سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب وروائيون ونقاد جزائريون يقيّمون الحصاد ويقفون عند تجربة العواصم الثقافية مكتب الجزائر - فتيحة بوروينة
بعد سنة من توشيح الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007وتسليم الشعلة لدمشق
نشر في الرياض يوم 14 - 02 - 2008

طوت الجزائر صفحات توشيحها العام 2007عاصمة الثقافة العربية، ورحلت التظاهرة باتجاه أفق عربي ثقافي جديد لتحل الرحال في دمشق الفيحاء، وبدأ المثقفون في الجزائر يتلمسون ما أضفته التظاهرة من حراك ثقافي يأملون أن لا يتوقف بعد كل تلك الفورة الثقافية التي رجّت الراكد، وكسّرت المألوف وأيقظت فيهم الأمل في أن يتحول ذلك الحراك إلى ديناميكية ثقافية مستدامة تعيد للفعل الثقافي مكانته وتنهض به مجددا بعد كبوة تسببت فيها ظروف أمنية داخلية صعبة طالت أكثر من عشرية كاملة.
"الرياض" وقفت مع عدد من النقاد والكتاب والشعراء الجزائريين عند حصاد السنة الثقافية، عند أهم ما تم استثماره خلال الحدث الثقافي العربي الأكثر الأهمية العام 2007، ومعهم كانت العودة إلى الفكرة الأصل، إلى مشروع العواصم الثقافية العربية نفسها، ما الذي حققته منذ انطلاقها لأول مرة بالقاهرة وحلولها اليوم ضيفا على سوريا العام 2008، مرورا بما يزيد على 10عواصم عربية، هل نجحت في التوفيق بين ثنائية المركز والهوامش، وتجاوز ثقافة البيروقراطية ومنصات السلطة، والاستثمار في التظاهرة بزيادة البنى التحتية والمنشآت الثقافية، أم ترى الصورة ما تزال باهتة، وأن التجربة العربية المستنسخة من الطبعة الأصلية للعواصم الثقافية الأوربية لم تتخلص بعد من طابعها الكرنفالي البحث وتعاليها النخبوي الصرف بعيدا عن نبض ما هو موجود في الواقع.
ودِدءنا لو أنّ كلّ عاصمة ثقافيّة عربيّة تطبع على الأقلّ خمسةَ آلاف عنوان
@ الباحث الأكاديمي والناقد والروائي الدكتور عبد الملك مرتاض
يرى الدكتور عبد الملك مرتاض، رئيس المجلس الأعلى للغة العربية سابقا، ورئيس فرع اتحاد الكتّاب الجزائريين لولايات الغرب الجزائريّ لدى استحداث هذه الهيئة لأول مرّة العام 1975، أن فكرةُ إنشاء نظام العواصم الثقافيّة في العالم العربيّ فكرةً طيّبة في أصلها، وقد تكون الغاية منها نبيلةً في جوهرها حقّاً؛ ذلك بأنّ إحداث مثءلِ هذا النظامِ الثقافيّ الماثل في تكليف عاصمةٍ من العواصم العربيّة، كلّ سنة، بالنهوض بفعاليات ثقافيّة متنوّعة طوال سنةٍ من الزمن، كفيلٌ بأن يعزّز العلاقات الثقافيّة بين الأقطار العربيّة من وِجهة، ويُفءضِي إلى إحداث حركيّة ثقافيّة داخل القطر المكلَّفَةِ عاصمتُهُ بالقيام بهذا النشاط الثقافيّ من وجهة أخرى. وفي هذا منفعة لا تُنكَر. ويتساءل عبد الملك مرتاض صاحب الأعمال الروائية الجميلة منها "مرايا متشظّية" و"هشيم الزمن" و"الحفر في تجاعيد الذاكرة.. (سيرة ذاتيّة)" قائلا "هل حقّقتء هذه الفكرةُ النبيلة التي أحدثتها الجامعة العربيّة أهدافَها، أو شيئاً من أهدافها؟ وهل أفضت، حقّاً، إلى دفءعٍ في الحركيّة الثقافيّة التي هي، أصلاً، في العالم العربيّ، ليست على ما يُرام، إذا قورنت بما يحدُث في العالم المتطوّر؟ وهل يتفاوت مستوى هذا النشاطِ الثقافيّ، بالقياس إلى كلّ سنةٍ، تبعاً للعاصمة العربيّة المكلَّفة بالنهوض به، من حيث كَمُّهُ وتنوُّعُه ومستواهُ؟ إلى أسئلة كثيرة يمكن أن يطرحها المتابع لهذه القضيّة ذات الأبعاد القوميّة النبيلة... ولا يتأخر الناقد الجزائري الذي سُجّل اسمه في موسوعة لاروس بباريس مصنَّفاً في النقّاد؛ كما سجّل في موسوعات عربية وأجنبيّة أخرى في سورية، والجزائر، وألمانيا في الرد على استفهاماته بالتأكيد: "إنّا، من خلال إسهامنا في بعض التظاهرات الثقافيّة العربيّة الجارية في هذا المجرى، وقد اطّلعءنا على هذه الأنشطة في أكثر من عاصمة عربيّة منها الكويت، ومسقط، وعَمّان، والرياض، وصنعاء، والجزائر...، نستطيع أن نثمّن هذه الأنشطة تثميناً إيجابيّاً على نحوٍ عامّ. غير أنّنا حين نصرف الوهم إلى تفاصيل الأشياء ودقائقها، نلاحظ أنّ بعض العواصم العربيّة تُعنَى بالفولكلور والثقافة التهريجيّة الرخيصة أكثر من عنايتها بالثقافة العربيّة الرفيعة في أَصالتها وعمقها وأبعادها الحضاريّة والإنسانيّة. ذلك بأنّا كنّا نودّ لو أنّ كلّ عاصمة عربيّة ثقافيّة تنتهز تلك الفرصة التي لا تتكرّر إلاّ بعد زهاء عشرين عاماً فتجتهد في أن تجعل كلّ مواطنيها، أو المثقّفين منهم على الأقلّ، يشعرون بأنّ هناك، فعلاً، تغييراً يقع في المسار الثقافيّ على المستويين الوطنيّ والعربيّ. وهذا الأمرُ لَمّا يتحقّقء، في تقديرنا الخاص، فقد أُنءفِقتء أموالٌ ضخمة في سنة الجزائر، عاصمة ثقافيّة عربيّة، مثلاً، ولكنّ المعنيّ بالثقافة لم يكدء يلاحظ إلاّ تغيّراً بسيطاً حدث على مستوى الإيقاع الثقافيّ الذي كان قائماً من قبل، والذي يعود إلى سيرته الأولى من بعد ذلك، وبمجرّد إسدال الستار الزمنيّ على نهاية التظاهرة الثقافيّة... فالاقتصار على طبءعِ ألف عنوان، هذا إن وقعَ طبءعُ ذلك فعءلاً، ليس كافياً بالقياس إلى من مقدار المال الضخم الذي خُصِّص لهذه السنة، كما أنّ الحركتين المسرحيّة والسينمائيّة لم تشهَدا تغيّراً يحمِلك على الاِعتقاد بحدوث ما يسترعي الانتباه! لقد ودِدءنا لو أنّ كلّ عاصمة ثقافيّة عربيّة تطبع على الأقلّ خمسةَ آلافٍ عنوان، تتراوح بين الموضوعات الثقافيّة الوطنيّة الخالصة، والموضوعات ذات الأبعاد العربيّة والتاريخيّة؛ إذ توجد كتب كثيرة ذات أهمّيّة عظيمة، ولكنء من العسير إيجاد الإطار المناسب، من الوجهة الماليّة، لطبءعها في غير هذه المناسبة الكبيرة.. وودِدءنا لو أنّ حقوق التأليف، بالقياس إلى المؤلّفين الأحياء، تُضَاعَفُ على الأقلّ، ليُحسّ الكاتب العربيّ، الفقير المحروم، بوجود شيء ما، اسمُه "عاصمة ثقافيّة عربيّة"، بل إنّ بعض دُور النشر الجزائريّة نشرتء عناوينَ، في إطار هذه المناسبة، واستلمت حقوق المؤلّفين من وزارة الثقافة، ثمّ ضحِكتء من المؤلّفين فهضمتء حقوقَهم فلم تُعطِهم شيئاً! ولا أتحدّث إلاّ بما أعلم!"
