عزالدين ميهوبي شاعر وعضو قيادي في إتحاد الكتاب، وعضو في البرلمان أو "المجلس الشعبي الوطني" عن "الحزب الوطني الديموقراطي" الحاكم. وخلال وجودي في الجزائر، انتخب رئيساً للإتحاد. "الحياة" التقته في فندق "الجزائر" في العاصمة، حيث يقيم البرلمانيون وبعض السياسيين الجزائريين، وكبار الصحافيين ممن جرى تهديدهم بالقتل، وطرحت عليه أسئلة تتعلق بعلاقة الثقافة بالسياسة، وبما يمكن أن يقدمه للثقافة من خلال وجوده في البرلمان التعددي الأول. ما الذي يمكن لشاعر ومثقف أن يفعله من خلال وجوده في المؤسسة التشريعية لصالح الثقافة والوضع الثقافي في الجزائر، ما الذي تفكر في القيام به من أجل الثقافة والمثقفين تحت قبة البرلمان؟ - دعني أولاً أطرح سؤالاً: ترى كيف نتصور برلماناً من دون مثقفين، وكيف يكون وضع البرلمان إذا كان يضم مثقفين؟ انا شخصياً قبلت باللعبة الديموقراطية، لجأت كما لجأ الآخرون إلى الشعب لأحصل منه على تأشيرة دخول إلى البرلمان، وتمثيل فئة من الشعب في تقرير بعض مصيرها. في مجال التشريع، أعتقد بأن الدولة والمؤسسات يشكل فيها القانون او التنظيم القاعدة الأساسية. الرئيس بومدين قال في الستينات نحن نسعى إلى بناء دولة مؤسسات لا تزول بزوال الرجال والحكومات. إذن، الدولة التي نريد يجب ان تبنى على قاعدة القانون، قاعدة تنظيم الأفراد، قاعدة تهيكل الأفراد في التنظيمات لبناء مؤسسات الدولة العصرية. المجلس التعددي، إذن، الذي دخلناه عن طريق الشعب، هو شرف لنا كفئة تنتسب إلى الثقافة، لأننا نؤمن بأننا لو لعبنا لعبة الكرسي الشاغر، وتركنا المجال لغير أهل الثقافة، فإن وضع الثقافة سيزداد تأزماً، وستصبح الثقافة في وضع لا تحسد عليه خصوصاً بعد الانفجار الذي هزّ المجتمع الجزائري وقوّض أركان الكثير من القيم التي كانت سائدة. وليس معنى هذا اننا ندافع عن كل شيء، إنما نسعى إلى العمل على وضع. أو سَنّ قوانين وإنشاء آليات لتحقيق الفضاء الحر للمثقفين. فقبل ان نؤمن له الجوانب المادية، نؤمن له فضاء حراً، من خلال القوانين من خلال إشعار السلطة بضرورة ترك المجال مفتوحاً له حتى يكون في وسعه ان يعبّر عن رأيه وفكره بمطلق الحرية، وبعيداً عن اي ضغوط واستفزازات، وبعيداً عن اي محاولة لايجاد مظلات يتفيأ تحتها البعض، او فرض لغة خاصة يتبناها المثقف مكرهاً. لا... نحن مع التشديد على حرية المثقف. وبكل صراحة أقول اننا نريد ان نكون نموذجاً لحرية الابداع والفكر والصحافة، على الأقل على مستوى العالم العربي. والشعب الجزائري دفع ضريبتين من أجل تحقيق هذه الحرية: مرة امام الاستعمار، وها هو يدفعها اليوم من أجل الديموقراطية والحرية وتقرير مصيره بعيداً عن أية وصاية او قوة. ووجودنا في البرلمان، على رغم اختلاف رؤانا الحزبية، يتيح لنا ان نسعى إلى تأمين شروط الانطلاق إلى ثقافة حرة، واعية، وترتكز على الموروث الحضاري للشعب الجزائري. ان