في أميركا تصبح الأفكار امبراطوريات. تنتشر في كل مكان. لا حدود للمال الذي يتزوج الأفكار الناجحة. يموت أصحابها، لكنها تبقى تنمو بعدهم. غداً، تقام مراسم دفن رجل يدين له العالم بفكرة الوجبات السريعة. ريتشارد أو "ديك" ماكدونالد توفي في مدينة مانشستر الأميركية أول من أمس عن 89 سنة. الشركة التي تحمل اسمه أصدرت من مركزها، في ضاحية شيكاغو، بياناً نعى الراحل ومآثره. وذكر براد تراسك الناطق باسم الشركة، الذي اتصلت به "الحياة"، انه لن تكون هناك مراسم عامة للجنازة بناء على طلب العائلة التي أرادتها هادئة، بعيدة عن الاضواء. نهاية الأربعينات كان "ديك" وأخوه يملكان مطعماً في مدينة سان برناردينو، في كاليفورنيا، يقدم لائحة وجبات تتضمن 25 صنفاً من المشويات. كان المطعم يدر دخلاً مئتي ألف دولار في السنة. الأخوان لم يكتفيا بذلك العائد الكبير، فقررا تغيير شكل المطعم ومحتوى الوجبات. في كانون الاول ديسمبر 1948 اتخذ المطعم، الذي منه انطلقت فكرة الوجبات السريعة، شكله النهائي. عدد الطلبات المتاحة انخفض إلى تسعة: هامبرغر، تشيزبرغر، ثلاثة أنواع من المرطبات، حليب، قهوة، شرائح بطاطا مقلية وفطيرة حلوى. ولم يلبث الأخوان أن زادا الحليب المخفوق وأعواد البطاطا المقلية إلى اللائحة. الفكرة كانت بسيطة: الزبون يخدم نفسه بنفسه، والوجبة المقدمة سريعة التسليم. راجت الفكرة، ومع الرواج عمد الأخوان الشريكان إلى بناء مواقف بيع من الپ"ستانليس ستيل" واعتمدا تقنيات الانتاج الصناعي في تقسيم مراحل العمل والانتاج. في فترة قصيرة تضاعف دخل المطعم مرتين. كان الازدحام في ساعات الذروة يوصل طوابير الانتظار الى 150 زبوناً. عام 1952 أدى مقال نشر في مجلة "أميركان رستورانتز ماغازين" إلى انهمار أكثر من 300 طلب استفسار كل شهر. الامتياز الأول منحه الاخوان لنيل فوكس، في مدينة فينيكس في أريزونا. ومع الترخيص الأول رسما شكل سلسلة المطاعم التي حملت اسمهما حول العالم: بناء بالآجر الأبيض والأحمر، مع سقف مائل والأقواس الذهبية التي صارت شعار سلسلة "ماكدونالدز". لكن الانطلاقة الحقيقية لفكرة الوجبات السريعة في الولاياتالمتحدة لم تبدأ إلا عام 1954 على يد راي كروك، وكان بائع آلات لخفق الحليب المثلج، اكتشف أهمية الفكرة واقنع الأخوين باعطائه وحده حق امتياز لبيع امتيازات الاسم في الولاياتالمتحدة. وفي 2 آذار مارس 1955 أنشأ كروك شركة "ماكدونالدز سيستم انكوربوريشن" لبيع الامتيازات. وخلال اربع سنوات فقط بلغ عدد المطاعم التي تحمل اسم "ماكدونالدز" 228 تجاوزت ايراداتها 6،37 مليون دولار وباعت بحلول عام 1960 أكثر من 400 مليون فطيرة هامبرغر. عام 1961 سيطر كروك على الشركة التي أنشأها، وبعد عامين صارت سلسلة مطاعمه تبيع مليون فطيرة هامبرغر في اليوم، وعام 1965 عقد أول مؤتمر سنوي لمالكي امتيازات "ماكدونالدز" في الولاياتالمتحدة، وفي السنة التالية تم تعويم الشركة في وول ستريت ليتضاعف سعر أسهمها مرتين في أسابيع قليلة. الأخوان ماكدونالد أكملا طريقهما كما جميع البشر. الأول: "ماك" توفي عام 1971 وكتبت عنه الصحافة آنذاك باسهاب كما تكتب اليوم عن أخيه "ديك". أول من أمس رحل الشقيق الثاني. عدد مالكي امتيازات "ماكدونالدز" في 111 بلداً حول العالم يبلغ 4500 فرد وشركة، وعدد المطاعم التي تنتمي الى السلسلة 23 ألفاً، تملك "ماكدونالدز" 15 في المئة منها. وتلقت الشركة امس آلاف الاتصالات من وسائل الاعلام حول العالم. هناك 5،1 مليون شخص يعملون في مطاعم "ماكدونالدز". وبلغت العائدات السنة الماضية 33 بليون دولار. منذ مطلع التسعينات لم تعد الشركة تحصي عدد سندويتشات الهامبرغر التي تبيعها بعدما تجاوز العدد 100 بليون، وهي تنمو بمعدل 2000 مطعم سنوياً.