بعض البلدان لا تستحق أن تكون عاصمة للثقافة
ويستوجب على المثقفين مقاطعتها
@الروائي الطاهر وطار.. رئيس جمعية الجاحظية وجائزة مفدي زكريا المغاربية للشعر
لم تعد العواصم الثقافية في نظر الروائي الجزائري الطاهر وطار، الحائز العام 2005على جائزة الشارقة لخدمة الثقافة العربية، تخدم الثقافة بقدر ما باتت تخدم السياسة والإدارة. فالعواصم العربية أخذت في الآونة الأخيرة مثلما يضيف وطار "طابع الإقحام بصورة غير طبيعية". ويعود صاحب "اللاز" و"الشمعة والدهاليز" و"الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي" إلى عدد من العواصم الثقافية التي حضرها فيقول "حضرت عدة افتتاحات للعواصم العربية، ولاحظت أنها غاصت في الطابع الفلكلوري، وبالتالي تكون العواصم العربية تتبادل فيما بينها الفلكلور فقط والذي بدوره يتشابه بين معظم هذه الدول". ويتوقف الطاهر وطار عند تجربة بلاده ليشير "أعتقد أن ما حدث في المسرح والكتاب هو أهم شيء، حيث تم طبع ونشر كميات كبيرة من العناوين دون رقابة، كذلك أعيد نشر عناوين كثيرة كانت قد نفذت من السوق وهو أمر مهم، أما المسرح تم إنتاج مسرحية كل أسبوع أسفر عن 48مسرحية، كما عرجت دفة السفينة نحو المشرق العربي الذي كدنا نتناسى وجوده واتجهنا بالدرجة الأولى إلى الغرب أو بالأحرى إلى فرنسا، وتم ربط أطراف المشرق والمغرب".
ويرى وطار، الذي لم تتوقف جمعيته "الجاحظية" عن النشاط الثقافي حتى في أحلك أيام الأزمة الداخلية التي شهدتها البلاد مطلع التسعينيات، وظلت تصدر إلى اليوم مجلتي "التبيين" و"القصيدة" وتحتفل سنويا بالفائزين بجائزتها المغاربية للشعر التي تحمل اسم شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، يرى أن بعض البلدان "لا تستحق أن تكون عاصمة للثقافة العربية ويستوجب على المثقفين الأحرار مقاطعتها. فالكتاب هناك مضطهدون من طرف السلطة وأغلبهم في السجن بسبب القمع الذي يتعرضون له في حين تدق الطبول والدفوف باسم الثقافة، وأنا شخصيا مقاطع لبعض الدول العربية ذات الحكم الفاشي وأقاطع كل تلك النظم التي يتوارث فيها الأبناء النظام والتي تدّعي حركية ثقافية جديدة فهي لا تدع صغيرة ولا كبيرة إلا وتتحكم فيها".
