في هذا اليوم يلتقي قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اجتماع القمة السنوي، هو الرابع من نوعه في أبو ظبي الحاضنة لأول قمة خليجية عام 81 حين تم إعلان قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية بدوله الست. وكانت دول الخليج آنذاك تواجه تحديات ليست كالتي تواجهها في الوقت الراهن، إذ كانت الحرب على أشدها بين العراقوايران، بعد سنتين من قيام الثورة الايرانية بكل ما كانت تعنيه هذه الثورة من طروحات وتغييرات. ورغم ما يقال من أن هذه المنظمة كانت ردة فعل فرضتها الأحداث على دول الخليج، فلا شك أنها كانت تمثل الحد الأدنى لما يتطلع إليه الشعب العربي الخليجي، اذ استبشر أبناء الخليج خيراً بهذا الحدث على تواضعه، وتجاوبوا معه، واعتبروه خطوة أولى في مواجهة التحديات التي تفرضها جغرافية المنطقة وأهميتها الاقتصادية، ولبنة في طريق الوحدة خصوصاً أن نظامه الأساسي نص في مادته السادسة واستكمالاً لما بدأه من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها، وتحقيق طموحاتها نحو مستقبل أفضل وصولاً الى وحدة دولها، على رغم أن تسمية المجلس ب "مجلس التعاون" تسمية لا توحي بأن الوحدة هدف من أهدافه. ونعترف بأن المجلس في سنواته الأولى توصل الى مجموعة من الاتفاقات، كما أنه قام بخطوات من التنسيق والتعاون بين دوله، ولكن القليل من هذه الاتفاقات أو بنودها رأى النور. ولكن تسجل للمجلس استمراريته، واستمرارية اللقاء بين المسؤولين فيه، وفي مقدمهم قادة الدول، ما أوجد ميكانيكية تجعل الأمل متوفراً لإعادة النظر في اسلوب العمل، والتجاوب مع طموحات أبناء الخليج بما يمكن عمق الروابط ووحدة الحاضر والمصير بينهم. وجاء التحدي الأكبر لهذا المجلس حين قام النظام العراقي بغزو الكويت عام 90، فهب شعب الخليج هبة رجل واحد لمواجهة الخطر، مع ما ترتب على ذلك من تضحيات وقرارات صعبة. واستطيع القول ان مغامرة النظام العراقي للكويت كانت كارثة كبرى على العرب جميعاً، وترتبت عليها تغييرات جذرية في العلاقات العربية - العربية، وكانت ضربة قاسية للأمن العربي، كما نتج عنها تكثيف الوجود الأميركي والغربي في المنطقة، بالاضافة الى ما سببته من استنزاف لامكانات الأمة وطاقاتها، ولا يزال النزيف مستمراً. وهذا سبب رئيسي من أسباب الأزمة الاقتصادية التي نواجهها في الوقت الحاضر، فميزانيات الإنفاق العسكري، وتمويل الوجود الأجنبي شكّلا عبئاً ثقيلاً على ميزانيات دول الخليج العربية... على حساب البناء والتنمية. وتعقد قمة التعاون في أبو ظبي اليوم والمنطقة تشهد أوضاعاً اقتصادية في غاية القسوة، ولم تكتمل حلقات هذه الأوضاع بعد، لكن الجميع شعر بنارها، ويحاول جهده تخفيف أضرارها. وإذا كانت قمة أبو ظبي الأولى عام 81 هي قمة الانطلاق، فهل لنا أن نطمح بأن تكون قمة أبو ظبي التاسعة عشرة قمة إعادة الثقة والمصداقية للمجلس لدى مواطنيه ولدى الآخرين. أقول ذلك لأني اعتقد أن مصداقية المجلس والثقة فيه تتعرض لامتحان عسير، إذ أن المجلس وصل الى مرحلة من الركود، بل التراجع، والشك في جدواه ما يستوجب علينا جميعاً أن نسعى بكل جهدنا الى إعادة المسيرة الى طريقها الصحيح. ونأمل من قياداتنا المجتمعة في أبو ظبي بأن تكون واعية حجم التحديات وواقع مجلس التعاون ونظرة شعبه إليه، لتتخذ من ذلك منطلقاً لقرارات تاريخية تولد الانطباع بجدية التعامل مع هذه التحديات، ووضع خطط لمواجهاتها. ولئلا يأخذ كلامنا صفة المطلق والكلام الانشائي فإنه لا بد من طرح بعض الأفكار المحددة التي توضح ما قصدناه. ويمكن تقسيم التحديات التي نواجهها الى تحديات داخلية، وأخرى خارجية، وربما تتداخل هذه التحديات غالب الأحيان. إن علينا داخلياً أن نضع في الاعتبار التطورات الاجتماعية والثقافية والمعرفية وأخيراً الاقتصادية التي شهدتها مجتمعاتنا، ما يفرض علينا أن نوفر أكبر قدر ممكن من المشاركة الشعبية للمواطن في صناعة القرار. وفي تقديري ان هذا اتجاه بدأت ملامحه تأخذ وضعها، ولكننا في حاجة الى المزيد لتكريسه وتعزيزه. فالتلاحم بين القيادات والشعب هو الضمان الأول لتحقيق الاستقرار والأمن. ولا جدال في أن السياسة الخارجية من الأهمية بمكان، وانها مترابطة الحلقات وأن ضعف إحدى هذه الحلقات يؤثر فيها بصورة عامة. وعلينا أن نحاول بكل ما نستطيع من جهد أن تكون لدينا سياسة خارجية واحدة، وسياسة قائمة على أسس مدروسة تراعي مصالحنا وتخدم قضايانا وتتجاوب مع