مجلس التعاون الخليجي يحتفل بذكرى تأسيسه مضيئاً الشمعة السابعة عشرة. فكل عام ومجلسنا فاعل، وكل تعاون عربي بخير. ولن اقول ان الدول الاعضاء حلت كل ما بينها من خلافات، على ما بينها من حدود، او ما يتشابك من تطورات في امور الاستقرار الداخلي وغيرها من التزامات امنية. ولكن وجود مجلس التعاون يظل دعماً لكل عضو فيه يعطي للمجموع ثقلاً سياسياً واقتصادياً، اقليمياً وعالمياً، ويقوى بالمزيد من التنظيم والتنسيق والتفاهم. محظوظون نحن ابناء الخليج اليوم اذ نعيشه يتطور من مرحلة الماضي البسيط الامكانات والسخي بمسببات المعاناة، الى مرحلة الحاضر المتعامل مع ما اتيح له تسخيره من ادوات يومه المتطور… ثم تظل عينه الواعية ساهرة على متطلبات الغد القادم، يعدّ بنيه وبناته لمواصلة مسيرة البناء الواعي. وكلما زرت موقعاً خليجياً ناهضاً كلما زاد احساسي بالفخر، وبالامتنان لهذه الخصوصية التي ترعانا بحنو، وتحمينا بنضج، بقدر ما هي تفخر بكل عطاء من احدنا كثمار غرس طيب ما زال حصاده يعد بالمزيد. لقد قطعت دول الخليج منذ ذلك الوقت شوطاً بعيداً في مسيرة التنمية وفي تنظيم العلاقات الداخلية ما بينها، وتنظيم علاقاتها الخارجية مع عالمها الخارجي المحيط… الحميم عربياً والأبعد من ذلك. ربما اهم ما نتج عن قيام مجلس التعاون هو ترسيخ فكرة التعاون ذاتها عربياً بكل واقعيتها، فقد مرت عقود من الزمن والعالم العربي يحاصر ذاته وتفاوتات مناطقه المختلفة اقتصادياً بشعارات وحدوية نكاد نجمع اليوم على انها ان لم تكن مستحيلة التحقق فهي صعبة التحقيق. واقعياً، التعاون الاقتصادي والسياسي اجدى من مشاريع الوحدة. ففي التعاون خطوة نحو التكامل البناء، بينما الوحدة ترسخ مبدأ اتكالية الجهات مادياً ومعنوياً. فالاجزاء الجغرافية الاكثر تعداداً سكانياً تمتص دخول الاجزاء الاكثر نماء اقتصادياً، وقد ينتهي الامر بانحدار مستوى معيشة الاخيرة متى اعتدل مستوى الاولى… وفي الحالات الاسوأ تعني الوحدة سيطرة الدول الاكثر تطوراً تنظيمياً وتنموياً ومعلوماتياً على الاخريات، حتى لو تفوقت هذه بمواردها الطبيعية. والوحدة السياسية تعني فقدان الذات الاقرب حميمية، لذلك كثيراً ما تلاقي مقاومة حادة من التكوينات السياسية الاصغر والاكثر انسجاماً في مكوناتها، والغالب ان تنتهي تهليلات الوحدة بمظاهرات الانفصال. وما قامت وحدة مفتعلة فوق عوامل الاختلال الطبيعية من اللغة والعرق والدين او حتى المذهب، الا ومع الزمن عادت الى التفكك… وكان بعض التفكك دموياً مريعاً. الدول الاوروبية على اختلافاتها الكثيرة مضت مشواراً ابعد في ترجمة هذه الحقيقة الى واقع في السوق الاوروبية المشتركة. هم اليوم يرسخون التعاون في توحيد انظمة التعاملات الاقتصادية والجمركية والدفاعات المشتركة ولكنهم احتفظوا باستقلالية كل دولة عضو في ما يخصها من الامور. حتى اعتماد العملة النقدية الموحدة والتعامل باليورو لم يفرض على كل الاعضاء. لمجلس التعاون الخليجي تهنئة بكل ما حققه، ودعاء صادق ان تساعده الظروف وصفاء النفوس، والاخلاص للأهداف الاعلى ليحقق المزيد مما يضعه لنفسه من اهداف.