بعض المثقفين لا يعجبهم العجب ويعيشون في أبراج عاجية
@ الدكتور أحمد منور.. أستاذ الأدب.. قاص ومترجم
يعتقد الدكتور أحمد منور، أستاذ الأدب العربي بجامعة الجزائر، الحائز على جائزة إمارة الشارقة للقصة القصيرة العام 1999أن القول بغلبة الفولكلور على برامج العواصم الثقافية العربية فيه مبالغة بل "يعكس نظرة نخبوية وفوقية لبعض المثقفين، الذين لا يعجبهم العجب ويعيشون في أبراج عاجية، وينتقدون كل شيء، وقولهم يعكس نظرتهم الفوقية إلى التراث الشعبي". ويرى أحمد منور الذي يكتب القصة القصيرة والنقد والمسرح وأدب الأطفال أن حضور الفولكلور في جانب كبير من فعاليات العواصم الثقافية "لا يعيبها في شيء وإنما هو جزء أساسي ومهم من ثقافات الشعوب، وهو شيء جميل وأصيل ومتعدد الأنواع والأوجه، ويعكس التراث الثقافي والتجربة الإنسانية التي تجمّعت عبر القرون لتلك الشعوب، ولكن الشيء المؤكد أيضا أن هناك، إلى جانب الفولكلور، الكتاب، والمعارض الفنية، والسينما، والمسرح، والمحاضرات، والندوات، والأمسيات الشعرية، والسهرات الموسيقية، وما لا يعد من النشاطات".
ويشير أحمد منور، الذي تحتفظ له المكتبة الجزائرية بعدد جميل من القصص مثل "الصدع" و"لحن إفريقي" و"البحيرة العظمى" وعدد من الدراسات النقدية والترجمات، أن بعض المثقفين انتقدوا أيضا فكرة العواصم الثقافية العربية لكونها تقليدا للأوروبيين،وليس بسبب ما يعنيه التقليد من النقل عن الآخرين دون فهم ولا تمييز. ويقول منور ان الفكرة أساسا ليست أوروبية ولكنها من توصيات أحد مؤتمرات الأمم المتحدة، وإنما كان الأوروبيون أسبق في تطبيقها قبل أن يستفهم بشيء من الاستغراب: "ولنفترض أنها فكرة أوروبية، فما الضرر في ذلك؟ وما المانع في تقليدها إذا كانت مفيدة؟ ثم، ألسنا غارقين في تقليد أوروبا في كل شيء إلى ذقوننا؟ فماذا استجد بالنسبة للعواصم الثقافية العربية؟".
ويرفض منور المغالاة في انتقاد تجارب العواصم الثقافية بسبب أن الدولة هي التي تشرف عليها وترعاها فيقول "إنني شخصيا أرى في إقامة العواصم الثقافية العربية شيئا إيجابيا جدا، وفوائدها جمة وملموسة، ومن إيجابياتها الكبرى التواصل الإنساني ما بين الشعوب العربية، وأنا أشير هنا إلى الأسابيع الثقافية العربية، التي تقام بشكل دوري في كل عاصمة ثقافية عربية، فعلى سبيل المثال، نظم في تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 15أسبوعا ثقافيا عربيا ل 15دولة عربية، وهذا شيء لم يحدث من قبل أبدا، كما نظمت بشكل مواز كل الولايات الجزائرية، وعددها 48ولاية أسبوعها الثقافي في العاصمة، وقامت بينها منافسة شديدة، وكانت أسابيع متنوعة، تزخر بمختلف النشاطات الثقافية والفنية. وأنا هنا أتحدث عما حضرته بنفسي، ورأيته بعيني. وقد اكتشفت أنني أجهل الكثير من ثقافة بلدي، ناهيك عن ثقافة الشعوب العربية الأخرى، لاسيما تلك التي تفصل بيننا وبينها مسافات بعيدة".
