تسلسل الأحداث خلال الشهرين الماضيين، تتابعت الأحداث بسرعة مذهلة، وتفاوتت - كالعادة - ردود الأفعال، ما بين معارض ومؤيد، ومستنكر ومشجّع، فضلاً عمّن آثر السلامة والتزم الصمت. أحداث تشبه المسرحيات في فصولها. ولو قدمت على المسرح، لقُلنا إنها غير واقعية، وإن المخرج، بلا شك، جنح به خياله. فالفصل الأول بدأ بداية مألوفة، عندما أطلقت باكستان صاروخاً، في 6 ابريل الماضي، قالت إنه قادر على حمل رؤوس نووية، ومداه 1500 كم، وذلك للردّ على أي مغامرة هندية، بعد ان تعهدت الحكومة الائتلافية الجديدة في الهند، في برنامجها، "اعادة النظر في سياستها النووية، وممارستها الخيار النووي". وشعور باكستان بالغبن لمحاباة الولايات المتحدةالامريكيةالهند على حسابها، والتغاضي عن المشروع النووي وبرامج الصواريخ الهندية، مقابل تسليط الأضواء، وانتقاد كل ما تفعله باكستان في هذين المجالين. وتشديد الحملة من جانب اسرائيل على ما تعدّه برنامجاً ايرانياً لحيازة الاسلحة النووية وتصنيعها، بمساعدة من روسيا وغيرها من دول الاتحاد السوفيتي السابق. وترديد امريكي لكل ما تقوله اسرائيل. أما الفصل الثاني، فقد بدأ في 11 مايو الماضي، بخمسة تفجيرات نووية هندية، أعقبها زهُوّ وخُيَلاء واستعلاء من الجانب الهندي، وتهديد صريح ومباشر لباكستان. ثم اعتراض من دول، وتأييد من أخرى. ومحاولات منْع صدور قرار إدانة من مجلس الأمن. وبينما أكتُفي للهند بحظر اقتصادي، على استحياء، مُورسَت الضغوط على باكستان، لإرغامها على عدم الردّ على هذه التجارب. وغليان في الشارع الباكستاني، يطالب بردّ الاعتبار، بعد ان صار مهدّداً، شاعراً بالضعف والخذلان، رافعاً شعار: "نموت في عزة، خير من أن نحيا في مهانة". ودعوة من الهند لباكستان الى مائدة المفاوضات، مرغَمة، ومن دون شروط مسبقة، وعليها عدم إثارة مشكلة كشمير، على الرغم من أنها أساس المشاكل بينهما. فالهند تتحدث من مركز قوة، وأيّ قوة! قوة نووية. لم يترك لنا المُخرج فرصة لالتقاط الأنفاس، والاستراحة بين الفَصلَين، الثاني والثالث، وإذا بالستار يُرفع سريعاً عن خمسة تفجيرات باكستانية. ولم تكد التعليقات تبدأ، حتى حدث التفجير السادس. وانقلبت المشاهد. فرْحة عارمة في باكستان، وفرحة لم تتم في الهند. مناقشات حادة في البرلمان الهندي، عن المتسبب بإطلاق الرعب النووي، في الجنوب الآسيوي. مَنْ دان في الفصل الثاني، شجّع أو صَمَتَ في الفصل الثالث. مَنْ أوقف صدور قرار إدانة من مجلس الأمن، يقود حملة ضارية لصدور مثل هذا القرار. وللمرة الأولى، نسمع صوت اسرائيل، لا لتدين، بل لتحذّر من ايران، على الرغم من ان الاحداث تدور بين الهند وباكستان. وأخيراً، نسمع اصواتاً هندية، أكثر تعقلاً ورويّة، تنفي أنها تقصد باكستان، وإنما كان هدفها التوازن مع الصين. لِمَ هذا التغيير؟ لأن باكستان انضمت، كذلك، الى النادي الذري، نادي الأقوياء، الذين يتكلمون فيُسمَعون! هذا ما حدث في الفصول الثلاثة الأولى، من تلك المسرحية، التي لم يُسدل عليها الستار بعد، ولا ندري ما الذي يُدبّر خلف الكواليس، فالخيارات مفتوحة، والاحتمالات متوقّعة. أنَلوم الهند أمْ باكستان؟ ليس من المنطق لَوْم الهند، لاتخاذها من الاجراءات ما يحقق أمنها ويشبع طموحاتها، ما دام العالم تسوده حالة من الظلم البيّن. فَمَن يلتزم يُلَمْ، ومن ينتهِك يُحترم. من يَظْلم يُعظّم، ومن يُظْلَم يُطلب منه ضبط النفس والكثير من التنازلات. وبالمِثل، ليس من المنطق لوم باكستان، لأنها كانت سريعة في ردّ الفعل، فهذا من حقها، اذا كان في العالم مَن لا يزال يُقر بالحق الشرعي للدول. وكَفَانَا أقوالاً سخيفةً، تلصق كل تهمة بالاسلام: "قنبلة اسلامية، إرهاب إسلامي، قهر إسلامي". فهي محاولات استعداء العالم على الدول الاسلامية، ومحاولات جعْل الدول الاسلامية، دوماً، في قفص الاتهام! اذا دافعت عن نفسها هي متهمة، وإذا حاربت الظلم هي متهَمة، وإذا حاولت اثبات وجودها وحقّها في حياة حرة كريمة، هي متهَمة، وإذا ضعفت واستجابت، وطلبت السلام هي، كذلك، متهَمة. قبْل أن أسترسل، أودّ أن أذكُر، بشيء من الدهشة، تصريحاً للوكالة الدولية للطاقة النووية، تعقيباً على تساؤل عن حق الهند في إجراء تجارب نووية، كونها "لم توقع الاتفاقات الدولية في شأن حظر الأسلحة الذرية"، اذ قالت الوكالة: "ان من حق الهند اجراء تجاربها، لأنها لم توقع الاتفاقات الدولية للحد من انتشار الاسلحة النووية". وأضافت أنها "لن تصدر "حكماً نوعياً" على التفجيرات الثلاثة، اذ لا يمكن اتهام الهند بأنها نكثت بأي وعد، لأنها لم تَعِدْ، في المقام الأول. نيودلهي فعلت شيئاً، سبق ان احتفظت بالحق في فعله". وكانت الهند قد رفضت توقيع معاهدات الحدّ من الانتشار النووي، وحظْر التجارب النووية، متذرعة بأن الدول النووية الكبرى، تُمارس، من خلال هذه المعاهدات، سياسة تمييز ضد الدول الأخرى. عجباً! وكأنّ مَنْ التزم بما يجب ان يكون، قد أخطأ في حق نفسه. فإذا بحث وطوّر قدراته، فَلَهُ الويل، كل الويل. أمّا مَنْ لم يلتزم، ولم يُعِر اهتماماً لأيّ اتفاقات دولية، وطوّر وأنجز، فلا لوم عليه. هذا هو العالم، الذي لا يحترم الا الأقوياء، الذين يفرضون انفسهم ويثبّتون اقدامهم، ولتذهب المُثُل والقيم والحق والعدل، الى الجحيم، فهي شعارات تطلقها الدول القوية، لتطيّب بها خاطر الدول المغلوبة على أمرها! التوازن الاستراتيجي والسؤال الذي يطرح نفسه، بشدة، هو: هل هذه الأفعال وردودها، تحقِّق توازناً استراتيجياً في المنطقة؟ قبل الاجابة بنعم أو لا، فلنستعرض معاً بعض الاحداث والمشاهد. في عام 1962، هُزمَت الهند، عسكرياً، واحتلت الصين بعض أراضيها. كان التوازن مُختلاً، في ذاك الوقت، وازداد اختلالاً في عام 1964، عند التفجير النووي الصيني الأول. وقَبِلت الهند تسوية، هي أكثر ميلاً الى مصلحة الصين منها الى مصلحة الهند. ودارت حروب ثلاث بين الهند وباكستان، وقبِلت الهند تسوية، تكاد تكون متعادلة مع جارتها. وبالتفجيرات الهندية الخمسة، فَرضت الهند نفسها قوة نووية، ينبغي ان يُحسب حسابها، وأن تدخل في معادلة الكبار، عند تعاملهم مع المشاكل الآسيوية. كما أنها اعادت التوازن الى العلاقات الهندية - الصينية. ولكنها احدثت، في المقابل، خللاً استراتيجياً بين الهند وباكستان. ماذا حدث على الجانب الهندي؟ طَفِقَت الهند تهدّد وتتوعّد، ولا تقبل حواراً، ولا تفكر في سلام. وأعلنت استعدادها لتوقيع اتفاقية حظْر الاسلحة النووية، لتضع باكستان في موقف حرج أمام العالم. ولم تكتفِ بذلك، بل هدّدت باحتلال الجزء الذي تديره باكستان من كشمير. وقال وزير الداخلية الهندي، لال كريشنا: "يجب على باكستان ان تطوي صفحة سياستها المناهضة للهند، خصوصاً ما يتعلق بكشمير. وما لم تفعل، فسوف تتخذ حكومتنا موقفاً حازماً". وبادر كذلك، مادان لال خورانا، وزير الشؤون البرلمانية، الى التصريح: "نقول لباكستان: كفى ما كان. ولن نتحمل، بعد الآن، ايّ تدخّل من جانبها في أمر كشمير". كانت تلك التصريحات أولى ثمار الخلل الاستراتيجي. بعد التفجيرات الباكستانية، اجمع كثير من المحلّلين على ان التوازن الاستراتيجي بين الدول الثلاث - الهندوالصين وباكستان - قد تحقّق. وأصبح احتمال نشوب حرب نووية في القارّة، مستبعداً. وكذلك، فإن احتمالات نشوب حروب تقليدية، قد تقلّصت. وبات السلام، الذي كنّا نفتقده، قريباً. تغيرت لهجة التهديد الهندي، ونشب بين أعضاء البرلمان، الذين صفّقوا، في 13 مايو، للتفجيرات الهندية، مشاجرات واتهامات بإيقاظ الرعب النووي من مَرقده. وقال رئيس الوزراء الهندي: "اننا لا نريد شراً بباكستان. وليس لها ان تخشى شيئاً من الهند. وإننا مستعدّون للحوار معها". إذاً، أصبح الردع النووي المتبادل، أداة للتوازن الاستراتيجي بين الدول. الأحداث تؤيد ذلك. وما حدَث بين الولايات المتحدةوالصين، وتغيّر السياسات الامريكية تغيّراً جذرياً، بعد التفجير النووي الصيني، ليس ببعيد. فالدول الكبرى، التي تدين وتستنكر، وتحاول ان توقف السباق الذري المحموم - ولو ظاهراً - هي التي غذّت فكرة ان الاحترام للقوي والتقدير له. وألاّ مكان في العالم للضعفاء. فالبقاء للأقوى، ولا عزاء للأضعف. قد يصبح مثل هذا الردع طريقاً الى السلام، وقد يحول دون الحروب التقليدية، ويُعجّل بحضور أطراف النزاع الى طاولة المفاوضات. فلا معنى لأن يجلس القوي الى الضعيف، ويستجيب لمطالبه. لن يستجيب القوي. وإذا تفضّل على الضعيف بلقمة، ألقاها اليه بكبرياء وصلف وعنجهية مثقَلة بالشروط والقيود. وفي المثل قالوا: لا يَفِلّ الحديدَ إلاّ الحديدُ. أمّا شعارات: العدل، والحق، والانسانية، والسلام، والخُلق، فلا معنى لها، من دون قوة تحميها وتفرضها على أرض الواقع، وما عدا ذلك، فهو سراب يلهث وراءه الضعفاء، آملين نظرة عطف، أو عين رضا من الأقوياء. القوة النووية واستقرار الأمم يقودنا السؤال الأول الى السؤال الثاني: وهل تكفي القوة النووية، التي تخلق التوازن النووي، لإحداث الاستقرار والسلام بين الدول؟ ان التوازن النووي، سيخلق، من دون شك، حالة من السلام المترقّب، ولكنه سيقود الى سباق - غير محمودة عواقبه - في الأسلحة، بأنواعها المختلفة. هذا السباق، سيؤثّر تأثيراً مباشراً، وجذرياً، في مشروعات التنمية، ولا سيما اذا كانت دولها تحت خط الفقر أو قريبة منه. فالقوة الشاملة لا تقاس فقط بالقوة العسكرية، وإلاّ لَمَا انهار الاتحاد السوفيتي، وتفككت دوله. فالقوة العسكرية، من دون قوة اقتصادية تساندها، مآلها الى الإنهيار، واستجداء لقمة العيش من الأعداء. وهذا ما يدعو الدول، التي تداعبها أحلام القوة والمَنعة، الى حساب عوامل القوة حساباً دقيقاً، وعدم الانزلاق الى احلام اليقظة، ولا سيما اننا نعيش في عالم يحكمه الاقتصاد اساساً. وإذا نظرنا الى حروب النصف الثاني من هذا القرن، نَجِد أن أسبابها اقتصادية، في المقام الأول. وعلى الرغم من ذلك، فشعار "فقر في عزّة، خير من غنى في مذلة" قد يفرض نفسه على الأحداث. وهنا يأتي الاختيار الصعب لكل شعب. الموقف الأمريكي ما هو الموقف الأمريكي، من كل ما يدور على أرض الواقع، في المنطقة المتاخمة لمنطقة الشرق الأوسط، التي تتحكم فيها واشنطن، وتتركها ساحة مفتوحة لإسرائيل، من دون ضوابط؟ لقد استبشر العالم خيراً، عندما أصبحت الولايات المتحدةالامريكية القوة العظمى الوحيدة، بعد تفكّك "دولة الشر"، كما كانت تطلِق على الاتحاد السوفيتي. وتردّد ان "النظام العالمي الجديد"، هو النظام الأكثر انضباطاً واستقراراً، والأكثر أمناً وأماناً، الأكثر احتراماً لحقوق الانسان، والأكثر ديموقراطية وعدلاً. فإذا به يتحول الى عالم اكثر فوضوية، تسوده شريعة الغاب، ولا مكان فيه للحق، ما لم يُنتزع عنوة. وأصبحت المواقف الأمريكية تتسم بالتناقض، وعدم الثبات، إلاّ في قضية واحدة، هي: الانحياز الكامل، السافر، الى اسرائيل. إن سياسة الولايات المتحدةالأمريكية، في المجال النووي، قائمة على الازدواجية في المعايير، والتمييز بين الدول، وهي خالية من أي التزامات او مبادئ واضحة. فبينما هي الدولة الوحيدة، التي استخدمت السلاح النووي مرتين، عام 1945، فهي نفسها التي أيّدت امتلاك بريطانيا للسلاح النووي، في اكتوبر 1952، وهي نفسها التي لم تندّد أو تعارض فرنسا، عندما فجّرت قنبلتها الأولى، عام 1960، وهي التي تغض الطرف عن جهود اسرائيل في هذا المجال. إضافة الى تجاهلها التام لسرقة اسرائيل اليورانيوم المخصب من معمل نووي في ولاية بنسلفانيا، واختطافها سفينة محملة بخام اليورانيوم، وتفجيرها النووي التجريبي الذي اجرته في الجو، متعاونة مع دولة جنوب افريقيا سابقاً. وتقصف مصنعاً في ليبيا، للاشتباه في انتاجه اسلحة كيماوية. وتفتش القصور والمباني، لأكثر من سبع سنوات في العراق، بحثاً وتدميراً لكل ما يمتّ بصلة الى اسلحة كيماوية او ذرية أو بيولوجية. وتظهر غضبها من جرّاء التفجيرات الهندية، من دون اتخاذ اي اجراء حاسم، الا بعد عدة أيام، بينما تضغط على باكستان لضبط النفس. ثم تفرض العقوبات الاقتصادية الفورية عليها، وتتوعّدها، وتشنّ حملة ضدها في جميع المنظمات النقدية الدولية. ومن قبل، ضغطت على مصر والدول العربية للانضمام الى معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية، وهددتها بشتى ألوان الضغط الرخيص، في الوقت الذي لم تحاول فيه ان تناشد وليس تضغط اسرائيل التوقيع او الالتزام بما التزمت به الدول الاخرى في المنطقة. ان مثل هذا السلوك، يُضعف مصداقية الولايات المتحدة في العالم كله، ويجعل الدول تستخفّ بها، بل تتحدّاها، حتى وصل الأمر ان تُهدَّد في عقر دارها، من نتانياهو، بحرق عاصمتها، ولا يجرؤ احد ان يتفوّه بكلمة. ولقد كان زبيجنيو بريجنسكي، المستشار الأسبق للأمن القومي الامريكي، على حق، عندما قال: "لا شك ان النهج الانتقائي والتمييزي، للولايات المتحدة، لا يقدّم شيئاً مقنعاً الى الدول والقوى الأخرى، لكي تمتنع عن المضيّ في تطوير ترسانتها النووية. كما ان ممارسة الولايات المتحدة لحقها في مساعدة الدول الصديقة على تطوير ترساناتها