هل ستضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ وكيف؟ سؤال يتردد يومياً في واشنطن ، كما في العالم العربي، منذ أيام إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. تحركه صعوداً أو هبوطاً وتيرة التصريحات النارية المتبادلة بين قادة النظام الإيراني ونظرائهم في كلّ من إسرائيل وأميركا. حتى تحدّث بعض المراقبين عن ال " متى" ، أي عن تاريخ الضربة العسكرية الإسرائيلية، بعدما أضحت بنظرهم حتميةً تنتظر ساعة الصفر لتنفيذها. وصول الرئيس باراك أوباما الى البيت الأبيض لم يلغ إحتمال المواجهة العسكرية الإيرانية الإسرائيلية. رغم نهج أوباما المغاير لسياسة سلفه جورج بوش تجاه ايران. وصول اليمين المتطرف بزعامة بنيامين ناتنياهو الى الحكم في إسرائيل عقِّد الأمور مع طهران - وواشنطن ايضاً - فيما لا تزال الإنتخابات الرئاسية الإيرانية مفتوحة على شتى الإحتمالات لا سيما بعد إنسحاب محمد خاتمي من السباق الرئاسي لتنحصر المعركة بين المحافظين الإيرانيين فقط. فهل يلاقي المحافظون الإيرانيون المتشددين الإسرائيليين الى منتصف طريق المواجهة ويفجِّرون الشرق؟. مراكز الأبحاث في واشنطن إنشغلت بدرس مستقبل العلاقات الإيرانية الإسرائيلية لاسيما إحتمالات قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت التطوير النووي الإيرانية.وتداعيات ذلك على الشرق الأوسط وعلى الخليج العربي كلّه. وبالأخص حول إمكانية سماح إدارة أوباما لإسرائيل بإستعمال القوة مع إيران، الأمر الذي رفضته إدارة بوش نتيجة الخوف من التداعيات الخطيرة على حلفاء ومصالح أميركا في الشرق وفي العالم كله. الدكتور عبدالله طوقان ، وزير الإتصالات الأردني الأسبق ، والباحث المشارك في "مركز الدراسات السياسية والدولية" في واشنطن العاصمة تصدى لهذا الأمر عبر دراسة مطوّلة معززة بخرائط توضيحية وبيانات ورسوم وشروحات تفصيلية ، وتفاصيل عسكرية أخرى. أعدّها لكرسي الدراسات الإستراتيجية في المركز المرموق المذكور أعلاه. والتي صدرت مؤخراً بعنوان: "دراسة إحتمالات قصف جوي إسرائيلي لمنشآت التطوير النووي الإيرانية". وهي جزء من دراسة موسعة وشاملة يعدّها المركز ستصدر هذا الصيف في كتاب خاص بإشراف الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية أنتوني كوردسمان تتضمن فحصا مفصلا لبرامج إيران الصاروخية وأسلحة الدمار الشامل. السيّد طوقان بحث في فرضية قيام إسرائيل بإستعمال الصواريخ الباليستية البعيدة المدى لضرب منشآت التصنيع النووي الإيرانية ، وذلك بدلاً من الضربات الجوّية بالطائرات الحربية التي تنطوي على خطورة كبيرة بنظر طوقان . إضافة الى العقبات الرئيسية التالية: محدودية الوقود والمدفعية والمخاطر على الطيارين. لكن هل لدى إسرائيل صواريخ متطورة تستطيع أن تطال إيران وتصيب أهدافاً محددة فيها؟. يعتقد الكثير من المحللين الإستراتيجيين ، ومنهم طوقان، أن اسرائيل تمتلك صواريخ متطورة من طراز "اريحا 3" تحمل رؤوساً حربية تقليدية (غير نووية) تزن 750 كيلوغراماً من المواد الشديدة الإنفجار ، يتراوح مداها بين 4800 كلم و6500 كلم، أي أنها تغطي كل مساحة إيران إضافة لدول الخليج العربية. والصواريخ هذه قادرة على إصابة أهداف محددة في ايران بدقة بالغة ،مع هامش خطأ بسيط قد يصل لبضع عشرات من الأمتار فقط. بذلك يصبح إستعمال صواريخ "أريحا 3" خياراً مرجحاً في حال قررت إسرائيل شن هجوم وقائي ضد المنشآت النووية الايرانية. ويضيف طوقان في دراسته "أن 42 صاروخاً ستكون كافية لكي تلحق ضرراً شديداً أو تدمر المواقع النووية الرئيسية لإيران في نتانز واصفهان وآراك". ليخلص الى النتيجة التالية : "إذا كان (أريحا 3 ) متطوراُ تماماً ودقته بالغة إلى حد ما، فإن هذا السيناريو قد يبدو أكثر ملاءمة من إستخدام الطائرات المقاتلة." لكن إذا حصلت إيران على النسخة الأكثر تعقيدا من نظام الدفاع الروسي أرض- جو "أس- 300" الفعَال في مواجهة الطائرات المهاجمة والصواريخ بعيدة المدى، ستتعقد جداً مهمة الصاروخ الإسرائيلي " أريحا 3" ، وصولا لحّد إنعدام جدوى إستعماله. نظرية طوقان هذه دونها عقبات أساسية برأي سام غاردنر، وهو كولونيل متقاعد من سلاح الجو الأميركي يدرِّس حاليا في "المعهد الوطني للحرب" التابع لجامعة الدفاع الوطني في واشنطن. الخبيرغاردنر شكك في جدوى إستخدام الصواريخ بعيدة المدى ضد إيران ، خاصة مع التحصينات القوية والكثيفة التي تتبعها إيران لحماية منشآتها النووية. غاردنر أكد أن نجاح أي ضربة عسكرية كهذه يتطلب من المهاجمين "الحفر" داخل كل هدف باستخدام عدة قنابل دقيقة التوجيه تطلقها تباعاً طائرة حربية قريبة نسبياً. ويخلص غاردنر الى أن " الإستنتاج الأميركي هو أن الطريق الوحيد للوصول إلى عمق كاف هو إضافة طلقة حربية ثانية في الفجوة التي تحدثها الطلقة الأولى." غاردنر ، مثل العديد من الخبراء الإستراتيجيين الإميركيين، يعتقد أن مواقع التصنيع النووي الإيرانية بعيدة جداً ومتفرقة ومحصنة جيداً بحيث تستعصي على الطائرات الاسرائيلية بمفردها. لذلك فسلاح الجو الأميركي هو الوحيد القادرعلى تنفيذ ضربة ناجحة لها. والقرار السياسي بالهجوم صعب جداً حالياً مع إدارة أوباما التي تعتمد الدبلوماسية وحدها مع إيران. والتي لن تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل بالقيام بإي عمل عسكري ضد إيران لان نتيجته ستكون كارثية لإميركا وإسرائيل معاً ، وللمنطقة كلها أيضاً. طوقان الذي عبِّر صراحةً في دراسته عن إستياءه إزاء فكرة تحرك إسرائيلي عسكري أحادي الجانب ضد إيران. يعتقد ان هجوماً بصواريخ "أريحا 3" قد يثير رداً إيرانياً مضاداً بصواريخ من طراز " شهاب". إضافة الى سيناريوهات إنتقامية أخرى مثل وقف صادرات النفط الإيراني وتعطيل صادرات النفط الخليجي الى العالم، وضرب أهداف أميركية في الخليج العربي .وإصدار أوامر بشن هجمات بالوكالة على أهداف يهودية في العالم. إسرائيل التي تتكتم عن ترسانتها الصاروخية التقليدية، كما النووية المفترضة. تقلل من قيمة التهديد الذي تمثله صواريخ "شهاب" الإيرانية .