بجناحين قوامهما اللغة العربية والفرنسية قدم الروائي الجزائري أمين الزاوي للساحة الإبداعية 12 رواية، ست منها باللغة العربية ومثلها باللغة الفرنسية، هذه المجموعة ترجمت إلى أكثر من 13 لغة، كتبها بأسلوب متمرد، فتناوله للثورة الجزائرية تجاوز فيه السائد من الحماس والبطولة إلى التناول السيكولوجي بمفهوم الحقد والكراهية، وروايته «اليهودي الأخير في طمنتيط» استشرفت التعصب الديني الذي يحصل الآن في الساحة الجزائرية.. كل هذه الروايات ظل دائم البحث بها عن قارئ غير مطمئن للحياة، مشوش وحائر ودائم الأسئلة، يخاف نوعية القراء الذين لا يفرقون بين الأجناس الكتابية.. الزاوي يرى أن مغامرة الكتابة باللغة الأجنبية تجعلنا أكثر اتزانًا في الإطلالة على العالم دون عقدة، ويرى أن اللغة الفرنسية مضيافة للاستماع والإنصات إلى موسيقى اللغة العربية، ينظر إلى الخطوات البطيئة لمسيرة الحداثة في الأدب العربي بقلق، عائبًا على اتحاد الكُتاب الجزائريين عقليته الاقصائية، معتبرًا أن ممارساته الحالية ستقبر تاريخًا كاملًا من نضال المثقفين الجزائريين.. ينظر إلى الأدب النسائي السعودي بانتباه مكنه من إنجاز دراسة عنه نشرت بالفرنسية في عدد من المطبوعات الأوروبية.. العديد من المحاور طرحها «الأربعاء» في هذا الحوار مع الكاتب والروائي الجزائري أمين الزاوي الذي يعمل حاليًا أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية، كما أنه أستاذ زائر في كثير من الدول الأوروبية.. التحليق بجناحين * تكتب الرواية باللغتين الفرنسية والعربية.. فما يميز رواياتك المكتوبة عن بعضها؟ أحب الكتابة باللغة العربية، وأشعر بالسعادة حين أغرق في هذه اللغة، لكن أيضًا أحب اللغة الفرنسية، وأشعر بأن المغامرة داخل اللغة الأجنبية تقدم لك حينما تكتب بلغة العربية أشياء جديدة، مخيالات جديدة، لأنني أعتقد أن التحليق بجناحين وهو جناح اللغة الفرنسية وجناح اللغة العربية يجعل منا كمثقفين وكمبدعين أكثر اتزانًا لأننا نطل على العالم الغربي دون عقدة، ونقدم له شهادة على وجودنا، وشهادة على رؤيتنا للعالم، وفي الوقت نفسه حينما نكتب باللغة العربية أيضًا نقدم للقارئ كثيرا مما يعيشه الإنسان في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية، وأعتقد أن القارئ العربي بحاجة إلى أن يعرف ماذا يحصل في الجهة الأخرى من العالم. تسامح في طمنتيط * روايتك «اليهودي الأخير في طمنتيط» التي ظهرت مؤخرًا باللغة الفرنسية عالجت موضوع التعايش الديني برؤية إبداعية.. أي رسالة أردت إيصالها عبر هذه الرواية ولمن؟ طمنتيط هي منطقة في جنوب صحراء الجزائر، كانت هذه المدينة الصغيرة جدًّا في الصحراء معروفة بتواجد اليهود الجزائريين فيها، وأنا عدت إلى تاريخ أسرة من الأسر اليهودية الجزائرية، فحاولت أن أقدم من خلال هذه الأسرة كيف أن التسامح الديني كان موجودًا، كيف أن المسلمين واليهود والمسيحيين تعايشوا في هذه المدينة دون مشاكل ودون تعصب، كان همهم الوحيد هو بناء هذه المدينة، مدينة طمنتيط، ولكن في الوقت نفسه تستشرف الرواية التعصب الذي يحصل الآن، وثقافة التعصب وثقافة اللاتسامح لاغية بذلك حوار الحضارات. قارئ مشوش وحائر * حصيلتك الإبداعية بلغت 12 رواية.. فكيف ترى تفاعل القارئ الجزائري مع ما تكتبه؟ أنا لي قراء كثيرون، وربما أعتبر من أكثر الكُتّاب الذين يقبلون على كتبهم في الجزائر سواء الناطقة بالفرنسية أو العربية، يعني رواياتي تنفذ في ظرف أشهر، فلا توجد في الجزائر رواية طبعت خمس أو ست مرت خلال سنة مثل ما هو حاصل معي، فالقارئ الجزائري يقبل بنهم كبير على رواياتي التي نشرتها حتى الآن. أنا معروف ككاتب المرأة وكاتب التابوهات، سواء ، فكتاباتي دائما تترك السؤال لدى القارئ، لا أريد قارئًا مطمئنًا للحياة، أريد قارئًا مشوشًا، دائمًا يتساءل في حيرة وقلق ولا يعيش في طمأنينة، وأعتقد أن القارئ الجزائري يذهب معي في هذا الاتجاه، ولكن مع ذلك أقول أيضًا القارئ مخيف حين لا يميز ما بين الرواية مثلًا وبين النص الديني أو النص الشرعي وما إلى ذلك، الرواية فيها جنون، فيها حرية، وفيها ضفاف مفتوحة، أما الشريعة وما إلى ذلك فهي نصوص أخرى. غياب عن الساحة العربية * ما هي مساهمتك بوصف كاتبًا جزائريًا في التعريف بالأدب الجزائري خارج الحدود؟ أعتقد أن أعمالي وصلت إلى قراء كثيرين في العالم العربي؛ فمثلًا رواياتي مثل الرواية الأخيرة «أحادي التيوس» باللغة العربية التي صدرت في بيروت أو ما قبلها «شارع إبليس» أو»الرعشة « أو «السماء الثامنة» كل هذه الأعمال ساهمت في التعريف بالأدب الجزائري.. صحيح لا يزال صوت الأدب الجزائري لم يصل بالشكل الذي يجب أن يكون عليه، وهذا يعني أننا لا زلنا تحتاج إلى تراكم أكثر لتوصيل هذا الصوت الروائي الجزائري، وما يحتاجه العالم العربي اليوم، وأقصد القراء والمهتمين بالأدب الجزائري، هو كيف يمكن أن نترجم الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية إلى قارئ نصوص عربية، خاصة وأن لنا أسماء روائية كبيرة جدًّا في باب الكتابة بالفرنسية من آسيا جبار، ومحمد ديب، ومالك حداد، وياسمينا خضراء، وبوعلام صلصال، وأسماء أخرى أصبحت مقروءة من اليابان إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولكن للأسف لم تصل بعد إلى العالم العربي، فيمكن توصيل ذلك ليس بشكل فردي إنما في ظل مشروع ثقافي، مؤسسات تتولى توصيل هذا الأدب إلى القارئ العربي خاصة وأن هذا الأدب الآن يطرح إشكاليات كبيرة في الحوار مع الآخر، يطرح إشكاليات كبيرة حول العنف الذي عرفته الجزائر، وأيضًا كيف يمكن خلق صورة أخرى عن الإنسان العربي المسلم وغير المسلم في ذاكرة الآخر. سطوة الثورة الجزائرية * المتابع للأدب الجزائري ما زال يلاحظ سيطرة أدب المقاومة.. لم تتواصل هذه الكتابة إلى اليوم؟ لا أعتقد أننا سنوقف موضوعات الثورة الجزائرية من كتاباتنا ونحن على أبواب الاحتفال بالذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر، وأعتقد أن الكتابة الآن عن الثورة الجزائرية كتابة تأملية لم تعد كتابة الحماس الذي عرفه الجيل الأول من الكتاب باللغة العربية أو الفرنسية، الأدب الجزائري الآن كما أراه وكما أمارسه في الرواية قد أدار الصفحة أمام هذا الأدب الحماسي، أدب الاحتفال والبطولة وما إلى ذلك نحن أمام بناء مجتمع جديد، مجتمع يقوم على الإنسان، يقوم على الدولة، على المؤسسات المدنية إلى غير ذلك، أكيد حينما خرج الأدب الجزائري من كتابة الثورة سقط في كتابة العنف الذي عرفته الجزائر من سنة 1990 إلى سنة 2000، عشر سنوات حمراء عاشتها الجزائر، وكنت قد قدمت في ندوة من الندوات في أوروبا أكثر من 360 رواية جزائرية تتناول موضوع العشرية الدموية في الجزائر التي ذهب ضحيتها أكثر من 200 ألف جزائري، فعنف تلك المرحلة سحبت الأدب الجزائري إليها لكن بثقافة أخرى ليست ثقافة جيل الأول التي كانت ثقافته بسيطة، أنا بدوري كتبت عنها. تعثر الحداثة * كيف تبدو معالم الحداثة في الأدب الجزائري اليوم؟ هذا سؤال كبير.. الحداثة الآن لا توجد في منطقة جغرافية واحدة، فهي حداثة الجميع، حينما أكتب مثلًا أشعر بأنني أكتبه للعامة، أكتبه لتونس، أكتبه للسعودية، أكتبه لجنوب إفريقيا.. فأعتقد أن الحداثة الآن أصبحت مشروعًا فلسفيًّا عامًا، كيف تعامل الأدب الجزائري مع هذه الحداثة، أعتقد أنه لا يزال شأنه شأن الأدب العربي بشكل عام يتعثر ما بين الرؤية الماضوية والحداثة، خاصة عندما أتحدث عن الكتاب باللغة العربية، فهذا الحنين إلى الماضي مع نوع من الجرأة للبحث عن الأمام هي حالة الأدب العربي بشكل عام، في حين أن الأدب المكتوب باللغة الفرنسية يبدو انه أكثر جرأة نحو الحداثة نتيجة للمرجعيات والقراءات التي يعتمد عليها، وأيضًا تكوين الأديب باللغات الأخرى. خصوصية جزائرية * بعامة.. ما الذي يميز الأدب الجزائري عن الآداب العربية الأخرى؟ هناك بالفعل خصوصية في الأدب الجزائري، وهذه الخصوصية جاءت أولًا من الموضوعات المطروحة في الأدب الجزائري، كنا قد تحدثنا عن موضوع الثورة الجزائرية، وأعتقد أن لا أدب في الوطن العربي باستثناء الأدب الفلسطيني الذي تحدث عن المقاومة مثل ما تحدث عنه الأدب الجزائري، يبقى الأدب الجزائري والفلسطيني هما التجربتان الأدبيتان اللتان تحدثتا عن هذه المقاومة، ثم أيضًا التجربة مع العنف ومع الحرب الأهلية أيضًا، أعتقد أن هناك أدبين في العالم اللذين تحدثا بهذا العنف وبهذه القوة هو أدب إسبانيا حول الحرب الأهلية بإسبانيا والأدب الجزائري حول الحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر 1990 إلى سنة 2000، إضافة إلى الموضوعات التي تميز الأدب الجزائري هناك ما اسميه العلاقة المفتوحة بين اللغات، خاصة التجربة باللغة العربية واللغة الفرنسية وهي بالفعل تعطي نوعا من الخصوصية للكتابة باللغتين، هناك نوع من المضيافية في اللغة، اللغة الفرنسية أشعر بها مضيافة للاستماع والإنصات إلى موسيقى