لا يخفى على احد الدور الذي تلعبه ايران في زعزعة امن واستقرار منطقة الخليج وتدخلاتها الفجة في الشأن العربي، ومحاولتها اختراق أمننا القومي عبر مخططات تهدف الى مد نفوذها والهيمنة على دول عربية كما يحدث في العراق وسورية واليمن مرورا بلبنان. ذاك الدور لم يكن محض صدفة أو نتاج احداث دعت الى ذلك التدخل السافر الفج، واقحام إيران نفسها في قضايا لا ناقة لها فيها ولاجمل الا اهداف توسعية الغرض منها سياسي لا ديني بكل تاكيد في موقف "براغماتي" أو "ذرائعي" يحاول شق الصفوف للوصول الى هدف ابعد مما هو منظور. ايران تحاول ان تلعب دور الحافظ لامن المنطقة امام المجتمع الدولي هو ذات الدور الذي حاول الشاه لعبه في سبعينات القرن الماضي والذي اطلق عليه حينها (شرطي المنطقة) ليكون مسؤولا عنها امام المجتمع الدولي وبالتالي يفرض هيمنته وينفذ سياساته وصولا إلى أهدافه. نحن ابدا لاننكر اهمية ايران في المنطقة كدولة لها مكانتها ولكننا ابدا لا نرضى ان تحاول ايران لعب دور يتجاوز حجمها الحقيقي الى طموحات لازالت تراود قيادتها باعادة امجاد الامبراطورية الفارسية على حساب امننا واستقرارنا وازدهارنا وتنمية دولنا العربية، فالامبراطورية الفارسية سقطت في (القادسية) وارى، كما يرى العديد من المفكرين، ان ذلك السقوط لازال طعم مرارته في حلوق من يحلمون بعودة تلك الامبراطورية خاصة انها انتهت على من كان يصفهم الفرس ب(الرعاع)، وليس ادل على ذلك من تمزيق كسرى لرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دعاه فيها الى الاسلام ودعا عليه افضل السلام واتم التسليم ان يمزق الله ملكه وهو ماحصل، ونبؤته صلى الله عليه وسلم بسقوط تلك الامبراطورية عندما وعد سراقة ابن مالك بسواري كسرى وهو في طريقه الى المدينةالمنورة شرفها الله. منذ 29 عاماً حاول الحرس الثوري السيطرة على المسجد الحرام.. وإثارة القلاقل في المسجد النبوي تاريخ إيران في المنطقة لايدع مجالا للشك عن نواياها في إقامة ما يطلق عليه (الهلال الشيعي)، وان كانت تجاوزت ذاك الهلال المزعوم بتدخلاتها السافرة في اليمن من خلال الحوثيين الذين تم استغلالهم ايما استغلال لتحقيق الاهداف التوسعية الايرانية، فهي تريد ان تتوسع جغرافيا في منطقتنا العربية عبر (وكلاء) تابعين لها ياتمرون بامرها وينفذون سياساتها ويحققون اهدافها. إيران بقادتها واستراتيجيتها التوسعية تتخذ من الدين مطية وسببا في محاولة لكسب ارض جديدة، وفي الحقيقة ان استراتيجيتها تبنى على انقاض الدول التي تدعمها ليس من اجل صالح تلك الدول وانما من صالحها هي فقط دون غيرها، وللاسف الشديد وجدت في تلك الدول من اعتقد انها لو دارت في فلك ايران سيكون في ذلك خلاصها وحقيقة كان دمارها وضياع هويتها والامثلة حية امامنا لايمكن حجبها ولا حتى تدليسها. التدخلات الايرانية السافرة في الشان العربي لايمكن السكوت عنها، فعندما تدخلت ايران في العراق ثم سورية حاولت الدول العربية انقاذ شعوب تلك الدول من براثن المفترس الايراني، وكان موقفا دوليا متخاذلا ادى الى حصول كوارث انسانية كانت من الممكن ان لاتكون. وجاءت محاولات ايران التدخل في الشان اليمني ودعم الانقلاب على الشرعية ليس من اجل مصلحة اليمن والشعب اليمني ولكن في محاولة التواجد على الحدود الجنوبية للمملكة فكانت (عاصفة الحزم) التي الجمت كل طموح ايراني في التوسع، وجعلت قادة ايران يفكرون الف مرة قبل اتخاذ اي خطوات من شانها اظهارهم على حقيقتهم وفضح نواياهم والتصدي لمخططاتهم في التوسع واسقاط الدول العربية واحدة تلو الاخرى في افخاخهم حتى تكون ايران هي القوة الكبرى دون منازع وان تكون الدول العربية مجرد دويلات تسبح في فلكها. ارى ان (عاصفة الحزم) منعطف تاريخي ليس للمملكة ودول الخليج فحسب انما هي جاءت كطوق انقاذ للامن القومي العربي من التفكك والتشرذم ومن ثم الانقسام. عاصفة الحزم اعادت هيبة العرب، وجعلت المجتمع الدولي ينظر الينا نظرة مختلفة فيها الكثير الهيبة التي كنا على وشك فقدانها لحساب ايران وتدخلاتها السافرة في شؤوننا. ولو اردنا رصد السلوك الايراني في محاولات فرض اسلوبه في التعامل مع الاحداث لرجعنا الى محاولات افساد مواسم عدة للحج عن طريق اثارة الفتن والقلاقل وبث الرعب في افواج حجاج بيت الله الحرام الامنيين المطمانين وحاولاتهم الخائبة في احتلال المسجد الحرام واثارة الفوضى بالقرب من المسجد النبوي الشريف والتي جاءت على النحو التالي: * في 21 ذي القعدة 1402 ه قال بيان صادر عن وزارة الداخلية إن مجموعة من الحجاج الإيرانيين تظاهروا أمام المسجد النبوي الشريف ورددوا هتافات بعد صلاة عصر يوم 20/11/1402. وأضاف البيان أن المتظاهرين رفعوا صور الخميني، وتدخلت قوات الأمن ومنعت المسيرة. وفي الأيام التالية جرت محاولات أخرى للتظاهر بالمدينة فرقتها القوات الأمنية بالحسنى. إيران تريد أن تتوسع جغرافياً في منطقتنا العربية عبر (وكلاء) تابعين لها يأتمرون بأمرها وينفذون سياساتها ويحققون أهدافها * في 7 شوال 1403 ه دحض الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية - رحمه الله - مزاعم إيرانية حول عدم استجابة المملكة للطلبات الإيرانية المتعلقة باتخاذ إجراءات لضمان راحة الحجاج الإيرانيين وأن هذا الموقف معناه إلغاء سفر الحجاج الإيرانيين، وأكد أن المملكة تضع كل إمكانياتها من أجل راحة الحجاج. وقال البيان إن مسالك بعض الحجاج الإيرانيين قد بدأت تنحرف عن الغاية الأساسية لأداء فريضة الحج إلى أهداف سياسية خاصة ودعائية غوغائية تتعارض مع التعاليم الإسلامية بشأن فريضة الحج، فقد وجد مع بعض الحجاج الإيرانيين أسلحة يدوية وسكاكين مع كميات من المنشورات والبيانات الدعائية للخميني وفيها مضامين التهجم الصريح على المسؤولين في المملكة. وكذلك قيام بعض هؤلاء بالتظاهر وإطلاق الهتافات بكلمات تتنافى مع كلمات التوحيد مثل «الله أكبر – خميني إمام – الله أكبر»، ومحاولة دخول المسجد الحرام ببعض الأسلحة النارية الصغيرة وقد ضبطت سلطات الأمن هذه الأسلحة عشرات المرات. * 24 ذو القعدة 1403 ه عثر مع 21 إيرانيا على منشورات دعائية وصور وشعارات وتبين أن قدومهم لم يكن بغرض الحج وقال بيان لوزارة الداخلية إنه تم اعتقال هؤلاء الأشخاص وصودر ما في حوزتهم من منشورات وصور تمهيدا لإعادتهم إلى بلادهم. * في 3 ذي الحجة 1406 ه تم إيقاف مجموعة من الحجاج الإيرانيين كانت تحمل منشورات وكتبا وصورا دعائية، كما قامت بأعمال تظاهر، وتم التحقيق مع هذه المجموعة ومصادرة ما تحمله من كتب وشعارات ومنشورات وصور. ثم كانت احداث حج العام 1407 التي كانت وصمة عار على من يدعون انهم يريدون الخير للاسلام والمسلمين ويفعلون غير ما يقولون.. تلك الاحداث لاازالت في الذاكرة الاسلامية لايمكن باي حال من الاحوال محوها كونها اساءت لنا كمسلمين على الرغم من اختلاف مذاهبنا فشهادة ان لا اله الا الله تجمعنا وان توحد صفوفنا لان ان يتم استغلالها للوصول الى اهداف لاعلاقة لها بها بدين فكيف بنا بمذهب ضمن الدين؟ تلك الاحداث يجب ان تروى للاجيال حتى نعرف ما هو المراد بنا وكيف يتصرف من يجعلون من الدين رداءا على اختلاف مذاهبهم ليحققوا اهدافا تتعدى الشبهة الى الواقع.. وكانت كالتالي: بدأت الأحداث عصر يوم جمعة عندما قامت تجمعات من الحجاج الإيرانيين بتشكيل مسيرة صاخبة أشاعت الفوضى والاضطراب بين حجاج بيت الله الذين أتوا من مختلف أنحاء العالم الإسلامي وغير الإسلامي ويقدر عددهم بنحو 2.1 مليون حاج في حج ذلك العام. وأوصدت المسيرة منافذ الطرقات وعرقلت مسالك المرور وحالت دون تمكن المواطنين والحجاج في مكةالمكرمة من الانطلاق إلى مصالحهم وشؤونهم كما أفسدت على الطائفين والقائمين عبادتهم في المسجد الحرام. وقد كان من الطبيعي أن يتدخل المواطنون الذين توقفت مصالحهم والحجاج الذين تعرقلت مقاصدهم في العبادة وأداء المناسك لوقف هذه الأعمال بعد أن تعرقلت الحركة وضاقت الصدور، وجاء هذا التدخل عن طريق التفاهم السلمي مع مقدمة المسيرة، وألحوا عليهم برجائهم بإفساح الطريق أمام النساء والأطفال المحتجزين في سياراتهم إلا أن الإيرانيين أصروا على مواصلة المسيرة وسط هتافات. وتوجه المتظاهرون إلى بيت الله الحرام وأخذوا يدفعون المواطنين بالقوة والعنف، إذ حاولوا مع إخوانهم الحجاج الآخرين الحيلولة دون استمرار المسيرة. قوات الأمن التي كانت تراقب الموقف وتتحلى بضبط النفس وتقف على جانبي طريق المسيرة حاولت منع المواطنين وبقية الحجاج من الاصطدام بالإيرانيين المتظاهرين حرصا على سلامتهم ودرءاً للشرور، فما كان من المتظاهرين إلا أن هاجموا رجال الأمن بالعصي والمدى والحجارة واعتدوا عليهم، وعندها صدرت الأوامر لسلطات الأمن المختصة بالتصدي للمسيرة فورا ورفضها وإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي. على أثر ذلك وقعت حالة من الارتباك في صفوف المتظاهرين الذين تراجعوا في اندفاع فوضوي إلى الخلف حيث تساقط العشرات من النساء اللواتي كن وسط المسيرة تحت أقدام المتظاهرين، كما تساقط العشرات من الرجال الطاعنين في السن الذين زج بهم قسرا في هذه الأعمال الإجرامية. وما هي إلا لحظات حتى اختلط رجال الأمن والمواطنون بالمتظاهرين الذين أخذوا في حرق السيارات والدراجات وتحطيم عربات الأمن والمواطنين ومحاولة تحطيم بعض البنايات وإشعال النار فيها لولا تدخل رجال