النووية، ستُشعر الصينوروسيا بأن لهما الحق نفسه في اتخاذ خطوات مماثلة، فيمكنهما مساعدة باكستان او إيران أو أي دولة أخرى". وكان نائب الرئيس الهندي، كريشنان كنت، في ختام اجتماعات قِمة مجموعة الپ15 في القاهرة، صادقاً عندما قال: "ان الهند ملتزمة بنزع شامل للأسلحة النووية، منذ عام 1956، شريطة ان تتحقق الشمولية والعدالة، بموجب اي اتفاقات في هذا الشأن". وكان المنطق النووي الهندي، واضحاً: "اذا كان السلاح النووي، يُعد ضمانة في أيدي الأمريكيين والدول النووية الأخرى، فلماذا لا يكون في أيدي الهنود؟" ان الحصيلة النهائية لسباق التسلح النووي، ستكون مدمّرة رهيبة، لصعوبة السيطرة عليه، واحتمال انفلاته من عقاله. فما دام المجتمع الدولي عاجزاً عن وضع حدّ لذلك، أو ضوابط عادلة لحل المشاكل الإقليمية، سيظل الوضع على خطورته، بل سيزداد سوءاً، وسيدفع الدول، كل الدول، خاصة تلك التي تستشعر الظلم، وتعرف ان التزامها يفرض عليها مزيداً من المذلة والاستكانة، الى البحث عن القوة النووية، مهما كلفها الأمر، في وجْه الدول المتغطرسة، التي تتدثّر بسلاحها النووي، وتتبجّح بترسانتها العسكرية. وأعتقد ان هذا اليوم ليس بعيداً. فشل الاستخبارات الأمريكية هل يمكن ان نصدّق فشل الاستخبارات الأمريكية في متابعة البرنامج النووي الهندي، كما وصفه السناتور ريتشارد شيلي، النائب الجمهوري عن ولاية ألاباما، الذي يرأس لجنة شؤون الاستخبارات في الكونجرس؟ يصعب على المرء تصديق ذلك، من جانب دولة يدور لها في الفضاء عدد من الأقمار الصناعية، يستعصي حصره، يمكّنها من استطلاع كل نشاط مَهْما صغُر، وخُصّت ميزانية اجهزة استخباراتها ببلايين الدولارات! وهل نشاط نووي، كالذي حدث في الهند، يمكن ان يمر مَرّ الكرام على اجهزة رصد - عالية التقنية - من كل نوع، وفي كل مكان؟ فهل تسعى واشنطن الى إدخال القارّة الآسيوية في سباق التسلح النووي؟ وهل غضّت الطرف عن الاستعدادات الهندية، حتى تصبح الهند قوة نووية في مواجهة الصين، التي رشحتها كافة التحليلات قوة عظمى في بدايات القرن المقبل؟ وهل كان العامل الاقتصادي وراء التغاضي الأمريكي؟ كل شيء جائز، في عالمنا الحاضر، خاصة اذا كان يتعلق بالجانب الاقتصادي. إن انشغال الصينوالهند بالانفاق النووي، واستنزاف مواردهما في الحصول على المزيد من القوة العسكرية، لن يُبقي لهما شيئاً للإنفاق على التنمية والازدهار، كما انه سيزيد الضغوط على اليابان وكوريا الشمالية لمجاراة نيو دلهي وبكين. وكل هذا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، ومَنْ يدور في فلكها. وإذا كانت المقولة الفرنسية القديمة هي "ابحث عن المرأة"، ففي عالم السياسة، اليوم، نقول: "ابحث عن الاقتصاد". وأقرب مثال على ذلك، انهيار النمور الآسيوية انهياراً مفاجئاً، غير محسوب، لم تتأثر به إلا دولها. هل حدث ذلك مصادفة؟ القنبلة الإسلامية أطلقت بعض الجهات والدول، وللأسف بعضها عربية، على القنبلة الباكستانية، اسم "القنبلة الإسلامية". ولا ندري ما علاقة الإسلام بتفجير نووي هنا، او إطلاق صاروخ، يمكنه حمل رؤوس نووية هناك؟ فلماذا، مثلاً، لم يُطلق اسم "القنبلة المسيحية" على أولى قنابل الولايات المتحدة، التي فُجّرت، عام 1945، في نيومكسيكو؟ ولماذا لا نطلق اسم "القنبلة اليهودية" على القنابل المئتين، التي تمتلكها إسرائيل؟ ولماذا لم نطلق اسم "القنبلة الشيوعية" على أولى القنابل النووية التي امتلكها الاتحاد السوفيتي سابقاً، لاحقاً بركب الولايات المتحدةالأمريكية؟ ولماذا لم يُطلق على التفجيرات النووية الهندية اسم "التفجيرات الهندوسية"؟ ومتى كان للقنابل دين أو معتقد أو مذهب! نعم، إن الإسلام دين سلام، ولكنه ليس دين استسلام، يحضّ على السلام، شريطة ان يكون سلاماً عن قوة، وليس سلاماً عن ضعف، سلاماً عن عزة ورفعة، وليس سلاماً عن استكانة وخنوع. ففي الوقت الذي يحض فيه الاسلام على السلام، يدفع المسلمين الى الأخذ بكل اسباب القوة، ليس للاعتداء، ولكن لردع الطامعين المعتدين. وفي هذا المجال، لم يكن الاسلام فريداً في منهجه ورؤيته. أليس الردع النووي المتبادَل بين الولايات المتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق كان سبباً في تحقيق سلام غير معلَن بينهما؟ ألَيس هذا ما تسعى إليه اسرائيل، حالياً، من امتلاكها للسلاح النووي، وبذل الجهد كله لمنع اي دولة عربية من امتلاكه، حتى تصبح لها اليد الطولى في المنطقة، تعربد فيها كما تشاء، وتلوي الحقائق والتاريخ كما تريد، وترفض النصائح كلها، وتهدد بحرق واشنطن، اذا ضغطت، ضغطت فقط، لقبول إعادة انتشار وليس انسحاباً من 13 في المئة من أراضي الضفة الغربية، التي تمثّل، حقيقة، أقلّ من 1 في المئة من أرض فلسطين؟ الموقف الاسرائيلي صدر أول تعليق لإسرائيل بعد التفجيرات النووية الخمسة لباكستان. وكان تعليقاً غريباً، فبدلاً من ان يتحدث عن تلك التفجيرات، اذا به يحذّر من انضمام ايران الى النادي الذري! فقد قال الناطق باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي: "اذا وصلت أسلحة من هذا النوع الى أيدي أنظمة، مثل نظام طهران، فإن خطر زعزعة الاستقرار، يصبح أكبر". إن اسرائيل حاولت، وتحاول بشتى السُّبُل، استعداء واشنطن على طهران، بحجة تهديد إيران للدول الخليجية، واحتمال سيطرتها على منابع النفط، مما يخلق أجواء من التوتر بين إيران والدول العربية، خاصة بعد التقارب الواضح بينها، والتغيّر في سياسات طهران الخارجية في عهد الرئيس محمد خاتمي. فإسرائيل لا تعيش إلا على الفُرقة بين الدول العربية، والوقيعة بين الدول الإسلامية، ولا تطيق ان يمتلك بلد عربي، أو إسلامي، قريب منها، أيّاً من أسباب القوة، حتى تبقى، وحدها، المسيطرة على مسرح الأحداث، تأمُر فتُطاع، وتفْرض فَتُجاب، تتوسع من دون قيود، وتتبجح من دون خوف. من يدفع الثمن؟ إنها الشعوب، تدفعه من قُوتِها وحقّها في حياة مستقرة. تدفعه من حساب خطط التنمية الطموحة. تدفعه من حساب صحّتها وصحّة الأجيال الجديدة. تدفعه من القلق الذي يُحيط بها، خشية تسرُّب إشعاع من مفاعل أُنشئ لحمايتها من الأخطار الخارجية، فإذا به يشكل خطراً داخلياً قاتلاً، مثلما حدَث في مفاعل تشيرنوبيل السوفيتي بأوكرانيا. وقد أعلنت جريدة هندية، في 17 مايو الماضي، "أن سكان أقرب القرى الى موقع التفجيرات الأخيرة، يعانون أعراضاً مَرَضية غريبة، عقب التفجيرات مباشرة، وأن 12 شخصاً، يشكون نزفاً حادّاً من الأنف، وإسهالاً، وتهيّجاً في الجلد، واحمراراً في العينين". هذا