ويتوقف الأديب والمترجم الجزائري عند تجربته الشخصية مع عاصمة الثقافة التي احتضنتها بلاده العام 2007فيقول "تمكنت من نشر العديد من كتبي، كما تمكن الكثير من الكتاب والمبدعين، والفنانين، بفضل هذه التظاهرة من نشر كتبهم وأعمالهم الفنية والإبداعية، التي ظلت طيلة سنوات حبيسة الأدراج، وحضرت شخصيا عشرات العروض المسرحية الجزائرية والعربية، وزرت عشرات المعارض الفنية، ولا أقصد هنا معارض الرسم وحدها، ولكن معارض الألبسة، والصناعات التقليدية، والتحف الفنية، واستمتعت بعشرات العروض الفولكلورية والرقصات الشعبية، وحضرت عشرات المحاضرات والأمسيات الشعرية العربية والجزائرية، وقد شعرت بالتخمة لكثرة ما حضرت، وما شاهدت، وما اقتنيت".
الثقافة هي البديل الإيجابي الوحيد لمواجهة التطرف والعنف
@ عز الدين ميهوبي.. شاعر ومدير عام الإذاعة الوطنية
يؤكد الشاعر الجزائري عز الدين ميهوبي، المدير العام الحالي للإذاعة الوطنية الجزائرية أن تجربة العواصم الثقافية "هي في بعدها السياسي والثقافي وفي نهايتها تحسيس بأهمية الثقافة كمنتوج أو كفعل يجب أن يأخذ مكانته في حياتنا الاجتماعية اليومية". ويأسف رئيس اتحاد الكتاب والأدباء العرب أن "يظل تعاملنا مع الثقافة إلى اليوم ودائما كهامش وليس كمركز في حياتنا وبالتالي فعندما نفرد لها سنة كاملة إنما لإشعار المجتمع أن الثقافة يجب أن تكون مكوّنا أساسيا في بناء منظومة أكثر وعيا وأكثر ثقافة وأكثر إدراكا للمستقبل وأكثر شعورا بالحاضر وأكثر تجذرا في التاريخ.. هذه المسائل لا يمكنها أن تتّم بفعل سياسي معزول وبنقاش حول الوضع الاقتصادي أو إغراق في الوضع الاجتماعي وإنما يجب أن تأخذ الثقافة حيزها الطبيعي في أي مجتمع".
ويحيلنا رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين سابقا إلى الصين فيقول "لننظر إلى الصين، هذا البلد الذي يطلق عليه (التنين النائم)، فإن "ماو" عندما تحرك فيه، تحرك بالثورة الثقافية، تلك المسيرة الطويلة التي أعادت صياغة وعي جديد وعقل صيني جديد قادر على تقديم تجربة أكثر ثراء وفائدة للإنسانية، ولهذا فلا نستغرب وصول الصين إلى ما هي عليه اليوم من تقدم كثاني قوة إن لم تكن الأولى الآن في العالم، بفعل الاجتهاد الكبير الذي تقوم به، والذي يتخذ من الثقافة ومن الذات منطلقا رئيسا له".
ويستغرب ميهوبي، العضو السابق في مجلس الأمناء لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وصاحب الإسهامات الشعرية الغزيرة منها "في البدء كان أوراس" و"النخلة والمجداف" و"الرباعيات" و"ملصقات" من الانتقادات التي تطال العواصم الثقافية العربية كلما احتضنتها بلاد عربية ما، بالأخص تلك الانتقادات التي تريد أن يتحقق في السنة الواحدة ما عجزنا عن تحقيقه لمئات السنين فيقول "تأخرنا يعود إلى ما قبل ظهور البخار في أوروبا والبعض يريد أن نتدارك تأخرنا لمئات السنين في سنة واحدة، نحن كنا وما نزال في وضع متأخر ومتخلف ولم نتمكن من الوصول إلى بدائل النهضة التي نريدها، وعندما نخصص أغلفة مالية للنشاط الثقافي ولا أقول للاستثمار الثقافي، بل للاهتمام بالكتاب، بالمسرح والسينما والفنون الجميلة، فهو لإحداث حراك لفترة يمكنها أن تكون منطلقا لحراك ثقافي مستديم أو لإستراتيجية ثقافية تحول الثقافة إلى مركز وليس الى هامش".