ثوابتنا القومية. ولا يعني ذلك التطابق التام فبالاضافة الى أن ذلك غير ممكن فهو غير مطلوب، اذ أن في تعدد وجهات النظر والاجتهادات ما يغني تجربتنا، ان المطلوب أن نتفق على الخطوط العريضة التي تحقق سياسة خارجية واحدة من مجمل القضايا. إن تحقيق الأمن في الخليج العربي مرتبط ارتباطاً عضوياً بالأمن القومي العربي ويخطئ من يظن أن حالة الضياع العربية المعاشة لا تترك تأثيرها المباشر علينا باعتبارنا جزءاً من هذه الأمة، واننا في الخليج العربي أول الكاسبين من عودة التضامن العربي. ولذلك فإن واجبنا أن نسعى وبكل الوسائل لعودة هذا التضامن، الذي سيحقق عودة الروح الى العمل العربي المشترك. وباعتبار أن الشيخ زايد رئيس الإمارات العربية المتحدة سيتولى رئاسة المجلس الأعلى الآن، وبما عرف عنه من إيمان بهذا التضامن ومن شجاعة في الطرح، فإننا نعول عليه في ذلك. وأرى ان علاقاتنا مع اليمن يجب النظر إليها بالكثير من الخصوصية باعتبارها تمثل خصر الجزيرة والبعد البشري والحضاري للخليج العربي. وتبقى أعقد الأمور التي تواجهنا في الخليج هي مشكلة التعامل مع أزمة العراق. ويجب أن نعترف بأنها تمثل اشكالية، إذ أننا جميعاً نعاني أشد المعاناة من قسوة تأثير الحصار على الشعب العراقي، فهو شعب شقيق يربطنا به كل الروابط الدينية والقومية. ولا اعتقد أن هناك مواطناً، حاكماً أو محكوماً، الا ويتطلع الى زوال هذه المحنة التي تتعاظم قسوتها يوماً بعد يوم. ومن ناحية أخرى، فنحن أمام نظام ديكتاتوري مستمر في غيه وفي سلوكه، وأثبت تاريخه صعوبة الثقة به. ان علينا أن نشحذ تفكيرنا للخروج من هذا المأزق، ولا نبقى عرضة للأزمات المتتالية التي تضعنا في حال استنفار مع ما يعنيه ذلك من استنزاف لامكاناتنا المادية والمعنوية والنفسية. وإن من الحلقات التي يجب أن ننتبه إليها ونعطيها حقها من الاهتمام علاقاتنا مع دول الجوار، إذ لا بد أن نتوصل الى استراتيجية واضحة المعالم للتعامل معها وعلى الأخص ايران. وهذا يفترض إزالة ما يعترض العلاقات الطبيعية معها من عقبات، وبالذات تسوية قضية جزر الإمارات العربية المتحدة بكل الوسائل السلمية المتاحة بما في ذلك اللجوء الى التحكيم أو القضاء الدولي. إن سياسة خارجية خليجية واحدة قائمة على السعي الى عودة التضامن العربي، وعلاقات استراتيجية مع دول الجوار، تجعلنا في موقف قوي في تعاملنا مع الدول الكبرى وبالذات الولاياتالمتحدة التي من الطبيعي أن نحرص على علاقات مميزة معها لتشابك العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية، وان حريتنا في التحرك وفي استقلالية قرارنا مع الولاياتالمتحدة تضيق وتتسع حسب ترابط العلاقات المشار إليها أو ضعفها. ان انشاء الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول الخليج العربية يعتبر تطوراً ايجابياً، وبداية جيدة مهما كانت درجة تواضعها للمشاركة الشعبية. وقد تفاءل الناس خيراً بانشاء الهيئة. إلا أنها في حاجة الى الدعم من القيادات حتى تستمر حال التفاؤل هذه، وإلا فإن النتيجة ستكون عكسية. وان تطوير نظام الهيئة يجب أن ينظر إليه بعين الاعتبار لتتمكن الهيئة من القيام بدورها، وبالذات اتاحة الفرصة للهيئة لأن تبادر الى طرح رؤى وتصورات لدفع العمل الخليجي المشترك. ان منطقتنا، بالاضافة الى ما تواجهه من تحديات أمنية وسياسية، تمر بأوضاع اقتصادية صعبة، تستلزم منا أن نتوقف عندها ونعطيها حقها من الاهتمام. وتحاول كل دولة من جانبها أن تتخذ من الاجراءات ما تراه ضرورياً لمواجهة الأزمة. وتؤكد هذه الأزمة، الى جانب الأزمات الأخرى، وحدة المنطقة وتشابه أوضاعها في السراء والضراء، وتكاد ملامح الأزمة ووسائل حلها تكون متشابهة... وأزعم أن حل الأزمة الى جانب الاجراءات الاحادية يستلزم منا، كمنطقة اقتصادية واحدة، تتكامل وتتعاون من أجل مواجهة الأزمة وضع استراتيجية اقتصادية واحدة تربط مصالح أبناء المنطقة وتساهم في معالجة الأزمة على المدى القريب والبعيد. من أبو ظبي كانت انطلاقة العمل الخليجي المشترك... ومع تراجع هذا العمل، وتآكل مصداقيته، هل نطمح بأن تكون قمة أبو ظبي الحالية قمة إعادة الثقة والمصداقية الى مجلس التعاون لدول الخليج العربي. اننا متفائلون بترؤس الشيخ زايد للمجلس الأعلى، فهو رجل يوحي بالثقة ويتوفر فيه الإيمان بالوحدة، ووضوح الرؤية والإرادة لتخطي الصعوبات والانطلاق من جديد. * عضو الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي.