمال وقوع مثل هذا الهجوم لكن لم يستطع منعه. ومن المشكوك فيه ان تتمكن ايران من التصدي لضربة مؤثرة وخاطفة كهذه في السنة 2002 مثلاً. أصبح امراً مسلماً به لدى خبراء الدفاع والشؤون الخارجية الاسرائيليين انه مع بداية القرن المقبل سيتعذر عملياً منع بلد ما من الحصول على اسلحة نووية على رغم الضوابط التي تعيق ذلك. ولن يكون في الامكان الحؤول دون تطوير قنبلة اسلامية في الشرق الاوسط رداً على الرؤوس النووية ال 200 التي تملكها اسرائيل منذ سنوات كثيرة. وسيبقى موعد حدوث ذلك وحده موضع تكهن. هكذا يتطور التخطيط العسكري في اسرائيل ويقتفي خطى الحرب الباردة، اذ تعتقد تل أبيب حالياً انها تحتاج الى امتلاك القدرة على توجيه "ضربة الرد" في حال دُمّرت ترسانتها النووية المتمركزة على اليابسة في هجوم مفاجىء. وحسب تقارير مصدرها البنتاغون، تستخدم اسرائيل علاقاتها المميزة مع المانيا لوضع صواريخ "كروز" قادرة على حمل رؤوس حربية نووية في ثلاث غواصات المانية الصنع من طراز "دولفين". واُشيع ان الالمان يقدمون الدعم المالي لتصميم هذه الغواصات وبنائها، اذ يدفعون اكثر من 50 في المئة من الكلفة. ويمثل هذا عملياً احد اشكال التعويض التي تدفعها المانيا لاسرائيل بعد 50 سنة. ومن المحتمل ان تستخدم اسرائيل نوعاً جديداً من صاروخ "اريحا" الذي يبلغ مداه حالياً 3 آلاف ميل، ويمكن ان يحمل طناً من المتفجرات. وهناك ايضاً تقارير اكثر اثارة مفادها ان اسرائيل، بعدما ساهمت سراً طيلة سنوات في تطوير ترسانة الهند النووية، تريد ان تعمل على نحو وثيق مع المخططين العسكريين في الهند لمنع انتشار الاسلحة النووية بين الدول الاسلامية. في هذه المرحلة من تاريخ اسرائيل، ستدرك حكومتها، اذا اتصفت بالحكمة، اهمية التوصل الى سلام فعلي مع جيرانها المسلمين والشروع بمفاوضات جدية بشأن كل اشكال نزع السلاح. فامتلاك القدرة على توجيه "ضربة الرد" سيكون باهظاً الى درجة هائلة حتى بالنسبة الى اسرائيل. فهل سيحقق خوض سباق تسلح نووي قدراً اكبر من الامان؟ * سياسي بريطاني، مدير "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو.