أثارت التجارب النووية الهندية الخمس الاخيرة ضجة عالمية، وأدت الى توتير الاجواء في المنطقة الآسيوية، حيث ثارت ثائرة باكستان التي ردت بتجارب مماثلة وكذلك الصين فضلاً عن اليابان التي حرمت الهند من تمويلات لمشاريعها، كما اغضبت استراليا وقاطعت زيارات مسؤوليها للهند، في وقت سادت الاوساط الاوروبية اجواء عدم المبالاة مع شبه تأييد فرنسي للهند وتأييد آخر من روسيا. ويتبادر الى ذهن المراقبين ان المتضرر الاكبر من هذه التجارب هو الولاياتالمتحدة التي صورت صحافتها وتصريحات بعض مسؤوليها ان الامر يتعلق باهتزاز المكانة الاميركية دولياً باعتبارها مسؤولة عن النظام الدولي منذ انتهاء الحرب الباردة والى اليوم اولاً. كما يتعلق بتحدي الارادة الدولية العاملة على منع التجارب النووية والتوقيع على معاهدة الحد من الانتشار النووي ثانياً. ويتعلق بتوتير الاجواء في المنطقة الآسيوية وفتح الطريق امام سباق تسلح نووي مضر بحاضر ومستقبل المنطقة الحيوية من العالم ثالثاً. لذلك سارعت الولاياتالمتحدة الى الاعلان عن فرض عقوباتها الاقتصادية على الهند والتي ستكلف الاخيرة حسب مصادر "واشنطن بوست" حوالى 20 مليار دولار في السنوات المقبلة. كما سارعت الى تهدئة باكستان مع انها لم تنجح في الحيلولة دون اقدامها على تجربتها النووية الأولى، وهددتها بدورها بفرض عقوبات اقتصادية ضدها اذا اجرت تجارب نووية. في هذا الاطار وضمن هذا الفهم للأمور تتبدى ظواهر الاحداث. ولعل الغوص في باطنها يكشف ابعاداً اخرى قد لا تكون واضحة لكثير من المراقبين. ان قصة التسلح النووي والنادي النووي الدولي ومحدودية اعضائه ومدى قبول الاعضاء الجدد، وطريقة ادارة الولاياتالمتحدة الاميركية للنظام النووي الدولي، والتنافس الحادث في القارة الهندية بين الاطراف الرئيسة الثلاثة: الهند 790 مليون نسمة والباكستان 138 مليون نسمة والصين 1237 مليون نسمة الذين يشكلون اقل قليلاً من نصف سكان كوكبنا الأرضي الذي سيبلغ ستة بلايين في مطلع العام 2000، وانعكاسات هذا التنافس على البلدان الآسيوية جميعها، هي ما يمكّننا من الاجابة عن الكثير من التساؤلات. رصيد البلدان سنتناول بادئ ذي بدء كيف تشكل هذا النادي النووي الدولي ومتى باشرت الدول عضويتها فيه: 1 - الولاياتالمتحدة الاميركية: انشأت مختبرها الأول لانتاج وتصنيع المعادن في شيكاغو عام 1942. قامت بأول تجربة لتفجير نووي في النصف الأول من الاربعينات وأول تجربة لتفجير هيدروجيني في النصف الأول من الخمسينات. اما مجموع تجاربها النووية حتى 31/12/1992 فهو 952 ومن ضمنها قنبلتا هيروشيما ونغازاكي. 2 - الاتحاد السوفياتي: اعطى السوفيات الأولوية القصوى للبرنامج النووي اعتباراً من 1945. قام الاتحاد السوفياتي بتجربته الأولى في مجال التفجير النووي في 29/8/1949 وتجربته الهيدروجينية الأولى في النصف الأول من الخمسينات. ومجموع تجاربه النووية حوالى الف. 3 - بريطانيا: اعلنت الحكومة البريطانية عزمها على المضي ببرنامجها النووي في النصف الثاني من الاربعينات وأجرت تجربتها النووية الأولى في الثالث من تشرين الأول اكتوبر 1952. قامت بپ44 تجربة حتى 31/12/1992. 4 - فرنسا: لم تكن دولة مرحباً بها في النادي النووي الدولي الذي كان يضم الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا. بدأت العمل ببرنامجها النووي منذ بداية الخمسينات وجربت قنبلتها النووية الأولى في الصحراء الجزائرية في 13 شباط فبراير 1960 وقنبلتها الهيدروجينية عام 1968 في موروروا، ويبلغ مجموع تجاربها النووية 192 تجربة حتى 31/12/1992. 5 - اسرائيل: بدأت برنامجها النووي في النصف الثاني من الخمسينات. قدمت فرنسا مساعدات تقنية في مجال البحوث النووية لاسرائيل كما ساعدتها في بناء مفاعل ديمونا الكائن في صحراء النقب. لم تعلن اسرائيل عن انتاجها النووي ولا عن تجاربها، على رغم ان شمعون بيريز اشار في احد احاديثه "النووية" الى امتلاك بلاده السلاح النووي. كما اشار العديد من الخبراء الى ذلك، لكن تقديرات الخبراء الاميركيين والروس تذهب الى انها تمتلك بين 100 و200 قطعة سلاح نووي. 6 - الصين الشعبية: بدأت العمل ببرنامجها النووي عام 1958. قامت بأول تجربة نووية لها في 16 تشرين الأول 1964، وأول تجربة هيدروجينية في حزيران يونيو 1967. مجموع تجاربها النووية يقدر بپ37 تجربة. ففي 1979 بعد سقوط الشاه واغلاق محطات التجسس الاميركية في ايران لجأت الولاياتالمتحدة الى الصين حيث ابرمت اتفاقاً للحصول على معلومات عن التجارب النووية والصواريخ السوفياتية بواسطة منشآت بنيت على الأراضي الصينية. وفي 1980 قامت الولاياتالمتحدة بعملية تمويل كامل لبناء هذه المنشآت في الصين ونقلت الاجهزة اللازمة للتجسس كاملة، وادارتها بالتعاون مع تقنيين صينيين، وهي اجهزة متقدمة جداً. كما دربت عناصر من الجيش الشعبي الصيني في الولاياتالمتحدة وزودتهم معارف الكترونية على درجة كبيرة من الاهمية. 7 - الهند: بدأ البرنامج النووي الهندي في الخمسينات. ذلك ما ادلت به رئيسة الوزراء الهندية الراحلة انديرا غاندي عام 1969. قامت الهند بأول تجربة لها في 8 ايار مايو 1974. ويبلغ عدد تجاربها النووية حتى اليوم 19 تجربة. وفي حوزة الهند استناداً الى المعلومات الهندية نفسها ما بين 30 و50 قنبلة نووية. 8 - باكستان: اتخذت قرار اعتماد برنامج نووي بعد الحرب الهندية الباكستانية التي حدثت عام 1971 مباشرة. لم تعلن عن انتاجها او تجاربها. وقد اعترف وزير الخارجية الباكستاني جوهر ايوب خان اخيراً للصحافة بجاهزية القدرة الباكستانية لاجراء تجربة نووية في الحال. وهذا ما تؤكده المعلومات الاميركية الاخيرة التي تذهب الى ان باكستان كانت ستجري تجربتها النووية الأولى تحت الأرض في مركز يقع في الصحراء لولا الضغوط الاميركية عليها. 9 - افريقيا الجنوبية: بدأت برنامجها النووي عام 1974 وأوقفته عام 1989 وقامت بتدمير 6 قنابل نووية في العام نفسه. 10 - العراق: قرر صدام حسين بعد توليه السلطة خلفاً للرئيس السابق احمد حسن البكر تسريع البرنامج النووي العراقي والعمل على اخفاء المنشآت النووية وبخاصة بعد تدمير الاسرائيليين للمفاعل اوزراك في بداية الثمانينات. وقد جرى تدمير ما للعراق من بنى تحتية لانتاج السلاح النووي وأغلق الملف النووي العراقي اخيراً. 