جيلاً من عنصر الثقافة يحاول، بالتالي، ان يكون موجوداً في كل مواقع الدولة الجزائرية. وهذا شرف للمثقفين الذين لم يطلبوا من السلطة ان تمنحهم هذا الامتياز، وإنما لجأوا إلى الشعب الذي هو في النهاية البوابة التي تمرّ منها الشرعية. "اتحاد الكتاب" فضاء للإختلاف بدورك، كيف ترى إلى هذا الرهان، وهل تظن بانه رهان استراتيجي لا عودة عنه وذلك من خلال موقعين لك: البرلمان وأنت عضو فيه، واتحاد الكتاب وانت رئيسه المنتخب قبل أيام؟ - نحن لا نريد ان يكون "اتحاد الكتاب" في الموقع الثقافي كموقع الحزب الواحد في السياسة. وعندما نقول اننا نؤمن بالتعددية فذلك يعني اننا نؤمن بتعددية التنظيمات. ومن حق المثقفين والكتاب ان يُهَيْكلوا ضمن جمعيات مختلفة. فإن لم يعجبهم "اتحاد الكتاب" كهيئة ثقافية، أو أنهم ينظرون إليه من دون ان تكون صورته الأولى ايام الحزب الواحد قد تغيرت مع المتغيرات، فإننا يجب ان لا ننسى أن أغلب الذين أسسوا الجمعيات الثقافية خلال السنوات الأخيرة كانوا أعضاء في هذا الاتحاد، وكانوا عناصر فاعلة فيه، ونحن نرى إلى خروجهم من الاتحاد وعملهم على تأسيس الجمعيات الثقافية بمثابة أضافة تدعو إلى السعادة. وأنا اتمنى ان تكون في كل مدينة جمعية بحجم "الجاحظية"، مثلاً، وبحجم "اتحاد الكتاب"، فكلما عمت الجمعيات الثقافية الفرعية والمستنيرة والقوية، فإن المثقف سيتقدم باستمرار خطوة إلى الأمام، ويتقدم معه الوعي الجمالي في المجتمع. لن نمارس عملية اقصاء أو محاولة الغمز من قناة أي تنظيم ثقافي آخر، بل على العكس من ذلك نحن نؤمن بالعمل التعددي. اتحاد الكتاب يجب ان لا ينظر إليه بنظارة الماضي، فهو اليوم محكوم بأن يتأقلم مع مناخ التعددية، ويمكنه ان يكون فضاء للإختلاف، ولكل الجمعيات. فالاتحاد يسمح بان ينتمي اعضاؤه إلى جمعيات ثقافية أخرى. وهو ليس ملكاً لأحد، كما انه لا يستطيع ان يفرض الوصاية على أحد. عرفت من خلال جولاتي في الجزائر ولقاءاتي مع الكتاب الجزائريين أن كثيرين منهم يحتفظ في أدراجه بعدد من المخطوطات الشعرية والروائية والقصصية والفكرية. هناك نتاج هائل محبوس في الأدراج، ولا يعرف صاحبه ماذا يفعل به، خصوصاً ان مؤسسة الكتاب قد جرى حلها. أما يمكن للاتحاد مثلاً ان يخوض في فكرة النشر بحيث يقدم سلاسل أدبية روائية وشعرية وقصصية، فيحلّ بذلك مشكلة هي الأكثر الحاحاً وصعوبة على صعيد الثقافة في الجزائر اليوم؟ - مسألة النشر شائكة جداً في الجزائر، والمطابع هنا مطابع استهلاكية أكثر منها استثمارية، وسنوات دعم الكتاب انتهت في الجزائر، فكيف إذن يمكننا ان نقدم سلعة قابلة للرواج من دون الحاجة إلى دعم نتلقاه من جهة ما؟ هذه هي الصورة الراهنة. نحن في الاتحاد نسعى إلى اقتناء مطبعة لأن في هذا استثماراً للإتحاد وتخفيفاً للأعباء. هذا بين أهدافنا الأولى، من ثم التكفل بإصدار الأعمال الأدبية الجيدة. ونريد من الاتحاد ان يقدم اعمالاً أدبية وشعرية وروائية وقصصية وكذلك فكرية تساهم في بناء معرفة جديدة وفي تغذية السوق الثقافية بالمبتكر والمتطور في الكتابة الجزائرية. أما أن ننشر اعمالاً أدبية شعرية وسردية فقط بغرض تلبية طموحات ونزوات البعض من الكتاب، فهذا ما لن نفعله أبداً. نحن نريد من منشورات اتحاد الكتاب المقبلة ان تكون فاعلة في الساحتين الثقافية والسياسية على حدّ سواء، وعندما ننتج عملاً فيجب ان يترك بصماته على الصعيدين الثقافي والسياسي، وإلاّ فإننا سنبقى ظلاً ل "السياسي" وهذا ما لا نريده. وجواباً على سؤالك، فإن هدفنا النشري مبيت، إن صح التعبير، وهو جزء من خطة اوسع سنعمل على تطبيقها في الاتحاد ونكفل لها الدعم من خارجه، حيثما كنا، وكانت لنا القدرة على التأثير لصالح الثقافة. هل فكرتم بالنشر المشترك مثلاً، داخل الجزائر وخارجها؟ - هذه فكرة يمكن مناقشتها، وهي ممكنة جداً. هل ستقبلون، مثلاً، صيغة للنشر تقوم على التالي: نشر كتاب عربي في الجزائر، وكتاب جزائري في العالم العربي من خلال دور النشر الموجودة في بيروت والقاهرة ودمشق وغيرها من العواصم الناشطة في مجال النشر، وهذا يمكن ان يعزز من حالة التعريب الثقافي لديكم؟ - ممكن جداً، فنحن منفتحون على كل شكل من أشكال التعاون مع اخوتنا العرب. وسنعمل المستحيل لتحقيق مثل هذه الرغبة فهي كامنة في نفوس الجزائريين الذين يشعرون بأنهم كمن يبني قصراً على الرمال. نحن نريد أن يكون لنا امتدادنا في العالم العربي فهو محيطنا، وهو فضاؤنا الأوسع. السنوات العشر الأخيرة شهدت في الجزائر ضموراً في حضور الكتاب، ليس العربي فقط، بل والاجنبي حتى، والفرنسي مثلاً. لكنني اطلعت في بعض المكتبات على كتب بالفرنسية صادرة العام الماضي، بالمقابل فإن احدث كتاب عربي مستورد يعود تاريخ صدوره إلى أواسط الثمانينات، أو حتى مطلع الثمانينات؟ - هذا صحيح، لكن القطاع الخاص مسموح له باستيراد الكتاب، والدولة لا تمنع أحداً من استيراد الكتب عربية كانت أم بلغات أخرى. المسألة مرتبطة بوعي الذين يعملون في هذا القطاع. من هنا، إذن، هل ترى ان هناك حاجة لترشيد هذه السوق، سوق استيراد الكتب؟ - نحن في مرحلة انتقال من وضع إلى وضع. وفي هذا المجال نحن ما زلنا نخضع لعملية الترتيب. والآن. أنا اعرف الكثير ممن يعملون في صناعة الكتب، يشكون من ارتفاع الرسوم الجمركية على الورق، وبالتالي هناك حاجة لتخفيض هذه الرسوم… وعندما يحدث ذلك لن تعود في حاجة إلى استيراد الكتب، لأنك ستطبعها. وبالتالي، فإن غلاء الكتاب في الجزائر سببه غلاء الورق. قوة تفاوضية لكن هذا لا يحلّ مشكلة استيراد الكتاب العربي؟ - الأمر هنا، أيضاً، مرتبط بغلاء سعر الكتاب. والسؤال هو حول الصيغة التي يمكنها ان تجعل الكتاب المطبوع او المستورد اقل كلفة، ومعقول الثمن بالنسبة إلى القارئ وقدرته الشرائية. والعملية يجب ان يقوم بها الذين هم في البرلمان أولاً، والجمعيات الثقافية ك "الجاحظية" و"رابطة كتاب الاختلاف" و"اتحاد الكتاب" وغيرها بحيث تتشكل قوة تفاوضية مع الجهات التي بيدها القرار في المسائل الاقتصادية، في سبيل تخفيض الرسوم الجمركية على الورق وبقية مستلزمات الطباعة، بحيث نتمكن من تحسين شروط انتاج الكتاب واستيراده، بما يعزز مكانة الثقافة في الشارع الجزائري. فما الفائدة من ان تطبع كتاباً مرتفع الثمن، او تستورد كتاباً مرتفع الثمن، ثم لا تجد له شارياً! هل هناك امكانات لاقامة معرض كتاب وطني؟ - المعرض موجود، لكنه متوقف ويمكن إعادة تفعيله، ويمكن ان يبادر اتحاد الكتاب بالتعاون مع دور النشر والمؤسسة الوطنية للمعارض لتنظيم مثل هذا المعرض. المسألة مسألة وقت، وهي تخضع للتفاوض والحوار مع الجهات التي يمكن ان تشارك في مثل هذه المشروعات. لكن من أولوياتنا، وأنا أقولها لك بصراحة، كيف نظهر للرأي العام موقف المثقف والمبدع الجزائري في وطنه. وعندما أقول المثقف الجزائري فإنما أعني المثقفين والمبدعين الذين لم يغادروا الوطن هرباً من مواجهة المحنة ومخاطرها، وإنما فضلوا البقاء إلى جانب شعبهم ليكونوا طليعة يمكن ان يؤثر رأيها في الناس، ويمكن لأدبها ان يؤخذ على محمل من القناعة به، ما دام أدباً يصدر عن مشاركة الناس في ظروفهم القاسية وآلامهم التي لم تتوقف من جراء المحنة التي ألمّت بوطنهم، والأحزان التي تفجرت في حياتهم بفعل الانفجار الذي عصف بالجزائر. وأعني بهم، صراحة، مثقفي الداخل الذين عاشوا الخطورة، وما زالوا يعيشونها. أولوياتنا هي كيف نقف إلى جانب شعبنا في هذه المحنة. أما المسائل الأخرى، فهي بالنسبة إلينا مسائل تقنية، واهداف يمكن أن تنجز بعمليات اتصال روتينية وإجرائية. اتحاد الكتاب ظلّ غائباً عن الساحة لست سنوات تقريباً، وها نحن نحاول تفعيله من جديد، نحاول ان يكون له مكان الصدارة في الساحة الثقافية، وان يكون إلى جانب باقي الفاعليات الثقافية في البلد. في عهدتنا ثلاث سنوات سنحاول ان نحقق فيها الكثير للأدباء الجزائريين، خصوصاً لجيل الشباب الذي يشعر بحالة التهميش وعدم الاهتمام واللامبالاة بإزاء قضاياه وطموحاته. نريد التكفل بهذه الفئة التي نتوقع أن تكون القوة الدافعة بجزائر المستقبل. ما هو، في نظرك، السؤال الثقافي أو الأسئلة الثقافية الجامعة في الجزائر اليوم، إن كانت موجودة، بعد تلك الخضة الهائلة التي ضربت البلاد؟ - السؤال الأساسي هو طالما اننا في تعددية، والجزائر تشهد تنوعاً ثقافياً وتنوعاً في الطروحات، كيف يمكن ان نصل إلى الحد الأدنى من الاتفاق على عدم الاقصاء، وكيف، بالتالي، نتجاوز حالة الاقصاء التي يُمارسها طرف على آخر. والسؤال موجه إلى الذي يكتب بالعربية والذي يبدع بالفرنسية، أو ربما بالانكليزية أيضاً. كيف يمكن ان نتجاوز هذه الحالة؟ هذا هاجسي الشخصي وإذا تمكنا من تجاوز حالة الإقصاء نكون قد حققنا الكثير.