من المؤسف ان يُتخذ من "العولمة" غطاء لدعوات متباينة السلبية تنحو إما نحو التقوقع والانغلاق أو نحو التهشيم والتشطير، كما جاء في مقال الدكتور شفيق ناظم الغبرا بعنوان "ثورة العولمة وأزمة العرب الجديدة". جاء في مقاله نصاً "إن أكثر الدول حظاً ستكون مدناً شبه مستقلة مثل أبو ظبي ودبي وسنغافورة ولكسمبورغ وقطر والكويت وبيروت"... ومتنبأً بأن تتفكك دول كالعراق وايران وتركيا، بل وحتى الولاياتالمتحدة وبريطانيا والهند والصين، مستشهداً بحركات انفصالية كحركة اقليم الباسك واستقلال اسكتلندا وكويبك والأكراد والتاميل وغيرها. وعلى رغم ايجابيات المقال الداعية الى الانفتاح واللحاق بركب الامم المتحضرة إلا ان الدعوة الى التهشيم والتشطير بالقول ان دويلات المدن مثل أبو ظبي ودبي والكويت وبيروت ستكون أوفر حظاً تتنافى ليس مع مسيرة التاريخ، بل وأيضاً مع تطلعات واتجاهات الحاضر. فتاريخياً كما لا يخفى على أحد كان ثراء دويلات المدن مثل إسبارطة وتدمر والبندقية وصور من أهم أسباب اندثارها حينما مثلت نقطة جذب لأطماع القوى الكبرى في عصورها المختلفة. كما ان الاستشهاد بحركات انفصالية منبثقة عن اسس عرقية بحتة يتعارض تماماً مع ما تتمتع به الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً من روابط أزلية متجذرة في أعماق التاريخ كاللغة والدين والثقافة والتاريخ المشترك، فلا مجال للمقارنة والاستشهاد بتلك الحركات كدليل على الاتجاه نحو التشرذم والتفكك لدول الخليج الى دويلات ومدن. ولا يفوت المرء الا ان يتذكر مصير الاندلس بعدما تفككت الدولة الاموية الى دويلات مدن. أما حاضراً فرؤية تشظي دول الخليج الى دويلات مدن تتنافى تنافياً صارخاً مع اتجاهات وتطلعات الشعوب، فعلى الصعيد المحلي نرى العكس من ذلك تماماً. وعلى الصعيد العالمي فتوحيد شرطي المانيا على رغم التكاليف الفلكية، كما لا يخفى على متخصص في العلوم السياسية ان الوحدة الأوروبية لا تقوم على أسس اقتصادية ومادية فقط فهناك برلمان أوروبي منتخب يسن القوانين ويشرع الانظمة في مختلف الحقول السياسية. ويعارض المقال نفسه، فمن ناحية يذكر ان التقدم التكنولوجي سيجعل من الدويلات الصغيرة نداً للقوى العظمى ثم يرجع ليعترف ان تلك الدويلات لن يتعدى دورها مستقبلاً من ان تكون كويكبات تدور في فلك ثلاثة أجرام عظمى متمثلة في أوروبا واميركا الشمالية وجنوب شرق آسيا. ان النظرة الأنانية الضيقة في الدعوة الى التشرذم الى دويلات مدن لتنعم بالثراء الموقت تغفل الى حد بعيد ما يوفره التوحد والتكتل من منعة وكرامة وتقدم وتأثير حضاري، وذلك لن ينجم إلا عن توحيد الدول الخليجية بل والمشرقية لتكون جناحاً لوحدة أمة تدور في فلكها الكويكيبات لا أن تتشظى الى دويلات مدن تدور في فلك الآخرين. الا ان ذلك لا يبخس المقال حقه من الاشادة بما زخر به من آراء ايجابية تثير الإعجاب رغم مجانبته الصواب.