11 - كوريا الشمالية: بناء مفاعل لتوليد البلوتانيوم في النصف الأول من الثمانينات. وفي شباط 1993 رفضت كوريا طلب التفتيش الذي تقدمت به الوكالة الدولية للطاقة النووية وهددت بالانسحاب من المعاهدة. ويبدو انها توصلت الى تسوية مع الولاياتالمتحدة. 12 - ايران: بدأت برنامجها النووي في منتصف الثمانينات. وحسب المعلومات الاميركية التي ذكرتها صحيفة "نيويورك تايمز" فان فيكتور ميخائيلوف كبير مسؤولي وكالة الطاقة الذرية في روسيا وعد ايران في كانون الثاني يناير الماضي بأن موسكو ستبيعها معدات يمكن ان تستخدمها في اعداد المادة اللازمة لصنع قنبلة نووية منها معدات لتخصيب اليورانيوم. وقد حاول كلينتون وما زال يحاول اقناع المسؤولين الروس بالتخلي عن عقد نووي مع ايران ينص على بناء اربعة مفاعلات تعمل بالماء الخفيف، بيد ان الروس رفضوا ذلك رغم التلويح الاميركي بوقف مساعداتهم الاقتصادية لروسيا. 13 - روسيا وأوكرانيا وكازاخستان وبيلاروسيا: وهي الدول النووية الاربع التي ورثت السلاح النووي للاتحاد السوفياتي وفقاً للنسب التالية: 70 في المئة للأولى و15 للثانية و7 للثالثة و5 للرابعة وتتقاسم الپ3 الباقية بالتساوي كل من اوزبكستان وأرمينيا وجورجيا. بين الاقناع والتدمير في البداية بقيت اسلحة الدمار الشامل النووية والهيدروجينية حكراً على اعضاء النادي الأربعة الأوائل حتى النصف الثاني من الخمسينات من هذا القرن. وبعد اخفاق العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بدأ الاتجاه لقبول اعضاء جدد في النادي النووي الدولي، وكان أول من قبل فيه دون ان يعلن عن ذلك رسمياً هو اسرائيل التي حصلت على الدعم التقني والعلمي من فرنسا والموافقة من الدول الكبرى. وقد ادى التسابق على الاسلحة النووية في فترة الحرب الباردة الى تزايد متسارع لعدد اعضاء النادي النووي الدولي. وكانت المواجهات السياسية بين القطبين وتعارض الاستراتيجيات الدولية والصفقات التجارية وراء الاستعانة المتزايدة بالمفاعلات النووية لاشباع الطموحات العسكرية. وفضلاً عن ذلك ادى انهيار الاتحاد السوفياتي الى تسرب الكثير من المواد المشعة والخبرات النووية الى بلدان العالم الثالث. الامر الذي دفع الولاياتالمتحدة الى العمل والسعي جاهدة لضبط التسرب النووي وإقناع المزيد من اعضاء النادي بالتخلي عن سلاحهم النووي وإعلان مناطقهم الاقليمية مناطق منزوعة السلاح النووي. وبالفعل جرى اقناع البرازيل والارجنتين وديا بعدم تطوير البرنامج النووي، كما اقنعت ايضاً جنوب افريقيا وقامت بنفسها بتدمير مخزونها الكبير، وبشكل آخر ارغم العراق على تدمير ما عنده من استعدادات وقدرات للمضي في برنامجه النووي. اما الولاياتالمتحدة فاتخذت اجراءات قبل عقد ونيف، لضمان قابلية ومصداقية وأمن مخزونها من السلاح النووي ضمن احتمال دخول معاهدة للحد من التجارب حيز التنفيذ قبل منتصف التسعينات. وعلى الرغم من اعلان وقف التجارب تبعاً لمعاهدة منع اجرائها والحد منها، فان الاميركيين التزموا لعلمائهم بانشاء معاهد للبحث المتطور والمتقدم جداً ليتيحوا للبلد ان يحتفظ بتفوقه في مجال الاسلحة النووية. وقد تزودت فرنسا هي الاخرى بمثل مراكز البحوث هذه، وبوصول جاك شيراك الى رئاسة الجمهورية عام 1995 قرر، على رغم