ويرى الشاعر الجزائري الذي انتهى مؤخرا من رواية جديدة موسومة ب "اعترافات برج أسكرام" بعد توقيعات روائية سابقة مثل "التوابيت" و"صرخة الدم والنار" أن تجربة بلاده وهي تسلّم حديثا مشعل العاصمة الثقافية إلى الشقيقة دمشق، كانت ثرية جدا ف "البلد خرج من وضع أمني وسياسي صعب وهو يحاول الآن إعادة ترميم بيته ليس فقط في بعده المادي والتنموي ولكن أيضا في وضع مشاريع ثقافية كبرى" ويضيف ميهوبي أن بلاده "شهدت حراكا كان شبيها بفتح مسامات جسم الجزائر الثقافي، وأن هذا الجسم بدأ يتنفس ثقافيا وهو دليل على أن التفكير في مرحلة ما بعد الإرهاب قد بدأ".
ويرى العضو السابق في البرلمان الجزائري أن التفكير في هذه المرحلة بالذات يكون بإعطاء الكتاب مكانته، والمسرح والسينما ومختلف الفنون مكانتها، لأن غياب الكتاب يعني ظهور البديل الآخر، هو بديل التطرف، والعنف.
وأرى أن الثقافة هي البديل الإيجابي داخل أي مجتمع للقضاء على مظاهر التهميش التي قد تكون سببا في بروز بؤر التوتر".
لماذا ننقش دوما على جبين
أية فعالية ثقافية تقيمها الدولة سمة التهريج والدعاية؟
@ أبو بكر زمال.. شاعر وكاتب صحفي ورئيس جمعية البيت للثقافة والفنون
تميّز الشاعر أبو بكر زمال، رئيس جمعية البيت للثقافة والفنون خلال تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007بإنجازه الضخم، الأول من نوعه تعرفه المكتبة الشعرية العربية، المتمثل في الأنطولوجيات العربية، وعن هذا الإنجاز يقول أبو بكر زمال قبل خوضه في موضوع العواصم الثقافية "لقد دخلنا في سباق محموم مع الوقت، ومع كل الأصدقاء من العالم العربي لينجزوا ويختاروا شعراء بلدانهم.. وفي النهاية أهدينا للقارئ العربي مكتبة شعرية كاملة برعاية رسمية فيها حتى ما هو صادم، وما هو مختلف عليه، وما هو حداثي، وما هو نثري، وما هو كلاسيكي، وما هو تقليدي.. وهو ما يدحض تلك الأفكار المسبقة عن الرقابة والخطوط الحمراء وغيرها من الأقاويل، وهذا التنوع الذي جمعناه في هذه المكتبة الشعرية العربية قد لا يسمح به في أية دولة عربية" ويقول أبو بكر زمال عن هذه الأنطولوجيات، انها كانت نتاج أسئلة مقلقة، لعل أبرزها: "ماذا يمكننا أن نضيف إلى ما هو مقرر للنشر في كل هذه التظاهرة ونحن نعرف بحكم تموقعنا في المشهد الثقافي والإعلامي كل الرهانات، وكل ما يدور في فلك هذا الواقع الثقافي.. نعرف الجيد والرديء.. والسلبي والإيجابي.. كيف نصنع علامة فارقة في هذا الخضم الهائل مما سينشر وسيصدر؟ كيف نعزز مكانة مشروعنا كي لا يقال عنا سيقعون مثل غيرهم في التكرار والاجترار؟.
أما عمّا يوجه للعواصم الثقافية من انتقادات فيستطرد قائلا "ينظر دوما إلى أي مشروع ثقافي كبير في العالم العربي نظرة ريبة وقلق، نظرة بالمجمل قاصرة، شكاكة، مملوءة بالإحباط والتسفيه والتتفيه.. خاصة إذا كان "القائد الأعلى" لهذا المشروع هو النظام بكل ما يحمله مصطلح النظام من دلالات سياسية هي في كل الأوقات مضادة للحرية والإبداع. ربما كان لهذه النظرة جانب من الصواب والصدق، وربما كان في جانب منها الخطأ والكذب".
