"الحريات الصحافية في الوطن العربي" عنوان المؤتمر الذي تستضيفه بيروت لثلاثة أيام بدعوة من الاتحاد العام للصحافيين العرب، وقد ازدحم جدول اعماله بالتعديات التي يتعرض لها الصحافيون بدءاً بما يحصل في الجزائر مروراً ب"الصفعة الرئاسية" التي اصابت رئيس تحرير مجلة "الشراع" اللبنانية حسن صبرا، وصولاً الى قرار توقيف صحيفة "القبس" الكويتية عن الصدور وتوقيف رئيس تحريرها محمد الصقر. وتحولت جلسة افتتاح المؤتمر التي امتدت اكثر من ساعتين في فندق "بريستول" جلسة تسجيل مواقف في اتجاه اسرائيل "عدوة الحرية الأولى"، وفي اتجاه "السلطة الحاكمة التي تكره سلطة الصحافة مما يستوجب اعادة صياغة علاقات جديدة بين الطرفين"، ولم ينس المتكلمون التحديات التي تواجه الصحافة على عتبة القرن الحادي والعشرين "قرن الحرية والعلم والتكنولوجيا". واللافت في المؤتمر غياب اثنين: ممثل عن رئيس الجمهورية اللبنانية الياس الهراوي ورئيس تحرير "الشراع"، اي الطرفين المعنيين ب"الصفعة الرئاسية". وإذا كان غياب ممثل الرئيس مرده الى امتناع نقابة المحررين عن توجيه دعوة اليه للحضور نظراً الى عدم التوصل الى تسوية تنهي الأزمة التي خلّفتها صفعة الهراوي لرئيس تحرير "الشراع"، فإن غياب الثاني وكما قال ل"الحياة" مرده الى انشغاله في اصدار عدد "الشراع"، لافتاً الى أنه "سيحضر اليوم جلسة التوصيات". واقتصر حضور جلسة الافتتاح على النائب أحمد سويد ممثلاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الاعلام باسم السبع ممثلاً رئيس الحكومة رفيق الحريري، اضافة الى رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص وعضو مجلس الأمة الكويتي سامي المنيس والسفير المصري عادل الخضري ممثلاً وزير الاعلام صفوت الشريف والمستشار مازن صباغ ممثلاً وزير الاعلام السوري محمد سلمان وسفير المغرب علي المحمدي ممثلاً وزير الاعلام محمد العربي المساري والسفير الكويتي في لبنان عبدالرزاق الكندري ومسؤولة الاعلام في السفارة الأميركية في بيروت مهى حمدان ممثلة السفير ريتشارد جونز الى جانب أعضاء مجلسي نقابتي الصحافة والمحررين اللبنانيين والأمانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب وعدد من العاملين في حقل الاعلام. استهل المؤتمر نائب رئيس الاتحاد نقيب المحررين ملحم كرم بكلمة اكد فيها "ان كل محاولات قمع الحرية ترتد على أهل المحاولة لتفضحهم مرتين: مرة انهم صنائع ومرة أنهم بلهاء. فالحرية لا يستطيع قمعها صاحب سلطان، والتاريخ شاهد على أن كل من تصدى لها كان ضحيتها، وكان وقودها في أتون المحاسبة الشعبية والتاريخ. لأن الصحامة سلطة لا تحبها السلطة، كل سلطة، انها عداوة كار عمرها من عمر التاريخ". ووصف المؤتمر بأنه "مهرجان الحرية والكلمة في العالم العربي". ونبه الى "ان لا احد ينتظر منا في اطلاق القول تورعاً جباناً ولا مداراة هلوعاً ولا لهجة مُقنعة مذعورة. فلا سلطة في ديار العرب الا للعرب. من أحب العرب وحرية الصحافة العربية أحببناه. ومن أبغض العرب وحرية الكلمة وضع هو نفسه موضع الحقد والبغضاء والكراهية. ومفهومنا للحرية ينطلق من أن ليس على الأرض اناس يُخيفون بل ان عليها اناساً يخافون ونحن حتماً لسنا منهم ولن نكون". وتحدث الوزير السبع عن "الدور الرائد الذي ادته صحافة لبنان"، مشيراً الى "تراجع بعض وجوه هذه الوظيفة خلال العقدين الأخيرين نتيجة المتغيرات السياسية والفكرية التي نشأت في عالمنا العربي في الربع الأخير من هذا القرن ونتيجة التداعيات الداخلية التي حاصرت الصحافة في الأزقة اللبنانية". وأكد المعادلة التي تعتبر من الثوابت "ان اي حرية ستبقى ناقصة من دون صحافة حرة"، ورأى في المقابل "ان من حق اللبنانيين وفي سائر المواقع السياسية والاعلامية ان يعبّروا عن قلقهم اذا اراد البعض ان يتجاوز حدود الحرية أو أن يستخدم وسائل التعبير عن الحريات العامة قاعدة للردح السياسي أو للفلتان الأخلاقي أو للاعتداء على القيم الراسخة في مجتمعنا العربي اللبناني". وأشار الى "ان قضية الحريات الصحافية لا تنفصل عن قضية التحديث في مجتمعاتنا العربية سواء أكان يتناول القوانين أو الآليات الجارية في صناعة الصحافة". وقال "ان حرياتنا لا تقف