الدفاع المدني الذين حالوا دون ذلك، وتمكنت قوات الأمن من تطويق الحادث وفض المتظاهرين وفتح الطرقات أمام حجاج بيت الله والمواطنين. وقد كذبت بيانات وزارة الداخلية الادعاءات الإيرانية بإطلاق قوات الأمن الرصاص على المتظاهرين، وأثبتت هذه البيانات بالوثائق والصور والأفلام أن أحدا من قوات الأمن أو المواطنين لم يطلق طلقة واحدة على أي حاج إيراني، بل ثبت فعلا أن عددا من رجال الأمن والمواطنين قد أصيبوا بطعنات في أمعائهم وصدورهم بواسطة سكاكين كان يخبؤها الإيرانيون تحت ملابسهم، الأمر الذي يوحي بأن هؤلاء كانوا مستعدين مسبقا لمثل هذه الأعمال، والاصطدام برجال الأمن والمواطنين. ولاحظ المراقبون أن وزارة الداخلية السعودية بادرت فورا بإعلان التفاصيل الكاملة عن الأحداث، وأذاعت أرقام الخسائر البشرية سواء من الجانب الإيراني أو الجانب السعودي بفعل أعمال الشغب الغوغائية بموضوعية. وجاء في بيان وزارة الداخلية أن عدد الوفيات نتيجة هذه الأحداث الغوغائية قد بلغ مع شديد الأسف 402 من الأشخاص كانوا على النحو التالي: 85 شخصا من رجال الأمن والمواطنين السعوديين و42 شخصا من بقية الحجاج الآخرين الذين تصدوا للمسيرة من مختلف الجنسيات و275 شخصا من الحجاج الإيرانيين المتظاهرين ومعظمهم من النساء. بينما بلغ عدد المصابين بإصابات مختلفة نحو 649 جريحا من بينهم 145 من السعوديين رجال أمن ومواطنين، و201 من حجاج بيت الله، و303 من الإيرانيين. أما الخسائر المادية فكانت عبارة عن إحراق ثلاث سيارات وثلاث دراجات تابعة لرجال الأمن، وتحطيم عشرات السيارات من سيارات الأمن والمواطنين والحجاج. واذا اردنا نتابع فلدينا مزيد من المحاولات الايرانية الفاشلة في زعزعة امن المملكة الذي تصدى لهم بكل احترافية ومنعهم من تنفيذ مخطاتهم التي تهدف الى شق الصفوف واللعب على وتر الطائفية، ومن تلك الاحداث محاولة اغتيال سفيرالمملكة في الولاياتالمتحدة انذاك عادل الجبير وحاولات سبقتها بادخال متفجرات الى المملكة لاحداث حالة من الفوضى دون مراعاة لحرمة لدماء المسلمين الذين كان من الممكن ان يكونوا ضحايا المخططات الاجرامية دون مراعاة حتى القيم الانسانية فما بالنا بالدينية؟ كم من مرة حاولت المملكة ودول الخليج مد يد الاخوة الاسلامية والجوار ومعها دول الخليج الى ايران؟ كم من المحاولات التي بذلت لجعل العلاقات العربية الايرانية تكون في مسارها الطبيعي دون جدوى وكل ذلك بسبب تعنت ايران ورغبتها التي ابدا لاتنسجم مع روح الاخوة الاسلامية والتعاون من اجل امن واستقرار المنطقة.. الساسة في ايران يعتقدون ان الأمة العربية في حالة من الضعف لاتمكنها من مجابهة محاولات التمدد الايراني، وان الوهن أصاب مفاصل أمتنا وهذا يدل على غباء سياسي وسوء تقدير من جانبهم فالأمتين العربية والاسلامية وان كان أصابها الوهن والضعف فهناك رجال فيها يستطيعون انتشالها مما هي فيه والنهوض فيها ومواجهة كل من يريد السوء بها.. فكانت (عاصفة الحزم). محاولات إيرانية فاشلة لإفساد موسم الحج 1407 والسيطرة على الحرم المسيرة الغوغائية الإيرانية في أحداث الحرم 1407ه