هو الثمن: تدمير ثروة وحياة. حياة في فقر، وأمراض وأسقام في حياة. عذاب في الحاضر، وظلام في المستقبل. إنفاق على التدمير، وإمساك عن التعمير!! موقف الدول العربية وردَ ضمن الاخبار اليومية، تحت عنوان "ردود الفعل، العربية والاسلامية، تتصاعد في مواجهة التخطيط النووي الاسرائيلي" خبر مفاده أنه في "اعقاب تكشّف حقائق حول توجيه اسرائيل ثمانين رأساً نووياً الى الدول العربية المحيطة، فإن الدول العربية والإسلامية، تخطط لتحرك يشمل توجيه طلب عاجل الى الوكالة الدولية للطاقة النووية والذرية، لإرسال بعثة تفتيش دولية عاجلة ومحايدة، الى اسرائيل للكشف والتحقيق في المعطيات الجديدة، وقياس حجم الأخطار، التي تواجه الدول العربية والاسلامية، من منظومة السلاح النووي الإسرائيلي، وإعداد تقرير عاجل، يُعرض على مجلس الأمن الدولي، مع التحضير لدعوة مجلس الأمن، لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، إزاء التهديد النووي الإسرائيلي، واستصدار قرار ملزِم، يكشف حقيقة الوضع النووي في إسرائيل، بغضّ النظر عن رفضها توقيع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، أو أسلحة الدمار الشامل، والذي يُخرجها من دائرة الالتزام بالرقابة والتفتيش الدوليين، على أساس أنها دولة غير نووية. وإجراء اتصالات مع واشنطن، في محاولة لتحييدها، على الأقل، إزاء مطالبها المشروعة في الكشف عن حقيقة أخطار السلاح النووي الإسرائيلي، والابتعاد عن استخدام حق الفيتو لتأكيد مصداقية مجلس الأمن، كجهاز دولي، مكلف بحماية السلام والأمن الدوليين، والتحذير من أخطار الصمت، إزاء هذه المعلومات الخطيرة، التي تهدّد بانفجار المنطقة، بل العالم، في أي لحظة". إلى متى ستظل الدول العربية تنادي، وتناشد، وتطالب بجعل منطقة الشرق الاوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، أو منزوعة من الأسلحة النووية؟ وإلى متى ستظل في الموقف الأضعف تجاه اسرائيل؟ وهل ستظل تستجدي، تصريحاً قوياً من دولة، واجتماع قِمة من أخرى؟ إن أشدّ ما يُخشَى ان يحرّك درس الهند وباكستان، الشعوب العربية، لتضغط على حكّامها، مطالبةً بالمِثل! ولا ندري هل سيستطيع الحكّام المعتدلون الصمود طويلاً، أمام رغبة الشعوب، التي تنادي برفع الظلم، وإيقاف الاستجداء والمناشدة، ما دامت الاستجابة معدومة؟ إن أي عادلٍ ومنصفٍ، يقرّ بحقوق الإنسان، ويقر بحق الشعوب ان تحيا حياة كريمة، في عالم يسُوده التعاون والسلام، تسُوده العزّة والكرامة، يسُوده عدم طغيان شعب على آخر، ولا تسُوده النعرة العرقية، يُقدَّس فيه الحق والعدل، ويُحترم فيه الأمن والأمان، ويتحقق فيه الاستقرار والطمأنينة - هذا العادل - لن يرضى بسباق تسلّح نووي، يقود الى الدمار، وإلى حياة الفقر والخراب. فهل تفيق الدول الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدةالأمريكية، القوة العظمى الوحيدة، وتتحرك وتتّخذ من الإجراءات ما يحُول دون حدوث كارثة نووية، لا يعلم مداها إلا اللّه، فتفرض حظر الانتشار النووي، وتُخضع كافة المنشآت النووية للتفتيش والمراقبة، وتعمل على تدمير المخزون النووي؟ وعلى واشنطن، إذا أرادت ان تُعيد هيبتها، وتؤكد مصداقيتها، أن تبدأ بإسرائيل. فهل تبدأ؟ إنا لمنتظرون.