عند حدود حريات الآخرين فحسب، بل يجب ان تقف ايضاً عند حدود كرامات الاخرين، من دون ان تتحول حدود الكرامات حصوناً مدججة بالقمع، وكل المبررات التي تجعل ساحة الكرامات الشخصية اكبر بما لا يقاس من مساحات الحريات العامة. وأقول هذا الكلام وأنا على علم أن هناك تداخلاً عندنا بين حدود الكرامات وحدود الحريات وهو التداخل الذي نأمل أن يستقر على معادلة التعايش لا على معادلة التنافر". وتحدث رئيس اتحاد الصحافيين العرب ابراهيم نافع عن التحديات التي تواجه الحريات العامة في العالم العربي نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية، مؤكداً ادانة الاتحاد لها. وتناول الارهاب والاغتيال اللذين يتعرض لهما الصحافيون في بعض الدول العربية. وقال "ان لجوء الجماعات الارهابية الى سلاح الاغتيال في حق الصحافيين يعكس افلاسها الفكري وزيف دعاواها". وألقى نقيب الصحافة اللبنانية محمد البعلبكي كلمة تناول فيها الحرية "القيمة الأساسية في حياة الإنسان". وقال انها "الأساس والأصل ويبقى القانون الذي ارتضيناه هو الحكم وله في كل نزاع القول الفصل ويبقى عندنا، فوق القانون، الضمير الوطني، ولن يرتضي احد أن تكون الحرية يوماً سبيلاً الى ايذاء الوطن أو ايذاء الناس أو التعدي على الحرمات العامة أو الخاصة، اذ لم تفترق الحرية يوماً عن المسؤولية فما هي بالفوضى ولا هي بالإباحية، وقد كان لنا ولا يزال من الرقابة الذاتية على أنفسنا وعلى أقلامنا ما يجب أن يجنبنا الوقوع في الزلل بإساءة استعمال الحرية". وكانت الكلمة الاخيرة للأمين العام للاتحاد الدكتور صلاح الدين حافظ فتناول الازمات المتلاحقة التي تواجه الصحافة في الوطن العربي. وقال "على رغم ان موجة الديموقراطية عمّت العالم منذ الثمانينات، فان نصيب العرب لم يكن كما كان مأمولاً، الامر الذي أثر سلباً في مناخ حرية الصحافة في وقت يكثر الحديث الرسمي في عالمنا العربي عن النعيم الديموقراطي والانفلات الصحافي الامر الذي لا يصدقه الرأي العام ويكذبه الواقع المعاش والممارسة الواضحة". وأكد حافظ "ان الحريات العامة وحرية الصحافة لم تعد مجرد منحة من حاكم لمحكوم عبر قانون أو دستور يملك اقراره أو رفضه، فقد تجاوزت الانسانية من خلال مراحل التطور المعقدة فترات الحضانة وشمخت الى النضج ومعه تتكامل الحاجات وتترسخ الحقوق". ودعا الى اعادة صياغة علاقات جديدة بين الصحافة والسلطة الحاكمة "فاذا جارت الصحافة على السلطة احياناً عبر ممارسة النقد حتى وان اشتد وقسا فان السلطة تجور على الصحافة وتقهر حريتها في معظم الاحيان باسم حماية الحرية وضبط الانفلات الصحافي وصيانة أمن المجتمع". ورأى "ان دخول القرن الحادي والعشرين يتطلب شروطاً اربعة: ضمان حرية الصحافة وانسياب المعلومات والحد من احتكار السلطة والثروة في مقابل توسيع دوائر المشاركة الديموقراطية واطلاق حرية الرأي والتعبير والاعتقاد والاجتماع والتنظيم لكل قوى المجتمع وبدء تنمية اقتصادية - اجتماعية شاملة تقوم على العدالة الاجتماعية". وأقام الرئيس الحريري مأدبة غداء على شرف المشاركين في المؤتمر الذين التقوا مساء الرئيس بري واعتذروا عن عدم تلبية دعوته لحضور افتتاح مهرجانات صور، واوضح النقيب كرم ان الاعتذار سببه حضور رئيس الجمهورية الاحتفال. وكانت الامانة العامة للاتحاد استمعت اول من امس الى وجهة نظر حسن صبرا من حادث بتغرين الذي بات يعرف ب"الصفعة الرئاسية". وعلمت "الحياة" انها طلبت من النقيبين كرم والبعلبكي قراءة البيان الذي صدر في هذا الشأن عن النقابتين وقررت التزامه. ومن المقرر ان يصدر المؤتمر اليوم توصياته التي من المفترض ان تتضمن تبنياً لبيان النقابتين. وكانت مساع جديدة بذلت قبل 48 ساعة من انعقاد المؤتمر بين قصر بعبدا والنقابتين لتسوية المسألة وتدخل عدد من الوزراء وسطاء بين الطرفين الا انها لم تسفر عن اي مخرج، وقال صبرا ل"الحياة" انه تجاوز الموضوع الشخصي وهو ملتزم ما تقرر النقابتان. يبقى ان مشروع توصيات المؤتمر سيتضمن تمنياً على الدول العربية كافة اصدار عفو عام عن جرائم المطبوعات ووقف ملاحقة الصحافيين الموقوفين والافراج عن المحكومين، ودعماً للصحافيين الجزائريين وتضامناً مع رئيس تحرير "القبس".