اللغة العربية، فمن خلال تجربتي أشعر بأن هناك نوعًا من الموسيقى، نوعًا من الموسيقى على إيقاع اللغة العربية، بمعنى «جزأرة» هذه اللغة الفرنسية وبالعكس، وأنت تكتب باللغة العربية تشعر بنوع من الموسيقى القادمة من اللغة الفرنسية، وبالتالي تعطي لهذه اللغة العربية إيقاعًا جديدًا، وأعتقد أن الذي يقرأ روايتي الأخيرة «أحادي التيوس» أو «شارع إبليس» أو «السماء الثامنة» سيشعر بهذه المضيافية في أسلوب اللغة العربية للموسيقى القادمة من اللغة الأجنبية. عقلية إقصائية * كيف تبدو علاقة الكُتّاب الجزائريين مع اتحادهم ورئيسه؟ صديقي الشاعر يوسف شقراء من المفروض أنه ينتمي إلى الجيل الجديد، والجيل الجديد مفروض أن يكون متفتحًا ويكون مفتوحًا على الحداثة وعلى التعدد وعلى الاختلاف وعلى قبول النقد، ولكن للأسف وجدت في إدارة اتحاد الكُتّاب إعادة إنتاج عقلية الحزب الواحد، عقلية الإلغاء، عقلية الإقصاء، ثق أن ندوة اتحاد الكُتّاب العرب التي نظمت أخيرًا في الجزائر لم يسمع بها أحد كأنها هربت تهريبًا إلى فندق، فأعتقد أن هذا ليس من الأخلاق الأدبية لاتحاد الكُتّاب الجزائريين إلغاء احترام التعددية، فيجب أن يكون الاتحاد بيتًا مفتوحًا لكل الكُتّاب دون إقصاء، وأن تكون لنا الشجاعة حين نفشل نقول فشلنا وعلينا تمرير المهمة إلى آخرين، يبدو لي أن الممارسات الحالية لاتحاد الكُتّاب الجزائريين ستقبر تاريخا كاملا من نضال المثقفين في ظل هذا الانغلاق أو الخوف من المختلف والمتعدد. بين هامشين * في أي صورة ترسم علاقة الأدباء الجزائريين برصفائهم الخليجيين وخاصة السعوديين؟ إلى حد الآن العلاقة ما بين الهامشيين، لأن الخليج ظل هامشًا والمغرب ظل هامشًا، والمركز كان بلاد الشام ومصر، لحد الآن لم نستطع خلق مراكز أخرى، فنحن اليوم نحتاج في العالم العربي لهذا الطموح والإبداع الثقافي عدة مراكز، أنا يسعدني مثلًا حينما أقرأ لكاتب مثل قاسم حداد، وهذا يشعرني بالفخر نفس الشيء حينما أقرأ للغذامي، أشعر بأنني أمام كاتب وناقد جدير بالاهتمام، ومثله الكثيرون في المملكة دون نسيان تجربة الكاتبات السعوديات اللافتة للانتباه، وأنا كنت كتبت بالفرنسية دراسة طويلة نشرت في أوروبا حول تجربة الكتابة النسوية في السعودية، وأعتقد أنه حينما أقرأ من الصانع إلى قاسم حداد، أمين صالح وسيف الرحبي وغيرهم، ويسامحني الأصدقاء إذا لم أذكر أسماءهم والذين يشكلون بالفعل لوحة الأساسية في الثقافة العربية في منطقة الخليج، أشعر بنوع من الاطمئنان لمستقبل الأدب العربي، فهو أدب يتقدم بحداثة وفي الوقت نفسه مقاوم لكل ما هو متخلف، لكل ما هو قبيح، وهذا يسعدني، وبطبيعة الحال أيضًا نلتفت إلى الجانب الآخر أيضًا في المغرب العربي، نجد كُتّابًا من المغرب الأقصى وكُتّابًا من موريتانيا، أعتقد أن الأدب العربي من خلال هذين الجناحين أو هذين الهامشين أو ما كان يسمى بالهامش قبل 50 سنة أصبح الآن بالفعل الجناح الذي يحرك بقوة الإبداعية العربية.