الاعتراضات الأوروبية والامتعاض الاميركي، اجراء تجارب نووية محدودة تسهل لفرنسا الدخول الى التجارب النووية المختبرية. اما الصين فأشارت الى انها يمكن ان تواصل تجاربها حتى تاريخ تطبيق المعاهدة المذكورة. وكان سها زوكانغ رئيس وفد المفاوضات الصيني في جنيف يكرر على سامعيه "يجب ان نقوم ببعض التجارب. لا يمكنني ان اقول لكم كم سيكون عددها ولكن عليكم ان تطالعوا معنى كلمة "بعض" في قاموس اكسفورد". وبالفعل قامت الصين باجراء تجاربها ووقعت بعد ذلك معاهدة منع التجارب النووية. وقد تذمر اثناء انعقاد مؤتمر جنيف المندوب الهندي ارنودهاتي جهوز من مناورات الكبار وقال ان "معاهدة الحد من التجارب النووية لا تفيد بشيء على الاطلاق لأنها تسعى لارساء نظام تمييزي". ولأول مرة وافقه المندوب الباكستاني منير اكرم الذي قال "ان اعضاء النادي النووي الخمسة وهم اعضاء مجلس الأمن الدائمون يسخرون منا ويقولون خذوا بأقوالي ولا تأخذوا بأفعالي وهذا امر غير عادل". تلك كانت محفزات خروج الهند على الاجماع الدولي وعزمها على المضي في برنامجها النووي كما اكد ذلك عبر الكلام مسؤول برنامج البحث والتطوير الهندي في مجال الدفاع حين قال: "نحن نؤيد معاهدة الحد من التجارب النووية ولكن علينا مثل غيرنا ان نتفاوض من موقع قوة". باكستان واسرائيل والآخرون ترتاب القوى النووية الصغيرة كنيودلهي واسلام أباد تجاه النوايا الحقيقية للقائمين على تطبيق معاهدة الحد من التجارب النووية، والتي يعتبرونها معاهدة قائمة على مبدأ تمييزي اذ انها تنطلق من التسليم بوجود خمس دول نووية وتمنع اي زيادة لاعضاء النادي النووي الدولي. وتقديرهم بعدم عدالة تعاملها مع القوى الصغيرة، كان احد العوامل التي دفعت وقد تدفع الى تجاوزها واستمرار التجارب النووية. لقد كانت الهند تشعر بأنها لم تطور قدرتها النووية بالقدر الكافي بعد تجربتها النووية الأولى في بوكاران الواقعة في شمال غربي البلاد عام 1974. وحتى تتزود بترسانة نووية مقبولة اجرت أخيراً تجاربها النووية الاضافية. ولتبرير هذه التجارب الخمس الاخيرة كان براهام شيلاني الاستاذ في مركز الدراسات السياسية في نيودلهي يصرح "ليس في وسعنا المضي في التأمل بأن سلاحنا النووي يمكن ان ينشأ من العدم. لا ننسى انه حتى العلماء الفرنسيون والصينيون لجأوا الى التجارب النووية لتحسين وتطوير تكنولوجياتهم". وفي هذا الاتجاه كان جاسجيت سينغ مدير معهد الدفاع للدراسات والتحليلات في نيودلهي قد تحدث في الندوة التي عقدتها المؤسسة الفرنسية للدراسات الدفاعية معبراً عن وجهة نظر الهند في معاهدة الحد من الانتشار النووي، اذ قال ان الهند تحسست جدا من تحقيق الصين قدرة نووية عام 1964 ومذّاك راكمت الصين ترسانة نووية تحدثها وتنميها وتحسنها بدون توقف. وهو يرى ان الصين وليس باكستان هي العامل الاساسي في الحسابات الامنية الهندية، وبخاصة في ما يخص المسألة النووية. وفي معرض هجومه على الدور الصيني يذكر ان دلائل عديدة تشير الى ان الصين زودت باكستان بتقنيات السلاح النووي في بداية الثمانينات. وقد اعترفت بأنها زودت باكستان ايضاً بصواريخ بلاستيكية في السنوات الاخيرة، فضلاً عن انها ساعدت ايران للحصول على صواريخ بلاستيكية وطرق نصبها بل امكانية انتاجها في ايران. وعلى الجانب العربي والاسلامي هناك قناعات تدعمها بعض الدلائل تذهب الى ان الاتجاه العام للدول الكبرى وبشكل خاص الولاياتالمتحدة يسعى الى حرمان الدول العربية والاسلامية من حيازة الاسلحة النووية. وقد جاءت الضغوط الدولية الاخيرة على باكستان لتصبّ الزيت على نار الغضب هذا. فالعرب على سبيل المثال كانت لهم طموحاتهم بأن توقع اسرائيل على معاهدة الحد من الانتشار النووي. وقد دفع المصريون ايران التي لم يكونوا على وفاق سياسي معها الى الامتناع عن التوقيع على المعاهدة حتى توقع اسرائيل. ومع ذلك رفضت الاخيرة رفضاً قاطعاً، كما رفضت تحويل منطقة الشرق الأوسط الى منطقة منزوعة السلاح النووي. وهذا السلوك الاميركي المتحيز لاسرائيل هو الذي دفع الكاتبة البريطانية هيلينا كوبان الى القول بأن الشواهد تدل على عدم جدية الولاياتالمتحدة في مسألة الحد من الاسلحة النووية، وتشير الى بيع ادارة كلينتون اسرائيل سبعة اجهزة "سوبر كومبيوتر" تعمل بسرعة تفوق عشرة اضعاف المستوى الذي يحظر تصديره. واستناداً الى الدورية المعارضة لانتشار السلاح النووي "ذي ريسك ريبورت" فإن هذه الاجهزة اخترعت خصيصاً لتصميم القنابل النووية والهيدروجينية الاميركية. وقد ذهبت هذه الاجهزة الى معهد وايزمان والجامعة العبرية في القدس اللذين قال تقرير البنتاغون الاميركي انهما يساندان برنامج اسرائيل للتسلح النووي. وسوف تمكّن هذه الاجهزة علماء السلاح النووي الاسرائيلي من درس مختلف مراحل استعمال ذلك السلاح من الاطلاق الى الايصال الى التفجير، عن طريق المماثلة الكومبيوترية مما يسمح لهم بتطوير التصاميم من دون القيام بتجارب فعلية. وعلى الجانب الباكستاني مثلاً نرى مرارة التحالف مع الولاياتالمتحدة تظهر في الكتابات الصحافية. فلا يكفي ان تكون حليفاً لأميركا كي يصبح لك اعتبار او يصان لك حق، بل ينبغي ان تكون على شاكلة اخرى، شاكلة تكتب عنها صحيفة "ذي نيشن" الصادرة في لاهور مجيبة عن السؤال الذي يتردد على لسان الباكستانيين والمتعلق بأسباب تخلي الولاياتالمتحدة عن باكستان رغم قدم التحالف بين البلدين وتفضيلها الهند؟ تجيب الصحيفة: 1 - لأن باكستان دولة صغيرة اعتمدت وما زالت تعتمد على المساعدات العسكرية والاقتصادية الاميركية. 2 - لأن الهند دولة كبرى وطبقتها الوسطى تمثل سوقاً مهمة للأميركيين. 3 - لأن الهند تعتبر في نظر الاميركيين من الزاوية الجيواستراتيجية قوة آسيوية نووية موازية للقوة الصينية التي بدأت تأخذ مكانتها المهمة جداً بين الدول الاقليمية الآسيوية. ومن صالح القوة الاميركية ان تتوازن قوتان متنافستان في آسيا الناهضة على كل المستويات للحيلولة دون ظهور قطب اقليمي قوي يطرح نفسه دولياً في ساحة الاستقطاب الدولي. 4 - ان باكستان جزء من العالم الاسلامي، وكما هو معروف فان القوى الكبرى ترفض دخول دولة مسلمة الى النادي النووي الدولي. وكما قال وزير الاعلام الباكستاني مشاهد حسين فان المسيحيين واليهود والكونفوشيين الاشارة الى الصين وأخيراً الهندوس يمتلكون القنابل النووية ولكن القوى الكبرى تمنع المسلمين من امتلاك هذا السلاح الرادع. العامل الديني؟ لكن هل يمكننا بالفعل ان نتبنى مفهوم الموقف الديني في المسألة النووية؟ سؤال ليس من السهل الاجابة عنه لأن الاستراتيجيات في العالم تخطط على اسس عديدة: اقتصادية وسياسية وأمنية وجيوثقافية الخ. ولا يبدو انها تأخذ العامل الديني بنظر الاعتبار في عصرنا الحالي. ولكن ولكي لا نتهم بالسذاجة ينبغي اخذ العامل الديني في مسائل الصراع الشرق اوسطي والآسيوي بنظر الاعتبار. فلماذا قال ارييل شارون ان امن اسرائيل يمتد حتى باكستان، ولماذا تعتبر ايران ان قضية فلسطين قضيتها الأساسية، ولماذا نزع السلاح النووي من بعض الجمهوريات الاسلامية المستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وكان في حيازتها 8 في المئة من السلاح السوفياتي؟ وماذ الذي دفع وزير الثقافة الفرنسي الاسبق جاك لانغ الى التصريح "انه لمما يهدد السلام العالمي ان تمتلك هذه الجمهوريات الصغيرة المستقلة المسلمة سلاحاً نوويا"، مطالباً بسحبه ووضعه لدى روسيا. وهو ما حدث بالفعل بعد التدخلات الغربية والاميركية خاصة، ولماذا تمارس الضغوط الاميركية على روسيا والصين لمنع تزويد ايران بما يساعدها على تنفيذ برنامجها النووي، ولماذا تم تدمير اسلحة الدمار الشامل العراقية وتركت الاسلحة الاسرائيلية حيث تملك اسرائيل ترسانة نووية استراتيجية وتكتيكية، وتملك ادوات النقل والاطلاق وهي غير موقعة على معاهدة الحد من الانتشار النووي؟ لماذا يسمح للهند ان تجري 19 تجربة نووية وتتم محاولة منع باكستان من اجراء تجربتها النووية الأولى؟ تلك اسئلة كثيرة لا تجد لها في اغلب الاحيان اجوبة مقنعة. وهي تثار بشكل يومي لدى الرأي العام العربي والاسلامي. ومن غير المنطقي ان يتم اغفالها والقفز عنها دون اعارتها الاهمية التي تستحق. فإذا سلمنا بعدم صدقية افتراض وجود العامل الديني في الاستراتيجيات الدولية، وهو امر من الصعب جداً القول بغيره، فهل يصح لنا ان ننكر اعتماد القوى الكبرى اسلوب المعاملة التمييزية مع العالم الاسلامي؟ وهل بامكاننا، بهذه المناسبة، انكار تأثيرات العامل الديني على اوجه الصراع الاقليمية والدولية؟ يبدو اننا مدعوون الى الاعتراف بما اصبح من المظاهر اليومية في الاعلام الغربي. فهناك امامنا اصولية دينية قاتلة ومدمرة كالاصولية اليهودية وما تفعله في فلسطين، وهناك المجازر الصربية بحق المسلمين في البوسنة، فيما لا تسلط الاضواء الا على الارهاب الاسلامي والاصولية الاسلامية والتهديد الذي يمكن ان تمثله دولة اسلامية صغيرة في آسيا تملك السلاح النووي للسلام العالمي. بيد اننا لا يسعنا في الوقت نفسه ان نسمح بأن يذهب تيار الغضب بجدارة العقل في مساءلة الاحداث. فالساحة العربية الاسلامية مكتظة بالآراء الجريئة والعاقلة التي تعتمد الوسائل المنطقية في معالجة التحديات. وفي هذا الصدد نجد انه في حومة الغضب الباكستاني من التفجيرات النووية الهندية هناك اصوات باكستانية تعي عظمة الاشكال النووي وتكاليفه الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما نراه في صحيفة "داون" الصادرة في كراتشي حيث تذكر الصحيفة الاسباب التي ينبغي ان تحول دون انسياق باكستان في السباق النووي