رغم ان تقارير إستخباراتية إسرائيلية تؤكد بأن إيران نشرت حوالي مائة صاروخ من هذا النوع. لكن خبراء عسكريين إسرائيليين يؤكدون ان صواريخ "آرو 2" الإعتراضية جاهزة لتدمير معظم صواريخ "شهاب" الإيرانية في منتصف رحلتها اذا أُطلقت بإتجاه إسرائيل. رغم ذلك يقلل بعض خبراء الدفاع في إسرائيل من أهمية فكرة استخدام صواريخ بعيدة المدى لشن هجمات تقليدية غير نووية. كما يؤكدون بأن الجيوش الكبيرة تستعمل طائراتها المقاتلة فقط لهكذا مهمات. هل الغارة الجوَية الإسرائيلية على إيران ممكنة؟ يؤكد طوقان في دراسته بأن إن الغارة الجوية ممكنة . وان المسار المفضل " الذي يمكن للطائرات الإسرائيلية الحربية إستخدامه سيكون على طول الحدود السورية- التركية، ثم فوق جزء صغير من العراق، ومن هناك إلى داخل إيران، والعودة باستخدام المسار نفسه". مشيرا أن "عدد الطائرات المطلوبة، وعملية إعادة التزود بالوقود في الجو خلال العملية، والوصول إلى الهدف من دون إكتشاف الطائرات أو إعتراضها سيكون معقداً وبالغ الخطورة، وسيفتقر إلى ضمانات بنسبة نجاح عالية للعملية بأكملها". كما يتضمن تحليل طوقان فحص المشاكل التي يمكن أن تواجهها إسرائيل في اختراق الدفاعات الجوية لدول المنطقة. في السياسة، يرجح طوقان بأن الدول العربية "ستغض الطرف" تجاه أي عدوان إسرائيلي جوي على إيران ، لإعتقادها بأن إيران تشكّل خطرا أمنيا على المنطقة بكاملها. لكنه يؤكد على "ان قصفاً إسرائيلياً لإيران سيزعزع الإستقرار في المنطقة وسيزيد الصراع والإرهاب". كذلك يعتقد طوقان بأنه كلما إزداد تهديد إسرائيل لبقاء النظام الإسلامي في إيران، كلما ازداد تصميم إيران على إمتلاك أسلحة نووية. وربما يؤدي ذلك الى إنسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي بذريعة حاجتها إلى إمتلاك أسلحة نووية لحماية سيادتها، ولمواجهة أي عدوان إسرائيلي أو أميركي محتمل عليها. وتوصي الدراسة الولاياتالمتحدة الأميركية بفتح حوار دبلوماسي مع إيران حول جدول أعمال شامل لكل القضايا السياسية والعسكرية والإقتصادية، وصولاً لقرار عقلاني حول البرنامج النووي الإيراني. كذلك تشير الدراسة الى ضرورة التحقق من برنامج التطوير النووي الإيراني، في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن إقناع إيران بوقف تخصيب اليورانيوم. وأخيرا، تدعو الدراسة الولاياتالمتحدة الأميركية إلى ضرورة " أن تسير وتتفاوض على طول خط دقيق بين أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية والقدرات الصاروخية الباليستية لإيران وبرنامجها النووي" . كما ينبغي - برأي طوقان- على الولاياتالمتحدة الأميركية "الإعتراف بان الموضوعين متداخلين في شكل وثيق"، وبالتالي على واشنطن معالجتهما " في شكل متزامن في الوقت الذي تحاول فيه ألا ينظر إليها بأنها تستخدم معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل". أسرائيل، التي قصفت طائراتها المفاعل النووي العراقي عام 1981. وشنّت غارة مماثلة على سوريا في عام 2007. لا تزال تبدي رغبتها بالتعامل مع البرنامج النووي الإيراني عسكرياً. فهل سيسمح لها أوباما بذلك؟.