ويحيلنا أبو بكر زمال صاحب "غوارب أبي بكر زمال وهامشها غبار الكلام" و"عيارات حب" و"كتابات دامية" على جملة من الاستفهامات التي تقلقه، وظل غياب الإجابات الصحيحة عليها يعكّر صفو تحقيق المشاريع الثقافية الكبرى في العالم العربي بالأخص تلك التي ترعاها السلطة مثل العاصمة الثقافية فيتساءل: "كيف السبيل للابتعاد عن هذه النظرة المتجذرة في الوعي بقوة النار والحديد؟ كيف السبيل لفك الارتباط المقيت بين النخب المثقفة المتعالية في كثير من الأحيان وبين هذه الأنظمة؟ متى يتم التفكير في تلحيم تلك العلاقة بين السياسي وبين المثقف؟ لماذا ننقش دوما على جبين أية فعالية ثقافية تقيمها الدولة سمة الفلكلور والتهريج والدعاية؟ ومن يجزم أن ما يقدمه هذا المثقف أو أية جمعية أو مؤسسة ثقافية مستقلة هو الإبداع الحقيقي أوهو الثقافة الصافية أوهو اللبنة السميكة التي بدونها لا يمكن بناء العقل والروح والكلام والكتابة الجميلة؟.
ويشير زمال أن هذه الأسئلة وغيرها ترددت في محيط "جمعية البيت للثقافة والفنون" التي يرأسها، ووقفت وراء التردد الذي سبق تعامل الجمعية مع وزارة الثقافة فيقول "ترددت ونحن منخرطين بمشروع نشر الأنطولوجيات العربية الذي تقدمنا به إلى وزارة الثقافة في إطار تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية.. ترددت في صمت أحيانا وبصوت عال أحيانا أخرى.. طبعا كنا نعي حجم العواصف الكبيرة التي هزت هذه التظاهرة، عواصف كادت أن تأتي عليها خاصة لما رصد لها من أموال ضخمة تسيل لعاب أي كان.. ومثل أي تظاهرة ضخمة لم تسلم من سهام النقد والتجريح والتهويل بل أصيبت في الكثير من الأحيان بالعطب والعطالة، وافتقرت لعناصر النجاح والتخطيط السليم، فعندما يتعلق الأمر بالثقافة فلابد أن تتحسس عقلك وتستفز مخيلتك وتفتح أبواب روحك على كل الهواء الذي يتنفس حولك.."
ويرى الشاعر الجزائري أن بعض الانتقادات التي وجهت للجزائر عاصمة الثقافة "تبقى مجرد عتبات قاسية وامتحانا مضنيا للذين خططوا برغبات قوية وإرادات جامحة كي يصلوا بهذه التظاهرة إلى مستوى معين من الفاعلية والتفاعل مع محيط جزائري مرّ بأوقات عصيبة كاد أن يصمت فيها إلى الأبد وينتهي به المطاف إلى الموت والاندثار بسبب ظاهرة الإرهاب والتقتيل وسياسة الأرض المحروقة." وحسب أبو بكر زمال فإن "ما يمكن تحقيقه في مثل هذه التظاهرات - بالرغم مما يقال عنها - يتجاوز في الكثير من الأحيان هذه النظرة المؤسسة على "الأوهام الإعلامية والثقافية" والتي يؤجج آوراها الكثير من الكتاب والمثقفين والإعلاميين، ويساهمون بطريقة أو بأخرى في تحجيم الجهد والقدرة والطموح في أن تصبح مثل هذه التظاهرات ملتقى حقيقيا يبني للمستقبل ويؤسس له".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.