غير بعيد عن أسوار المدينة القديمة وعلى مسافة 300 إلى 400 متر من الجهة الشمالية والغربية تنبسط أسواق حمص القديمة لتشغل حيزاً واسعاً بين شارع "أبو الهول" من الشمال الشرقي وشارع "عبدالرحمن بن عوف" في الجنوب الغربي، ومن شارع "عمر بن امية" في الشمال الغربي إلى شارع "المنصور" في الجنوب. نشأة هذه الأسواق تعود إلى عصور متباينة، وتعددها جعلها تجاوز العشر أسواق، وهي تتقاطع وتتباين في طراز بنائها، كما تتباين اسماؤها لتدل على النشاط التجاري والصناعي لكل منها. أول ما يلقاه المرء عند مدخل السوق من الشمال الغربي هو سوق "النوري" التي عرفت بهذا الأسم لمجاورتها جامع نورالدين الزنكي "النوري الكبير" الذي يرتفع سقفه المغطى بصفائح التوتياء إلى سبعة أمتار في شكل سنامي ويبلغ الجزء المغطى منه 75م2 تتوضع المحلات التجارية على جانبيه وتشكل سقوفها عقداً من الحجر الأسود المغطى بالكلس والقنب يناهز ارتفاعه اربعة أمتار وتأخذ الواجهات شكل قوس نصف دائري يتوضع على عضائد ذات أشكال هندسية تاجية وزخارف بسيطة، بينما تقوم على امتداد طرفه الجنوبي الأسواق المسقوفة الأخرى. سوق "البازرباشي" مكشوفة. تبدأ من النهاية الجنوبية الشرقية لسوق النوري وتنتهي بسوق تكتظ بالمحلات التجارية القديمة وتتصل بساحة أخرى تباع فيها الألبسة المستعملة. سوق "المنسوجات" الموازية لسوق "البازرباشي" تبدأ من المدخل الجنوبي لجامع النوري لتقوم على امتدادها مداخل سوق "الصياغة" و"الحرير" ثم "العطارين أو المعرض"، أما على جهتها اليسرى فتقوم أسواق صغيرة لبيع النسيج والحرير ولوازم الخياطة وهي في أغلبها مسقوفة بالأحجار تتوضع في داخلها أعمدة حديدية لا تسمح إلا للمشاة بالسير فيها ومنها "سوق المعصرة" التي عرفت بهذا الأسم لوجود. معصرة للدبس في الجهة الشمالية والشرقية منها، وهذه السوق تتألف من 13 محلاً تجارياً يطل الطابق الثاني على 12 باباً وعشرة نوافذ "سوق المعرض" معروفة عند أغلب الناس ب "سوق العطارين" لتجمع تجار العطورات فيها، وتبدأ شرقاً من سوق الصاغة وتتقاطع مع أسواق القيسرية والعبي والخياطين غرباً، وهي كسابقتها مسقوفة بصفائح التوتياء، كما نحتت على بعض اجزائها أشكالاً هندسية. "سوق العرب": غلب عليها عند أغلب الناس اسم السوق المجاور العطارين وقد نشأت هذا السوق للوساطة بين البدو والحضر وتتصل من مدخلها الشمالي بسوق الحسبة أما سقفها فهو مغطى بالتوتياء وبنيت واجهات المحلات على أشكال أقواس من الحجر نصف الدائري، أو على شكل قوس منكسر. وأرضية الأسواق السابقة مرصوفة بالحجر البازلت الأسود والأملس، ما عدا سوق النوي التي غطيت أرضيتها بالأسفلت. وتتميز هذه الأسواق بسقوفها المبنية على شكل أقواس حجرية نصف دائرية تلتقي في مركز واحد عند تفرع الشوارع مطلية بالاسمنت والكلس لتبدو كحمامة بيضاء زينت بعض سقوفها بزخارف نباتية. وأخذت واجهات المحلات شكل قوس نصف دائري يرتكز على عضائد من حجر البازلت بعرض 40 سم، كما اقيمت في المحلات فتحات للتهوية والإنارة أما مربعة أو مستطيلة الشكل، أما ارضية السوق فهي مرصوفة بالحجر البازلتي. ومن هذه الأسواق: "سوق القيسرية" وهي موازية لسوق المنسوجات وإلى الغرب منها مقابل باب السوق من الشمال وأطلق عليها هذا الاسم لمجاورتها "خان القيصرية". أما "سوق العبي والخياطين" الواقعة إلى الغرب من سابقتها فتنشط فيها مهن الخياطة العربية والتنجيد وبيع البسط. وتتجه "سوق الفرو" من الغرب إلى الشرق حتى الشارع المؤدي إلى خان القيصرية وهي امتداد لسوق العرب وانفردت كسوق للفرو على إثر هدم حمام الجديد في باب السوق. وأخيراً، وليس آخراً، "أسواق الحرير" التي تصل بين سوق المنسوجات وسوق القيصرية وتتميز عن غيرها بأرضيتها المرصوفة ببلاط الموازييك الحديث وبوجود سبيل للماء فيها. أماكن أخرى وإضافة إلى المحال التجارية، قامت أبنية أخرى داخل كتلة الأسواق الاثرية فمن "جامع النوري الكبير" في بداية السوق إلى جامع "البازرباشي" في السوق المعروفة باسمه إلى جامع "القاسمي" الموجود في الربع الأخير من سوق المنسوجات، إضافة إلى ثلاثة حمامات هي الباشا الموجود في مدخل سوق البازرباشي، إلى الحمام العثماني الموجود أيضاً في نهاية سوق البازرباشي، وهما ما زالا يستعملان حتى الآن. أمام الحمام الصغير فتحول إلى سوق تجارية موجودة في منتصف سوق المنسوجات. وهناك أيضاً خان القيصرية الذي أمر ببنائه أسعد باشا العظم ليكون مخصصاً لاستقبال المسافرين، وهو عبارة عن باحة طولها 24 متراً وعرضها 14 متراً ويتألف من طابقين تحول الآن إلى سوق فيها 27 محلاً تجارياً تحيط بها أعمدة حجرية بيضاء تحمل السقف الخشبي والترابي. أما سوق "الحسبة" فهي تمتد إلى الغرب من سوق النوري ولا وجود لها الآن. وتصف مشرفة دار الثقافة في حمص الدكتورة تغريد الهاشمي أسواق حمص بأنها تمتاز بالذوق المعماري المناسب للبيئة وبالتناظر الهندسي الفني المفعم بالزخارف النباتية والهندسية وأنها تعود إلى عصور متباينة من المملوكي إلى الايوبي إلى العثماني، وهو ما يفسر التباين بين سوق وأخرى. أما مدير الآثار في حمص فريد جبور فذكر أنه تم الآن وضع دراسة لترميم سوق النوري تتضمن إعادة رصف أرضية السوق بالحجر البازلت وإعادة إبراز واجهات المحلات وصيانة السقف، كما أنه يجري حالياً وضع دراسة لترميم سوق القيصرية الأثري. يذكر أنه على رغم وجود مهن كثيرة في أسواق حمص، إلا أن تجارة الألبسة غطت على كل المهن الأخرى واحتلت معروضاتها واجهات المحلات، مما أفقد هذه الأسواق جزءاً من منظرها الاثري والتاريخي.