"معرض بيبلوس الأول للنحت اللبناني" مبادرة موفقة، لكنها ولدت متعثرة للأسف. ذلك أن منظمي هذا المعرض أوجدوا الفكرة المناسبة، وتعثروا في تطبيقها. فالنحت في لبنان يستحق أكثر من التفاتة، خاصة وأن صالات العرض قلما تنتبه اليه، عدا أن مشاريع "النهوض" و"الإعمار" و"تحسين المشهد العمراني" قلما توقفت، هي بدورها، أمام إسهام المنحوتة في تجميل المشهد اليومي للأبنية أو للمشاة والمقيمين. ولقد أتت مبادرة "المجلس الثقافي" لجبيل مع "النادي الثقافي العربي" لتستكمل ما بدأ به الأخوان بصبوص منذ أربعة أعوام في قريتهما، راشانا، وما سعت اليه بعدهم وزارة الثقافة المصرية في أسوان، ومهرجان جرش بعدها، إلا أن توالي هذه المبادرات الطيبة ما أعاد الى النحت، سواء اللبناني أو العربي، بعضاً من رونق خبا. يمكن القول، بداية، عن معرض جبيل انه أشبه بكشكول، جمع ما هب ودب بما فيه الجميل القليل والمميز من أعمال نحتية لا يجمعها ناظم، سوى أنها لنحاتين لبنانين، أحياء وراحلين. معرض أشيه بقيد نفوس مع غيابات لافتة، وما تيسر من أعمالها: هكذا شهدنا أعمالاً ليوسف سعد الله الحويك المتوفى في 1962 وحنا الحاج المتوفى في 1991 ويوسف غصوب الى جانب أعمال لزافين هاديشيان وسعد الله لبس ويوسف بصبوص ومارون الحكيم وغيرهم. كما اجتمعت الأعمال من دون تدبير أسلوبي، أو تناسب مع مكان العرض. فهناك أعمال نصبية لا تصلح للعرض أبداً في الهواء الطلق، مثل تمثال نصفي للرئيس رفيق الحريري يصلح ل"متحف الشمع"القريب أكثر من المعرض النحتي المكشوف، أو آخر للرئيس شارل ديغول. عدا أن بعضها لا يصلح للحديقة التي عرضت فيها الأعمال، بل الى مكان مضاء في صورة اصطناعية مركزة وثابتة عليها. كما توجد أعمال تصلح لتخويف الأطفال، في تجسيمها المفتعل للوجه الانساني، في "روض ديزني"... الى هذا لا يتعرف الناظر الى الأعمال على سيرة ما عن النحت في لبنان، إذ أنها تبدو في المسار المعروض أشبه بشتات من الأعمال، يتسم بعضها بحرفية ركيكة للغاية، وبعضها الآخر بتقليدية في محاكاة النحت الديني الايطالي أقلع عنها الايطاليون أنفسهم منذ زمن بعيد، وبعضها الاخر بغياب القدرة الابتكارية على بناء الوضعية الانسانية في صورة متميزة ولافتة. في مثل هذا المشهد العرضي البائس لا نتوصل حتى على رؤية لطائف المعالجة النحتية عند لبس أو يوسف بصبوص، في حذاقتها المرهفة وشفافيتها المشعة، ولا البنائية المتعالية عند هاديشيان... معرض للنسيان، بانتظار المعرض الأول فعلاً للنحت في لبنان.